السبت، فبراير 21، 2009

عبدالرحمن الزومة.. حَبِيْبَ الظَّلاَمِ عَـدُوَّ الْحَيَاةِ..!!

منذ مدة تفكيري مشغول بظاهرة الكاتب عبدالرحمن الزومة مُتأملاً ومُفكراً في كنه هذا الرجل العجيب الغريب الأطوار، ومبعث اهتمامي به أنني كلما وجدت له مقالة منشورة وبدأت في قراءتها حتى اصبت بحالة من القرف و الاشمئزاز كوني يشاركني الارتباط بهذه المهنة العظيمة التي جعلها وضيعة ليس إلا مجرد تكسب، فيما هي مهنة أصحاب الرسالات القويمة، و للزومة عبارات وتوصيفات تجعل المرء يتقئ ويصاب بكراهية القراءة، وسبحان الله قبل أيام كنت في حالة سياحة عبر أحد الكتب العربية التي تتحدث عن الاستعمار في دول المغرب العربي بلغة عربية رصينة وعبارات مختارة جميلة مرت عليّ أبيات الشاعر التونسي أبا القاسم الشابي التي تهجو المستعمر لا أدري لماذا انصرف ذهني إلى الكاتب عبدالرحمن الزومة من خلال هذه الأبيات:

أَلاَ أَيُّهَـا الظَّالِمُ الْمُسْتَبـِــدُّ حَبِيْبَ الظَّلاَمِ عَـدُوَّ الْحَيَاةِ سَخِـرْتَ بأَنَّاتِ شَعْبِ ضَعِيْفٍ وَكَفُّكَ مَخْضُـوْبَـةٌ بِالـدِّمَاءِ وَسِرْتَ تُشَــوِّهُ سَحْـرَ الْوُجُـودِ وَتَبْـذُرُ شَــوْكَ الأَسَىٰ في رِبَاهُ رُوَيْـدَكَ لاَ يَخْـدَعَنَّكَ الـرَّبِيْعُ وَصَحْوُ الْفِـضَاءِ وَ ضَوْءُ الصَّـباحِ سَيَجْرِفُكَ السَّيْلُ سَيْلُ الدِّمَاءِ وَ يَأْكُلُكَ الْعَاصِفُ الْمُشْتَعِــلْ

ولا أجد نفسي ظلمت هذا الكاتب، فهذه الأبيات تصف بالفعل حالة الزومة وهو يحاول النيل من الصحافيين والوطنيين والشرفاء من أبناء بلادي بسبب أن لهم وجهة نظر مخالفة للنظام الذي يؤيده ويدافع عنه، وأنا هنا لست في مقام تحليل الافكار التي يحملها الكاتب ولا بمعرض مناقشة ما يكتبه هذا الكاتب، لكنني في مقام وضعه انموذج لكُتاب السلطان في أحدث عصور التاريخ، مترصداً كل ما يُكتب ضد نظامه، بالكتابة التي تخلو من ابداع ومن فهم لأصول اللعبة الصحفية والابداعية، متجرداً من كل احساس بما يفعله النظام من قتل وتشريد للشعب الذي ينتمي إليه هذا الكاتب الخارج على الاخلاق والتقاليد السودانية السمحة خاصة في اتهامه للصحافيين بالارتزاق للاجنبي وهو يعلم علم اليقين بطلان هذه الفرية، إلا أنها السقوط في وحل الخطئة الكبرى التي لا تخرج صاحبها إلا لمزبلة التاريخ.

ان الشعب السوداني عُرف منذ القرون الغابرة شعب متسامح.. طيب.. كبير القلب.. يحكم عقله قبل كل شئ في تعامله مع الاخرين، وعندما أقول ان عبدالزومة خارج عن الأدب الاجتماعي السوداني والاعراف والتقاليد فأنا أقصد بذلك أن لغة السباب والتخوين التي يكتب بها خاصة ضد أشقائنا الجنوبيين وعموم المخالفين له في الرأي لا تشبهنا بأي حال من الأحوال، وما جلسنا في مجلس نتحدث عن ما يدور في السودان ونبدئ قلقنا من مما يحدث إلا وجاءت سيرة الذين يشعلون نار الخلافات والفتن ويوقرون الصدور ويزيدون النار اشتعالاً إلا وكان عبدالرحمن الزومة أحدهم بجانب صديقه رئيس منبر الشمال..!!.

والزومة برغم انه استاذ جامعي كما أعتقد إلا أنه لا يتعب نفسه بالقراءة والاطلاع على التراث الفكري العربي و الاسلامي، وحقيقة لا أدري كيف أن كاتباً مثل الزومة استاذ جامعي لا يحمل أي صفة من صفات أصحاب المعرفة التي يضئون للناس حياتهم بنور المعرفة، ولا يحمل أي سمة من سمات العِلم والتعلُم من ورع وتقوى وتواضع وأدب وفكر بحيث لا يكتب ما يكتبه من إساءات وهطرقات لا تسئ إلا لنفسه ولنظامه الذي لم يجد من يدافع عنه إلا أمثال الزومة.

في كتابه القيم (القرآن والسلطان.. هموم إسلامية معاصرة) قال الكاتب فهمي هويدي متسائلاً عن من المسئول عن هزيمة المسلمين بقوله " هل هو القرآن أم السلطان؟"، فيرد على السؤال "الجواب: معلوم لكل ذي بصيرة، وهو الفصل أو البعد بين القرآن والسلطان وإن كان البعض من العلمانيين يلقون باللوم على القرآن وهذا منهم ليس غريبا، فهم أصحاب فكر غربي بعيد عن الإسلام، إذ أن القرآن كان موجودا مع السابقين فطبقوه في الدين والدنيا، فتقدموا في جميع العلوم والمعارف، في الوقت الذي كانت تعاني أوربا من الجهل والتخلف، والقرآن الذي تقدم به السابقون هو الذي بين أيدينا اليوم، فلماذا لم نتقدم كما تقدموا؟ وتأخرنا وتخلفنا عن ركب الأمم؟".

ويستدرك الكاتب فهمي هويدي بإضافة جميلة بالاجابة على السؤال قائلاً:

"السبب في ذلك بُعد السُلطان عن القُرآن، وترك السُلطان للقرآن والسير في طريق مُخالف للقُرآن، هذا هو السبب في تخلف وهزيمة الأمة"، وفي اعتقادي أن الكاتب عبدالرحمن الزومة لم يقرأ هذا الكتاب ولم يفكر حتى في إذا ما كانت الأمة الاسلامية تعيش هزيمة أم لا، وإن ما قاله الكاتب فهمي هويدي يمكن أن ينطبق على الحالة السودانية الراهنة أم لا..؟.

المهم في الأمر أن الكاتب الزومة لا يقرأ ما يُكتب عن قضايا العصر ذلك لأنه يعيش في القرون للبشرية الأولى وقد تأكد لي ذلك تماماً، خاصة بعد أن دخلت على الجريدة التي يكتب فيها فتحت الزاوية التي تنشر فيها مقالاته فلم أجد له عنوان بريد الكتروني في حين كُل كُتاب الصحيفة معه في ذات الصفحة الالكترونية لهم عناوينهم البريدية، يمكن للمرء أن يتواصل معهم فكيف بالله كاتب (كبير) في حجم (الزومة) ليس له بريد الكتروني..؟!. هذا يدل على أمرين ان الكاتب بالفعل مُتخلف عن الركب والعصر أو لا يحتمل استلام الردود على ما يُكتب لعدم الكفاءة في الرد على البريد، والذي بلا شك قد تكون من بينه ردود على مستوى عال من الفكر و النقد والحوار واللغة العربية الرصينة، فمن أين للزومة هذه الآليات التي لا يملكها ولا يعرف إلا استخدام (القوسين) وما بينها من همز ولمز.!!.

وبالتالي لا يحق للزومة أن يعيش بيننا في عالم اليوم..عالم حقوق الانسان..عالم التواصل الأسفيري..عالم الحريات الصحفية..عالم التحاور بالحسنى، عالم التغيير وطئ صفحات الماضي الأغبر الذي يرفع الناس بلونها وسحنتها ويذل آخرين بمعايير عفى عليها الزمن وشرب، والزومة يضره التغيير بشكل كبير، لأن عالم اليوم يسر في هذا الطريق حيث يتخذ الكفاءة والمصداقية معياراً لتبؤ المراتب العليا القيادية، ومن أجل هذا يعمل الزومة وأصحابه لوقف عجلة الزمن عن الدوران وأنْا له هذا..!.

الزومة عندما يتحدث عن نهج (الانقاذ) لا يعرف وهو الاستاذ الجامعي أن الحرية ينبغي أن تكون أولاً، والحرية هي السبيل الوحيد لنهضة الأمم لينطلق المسلم إلى الأمام دون خوف أو وجل، المقصود بالحرية تلك هي التي تجعل الإنسان ينطلق بالفكر والإبداع والعلوم والمعارف فلا يصادر له فكر ولا يُحاسب له قلم ما دام أنه يستهدف في المقام الأول تطور بلاده ووجعلها على مصاف الدول التي تحضرت وتقدمت.

كما أن الزومة لا يعرف أن من الأمور التي تضعف المسلمين وبالتالي الإسلام هي الجور والظلم وذلك لأن الجور والظلم يفسدان الأخلاق والضمائر، وإذا فسدت الضمائر والأخلاق دمرت البلاد العامرة، وخربت الديار وانقرضت الدول، وهذا ما حدث بالفعل لبلادنا والزومة ينكر هذه الحقيقة ويتخيل أن البنايات الكبيرة التي تسابق بعضها قمة التطور والتقدم، في حين انتشرت في ظل النظام الذي يدعي الحكم بـ(الاسلام) كل الموبقات وانتشرت الرزيلة في كل مكان، أصبحت أرقام النساء المُطلقات واللآتي يطلبن الطلاق بعشرات الآلاف، المغتربين والفارين بجلدهم من أمثالنا، والمُهجرين والمهاجرين بالملايين، والذين لقوا حتفهم في حروب الجنوب ودارفور بالملايين وفي ذات الوقت تطال مقالات كاتبنا الزومة كل من يتعرض للنظام بالشتيمة وإلصاق تهمة الارتزاق.

أَيُّهَـا الظَّالِمُ الْمُسْتَبـِــدُّ عبدالرحمن الزومة.. حَبِيْبَ الظَّلاَمِ عَـدُوَّ الْحَيَاةِ

هنيئاً لك بـ(الانقاذ) وهنيئاً لـ(الانقاذ) بك..

الإسلاميين وفقدان المرؤة.. ونخوة سيد احمد خليفة

قبل أيام أرسل لنا الاستاذ سيداحمد خليفة رسالة تقطع القلب تنادي بمساعدة الاخ صلاح عبدالله صاحب أشهر معامل للتصوير الملون في السودان حيث يقبع في السجن بسبب قضايا مالية، ولأن الرجل غير منتمي للمؤتمر الوطني وكأن الذين سجنوه يقولون له "خلي المؤتمر الشعبي ينفعك"، كان حظه العاثر أن يكون في السجن فيما من هو فاسد بالأدلة الدامغة والملفات في ديون الثراء الحرام أمثال المهندس رئيس مجموعة بنك النيلين للتنمية الصناعية الذي أكل في بطنه مئات الملايين المتلتة من حر مال الشعب السوداني ولم تمتد إليه يد العدالة لا نيابة المال العام ولا محافظ بنك السودان،ذلك لأنه قائد نافذ في (المؤتمر الوطني) الحزب الحاكم حيث يستظل هناك الفاسدين بنعِم وكرم الحزب الحاكم لم يمسسهم سوء يعيشون في رفاهية من العيش.

لكن الغربية أن تأتي هذه الدعوة من سيدأحمد خليفة ..يا الله ..كم هذه الحياة تافهة ولا تسوى جناح باعوضة، سيداحمد خليفة الذي سمته الحركة (الاسلامية ) سيداحمد (فضيحة) وفضحته ولم تراعي فيه إلا ولا ذمة، ونشرت له صوراً نالت من سمعته وأضرت به كثيراً، اليوم خليفة يدافع بل يصرخ أن هلموا يا اسلاميين لنجدة أخيكم صلاح عبدالله.. وما أدراك ما صلاح عبدالله..!!.

الأستاذ محجوب عروة كتب اليوم في عموده "أن صلاح عبدالله الذي يقبع داخل أسوار سجن أم درمان لا لسبب جناه إلا لأنه اقتحم وبادر وعمل بكل الكفاءة والإقتدار والتصميم والعزم على تطوير صناعة من أجمل الصناعات وأكثرها حاجة للعقول النيرة المتفتحة وهي صناعة التصوير الفوتغرافي ثم طباعة الأوفست بأروع ما يكون فطوّر أعمال والده ولأنشأ الاستديوهات ثم معامل التصوير الملون كأول معمل في أفريقيا وقدم لوطنه الإبداع والجمال مستفيداً من خبرة واسعة ثم علم تلقاه في أفضل المعاهد الألمانية فلم يغترب ولم يغتر ويفيد بلاداً أخرى بل أفاد وطنه وشعبه في ظروف قاسية حتى قيام أعظم صرح صناعي للتصوير الملون والطباعة وأسهم بعد الانتفاضة في طباعة الصحف بمستوى متطور كأول قطاع خاص في هذا المجال عندما كان لستة عشر عاماً محتكراً لمؤسستين حكومتين (الأيام والصحافة المايوية) والأمر الذي شجع الكثيرين من أمثالنا ليقتحم هذا المجال بعد أن فتح ومهد لنا صلاح عبدالله الطريق حتى وصلت المطابع الصحفية اليوم للعشرات".

وقال عروة أيضاً "لقد دفع صلاح عبدالله ثمن السياسات الاقتصادية المتضاربة خاصة الائتمانية والمالية والنقدية وأخيراً دفع ثمن غيره فانتهى إلى ما إنتهى إليه،صلاح الذي دفع من حر ماله للحركة الإسلامية وهي في حاجة الى القرش الواحد وفي أحلك الظروف".

لازلت أتأمل طويلاً في صرخة سيداحمد خليفة لنجدة صلاح عبدالله في الوقت الذي صمتت فيه كل أقلام الاسلاميين (وطني وشعبي) مما يحدث الآن في البلاد من تطورات إلا من رحم ربي، صمتت أقلام كانت يوماً تهز الدنيا، صمتت..و قد ارتسمت في وجوههم أحلام العودة إلى عهد الأضواء.. إلى كرسي الحكم وحياة الترف والمؤتمرات الداخلية والخارجية وحياة الاجتماعات المغلقة، إن مواقف وسلوكيات (الإسلاميين) تجاه الآخرين وحتى رفقاءهم، تؤكد أنهم قد فقدوا الأخلاق الإسلامية التي جاءوا بها للسلطة، فضلاً عن إنهم فقدوا النخوة والمرؤة، وتدل على ذلك حالة الأخ صلاح عبد الله ومن قبله حالة الأخ الفاضل محمد عبد الله جار النبي وكلاهما قد ساهم في ما وصلت إليه الحركة (الإسلامية) من تطور حتى وصلت إلى سدة الحكم، ولكن العزاء الوحيد أن الله سبحانه وتعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وهو القادر وحده على نصرة المظلومين وقد أصبح الشعب السوداني جله ضمن هؤلاء المظلومين الذين تسببت الحركة (الإسلامية) في ظلمهم حيث شردتهم وقتلتهم ومزقتهم شر ممزق، ولا يغر البعض جموع الناس التي تستقبل الرئيس عمر البشير في زياراته لولايات السودان المختلفة فإن المعايش جبارة وقد نال الفقر من أهلنا في السودان مبلغاً جعلهم يوالون النظام بأجسادهم لا بقلوبهم.. لكن لماذا يقف الإسلامييون (وطني وشعبي) هذا الموقف من قضية صلاح عبدالله وإذا افترضنا أن (إخوانه) في المؤتمر الوطني لهم عذرهم الواضح فلماذا يحسب (إخوانه) في المؤتمر الشعبي إنهم غير معنيين بمشكلته..؟؟. أتساءل هذا السؤال وانا أعلم أن عدداً كبيراً من أعضاء المؤتمر الشعبي من الكفاءات والخبرات العليا يعملون في الخارج في وظائف كبيرة ولهم مداخيل كبيرة، فبإمكانهم إقالة عثرة أخيهم المسجون في سجن أم درمان، لكن واضح أن صوت العقل الذي مثله سيد احمد خليفة كان هو الأقرب إلى حل مشكلة الرجل من صمت (الإسلاميين) المشغولين حالياً بمتابعة أخبار السودان في الخارج علهم يجدون ضوءاً في الأفق للمصالحة مع المؤتمر الوطني، وفي ظل متابعتهم هذه لا يسمعون صرخات لاجئ دارفور في معسكراتهم، ولا تلك الأصوات النائحة على إزهاق أرواح الأبرياء جراء هجمات الجنجويد وجيوش الحكومة الجرارة الزاحفة منها والطائرة والراجلة والراكبة على الحصين. وأخيراً أقول أن مشكلة صلاح عبدالله يمكن أن تُحل في أقل من يومين مهما كان المبلغ المطلوب لو كانت النفوس وفية لسنوات العمل الإسلامي الطويلة، لكن يبدو أن الوفاء أصبح عملة نادرة جداً،وفي هذا المنحى لابد من تثمين الموقف الإنساني الرائع والنبيل للأستاذ سيد احمد خليفة الذي أكد معدنه الأصيل ونخوته السودانية الحقة فله مني التحية والتجلة.

والله من وراء القصد

واللهم أغفر لنا بُعدنا عن الضعفاء والفقراء والمساكين في كل أنحاء السودان، والمظلومين في معسكرات اللجوء الذين يعانون ويقاسون مآسي الأوضاع غير الطبيعية.. اللهم في هذا الشهر الكريم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا وبارك لنا في أسماعنا وابصارنا ما أحييتنا.

19-09-2008

لماذا اختفى الطيب (سيخة)..؟؟

من خلال متابعاتي الدقيقة لما جرى في المؤتمر القومي الثاني للحزب الحاكم في السودان من مداولات ومن خطابات وتوصيات كان ختامه المؤتمر الصحفي لرئيسه عمر (البشير) كنت سأتناول بالتحليل ما دار فيه وما خرج به من توصيات، لكن ثمة سؤال ألح عليّ كثيراً وأنا أتابع اليوم الأخير للمؤتمر فوددت أن أشرك معي القارئ الكريم في الإجابة على السؤال الطارئ.. لماذا اختفى الطيب إبراهيم محمد خير (الطيب سيخة) ولماذا أفل نجمه وهو أحد قادة الحزب الحاكم والمستشار الأمني للرئيس، ومركز القُوى الكبير وسط العسكريين والعاملين في الأجهزة الأمنية للنظام الحاكم.

وكما هو معلوم بأن الطيب (سيخة) المتخرج في كلية الطب جامعة الخرطوم استمد لقبه من الحراك العنفي للإسلاميين في القطاعات الطلابية بجامعة الخرطوم، أكثر (الإسلاميين) الذين سلطت عليهم الأضواء اللامعة، ساحباً البساط من تحت أرجل كل الذين شاركوه تنفيذ انقلاب الثلاثين من يونيو، وزيراً لمجلس الوزراء ثم والياً لولاية دارفور ، وزيراً للإعلام، ثم وزيراُ للعمل والإصلاح الإداري، ثم وزيراً للتخطيط الاجتماعي، ثم أُعيد تعيينه في منصب مستشار الرئيس للشؤون الأمنية المنصب الذي يعرف لجميع العاملين في دوائر الحكومة من الإسلاميين أنه منصب شرفي ليس إلا وليس له أي علاقة بالواقع الأمني الذي يجري في البلاد لكن المهم جداً معرفته هو أن النظام الحاكم ورئيس الجمهورية شخصياً لا يمكن ألبته الاستغناء عن شخصية الطيب إبراهيم محمد خير، تماماً مثل شخصية وزير الدفاع الحالي عبد الرحيم محمد حسين لما للرجلين من أهمية ليس لها صلة بالعمل التنفيذي في دولاب الدولة لكن للأسرار الخطيرة والكثيرة التي في جعبة كل منهما فسنين الحكم الـ 18 عاماً التي حكم فيها (الإسلاميين) السودان اندلعت فيها حروباً كثيرة في جنوب السودان وشرقه، وحرب دارفور لا زالت ماثلة للعيان وآثارها تعصف بمستقبل السودان، وكذلك خاض النظام حروباً من نوع آخر مع كل من يوغندا وأريتريا وفي البدايات مع السعودية ومصر، وبالطبع فإن مصر بعد فشل محاولة اغتيال رئيسها في أديس أبابا قد استفادت أيما استفادة من هذا الكرت وجعلت السودان كله بتاريخه وجغرافيته وإمكانياته الهائلة لعبة في يديها تحركه كيفما شاءت، فكل هذه الأحداث الجسام فيها ما فيها من أسرار ومن ملفات كلها بحوزة الرجلين.

دور استراتيجي

الطيب (سيخة) معلوم هو أحد الرجال المُهمين في تنفيذ الانقلاب المشئوم صبيحة 30 يونيو 1989م، وقد أدى دوراً استراتيجياً في تثبيت أركانه، فهو يمتاز بقوة التنظيم والترتيب وسرعة البديهة والحنكة الكبيرة في المناورة وقيادة الخلايا الصغيرة والدقيقة وقد أعطاه الله تعالى السرعة في الالتصاق بالناس وقوة المنطق والإقناع والأريحية والسرعة الفائقة في معرفة الأشخاص وتاريخهم وتعلم لغات الآخرين والتعلق بهم، والطيب سيخة يمتلك ذاكرة قوية تمكنه بسهولة من الخروج من المآزق التي تصادفه في حياته، الطيب سيخة يمتلك عاطفة جياشة وقد ظهرت في قصائده التي كتبها في أوج عمله التنظيمي في نهاية السبعينات وقد كتب القصيدة المشهورة عند الإسلاميين:

إلى أختي ..إلى ذاتي..إلى روحي..إلى محبوبتي أنتي

إلى من قلبها بالنور يغمرني ويأمرني بأن أتلو من القرآن آياتي... إلخ

ولكن هذه العاطفة الجياشة أدخلته في مشاكل كثيرة منها ما هو شخصي وسياسي وأمني جعلته في موقف صعب مع المقربين منه، فكاتب هذا المقال نشر مقالة كبيرة بصحيفة "ألوان" عام 1994بعنوان (رسالة خاصة للطيب إبراهيم محمد خير) انتقده فيها نقداً شديداً وقاسياً بسبب المتغيرات الكثيرة التي حدثت في حياته وقد كان كثير المفاخرة بأنه من صلب الشعب منه وإليه وذلك عندما كان يسكن في منطقة (مرزوق) الشعبية شمال أمدرمان، وكان لا يأكل إلا أكل عامة أهل السودان مثل (الكسرة والقرُاصة والبامية الفرك) وعندما رحل إلى بيت(الحكومة) في منطقة النقل النهري في مقابل القصر الجمهوري من جهة الخرطوم بحري بدأت حياة الرجل تتغير على نحو غريب لا يشبه القدوة التي اشتهر بها بين جيل الشباب في معاني القوة والشجاعة والتدين والتميز والزهد والبعد عن شهوات النفس وحب المطامع.

هذا المقال الذي كتبته تسبب له في مشاكل كثيرة، لكوني كنت أضع الرجل في مكانة عظيمة وكنت حقيقة أفاخر به لما لمست فيه من ايجابيات قل نظيرها في غيره، وقد عشت مع الرجل أياماً جميلة في مدينة الفاشر عندما كان والياً لدارفور الكبرى، آنذاك وقد رافقته في مناسبات عديدة وأهمها تسليم مهام حكم الولاية إلى ثلاث ولاة جُدد عندما تم تقسيم الولاية إلى ثلاثة ولايات شمال دارفور وغرب وجنوب دارفور، قد تعودت على قضاء الأمسيات معه في قصره وكنت لا أضيع فرصة إلا وثقت لحركته واجتماعاته ولقاءاته مع زعماء قبائل دارفور وجل المناسبات التي كنت أحضرها هناك، وكان الطيب (سيخة) مصدر ثقة بالنسبة لرئيس الجمهورية في مسؤوليته تجاه ملف دارفور قبل الحرب.

ولكن لماذا أفل نجم الطيب (سيخة)..؟؟

لهذا الأفول أسباب كثيرة في نظري من بينها ما ذكرته آنفاً (العاطفة الجياشة) نحو أشخاص يلتقي بهم في مسيرته الحياتية ولا يستطع الفكاك منهم ويتعلق بهم شديداً ويتسببون له في مشاكل كثيرة، لكن أهم الأسباب أن الرجل بأي حال من الأحوال بعيداً عن محور مركز الحكم القوي والمتمثل في مجموعة علي عثمان محمد طه، فالطيب (سيخة) شغل نفسه كثيراً بالاستراتيجيات المتعلقة بالجانب العسكري والأمني فيما يتعلق بعلاقة النظام مع المعارضين عسكريين وسياسيين، وكما هو معلوم للجميع أن مركز القوى الحاكمة يتحكم فيه جهابذة مع علي عثمان محمد طه مثل د.نافع علي نافع واللواء صلاح قوش ود. عوض الجاز، فمن الطبيعي أن لا يكون للطيب (سيخة) مكان في هذا المحور سيما وانه محسوب على محور عمر البشير، والذين يعرفون طبيعة محور الحكم يدرك أنهم قد تعودوا على ضرب محور رئيس الجمهورية ببعضهم البعض حتى لا تقوى لهم شوكة تماماً مثل ما فعلوا مع معارضيهم في الأحزاب (ضرب حزب الأمة مبارك الفاضل مع الصادق المهدي) وضرب (الاتحاديين الشريف الهندي مع الميرغني) وساهموا في زعزعة الشيوعيين فخرجت منهم كيانات مختلفة ضد بعضهما البعض.

فالطيب إبراهيم محمد خير كان في فترة من الفترات يمثل مشروع (رئيس جمهورية) فللرجل شعبية واسعة وسط السواد الأعظم من الشباب، فالطيب سيخة حركي إسلامي جاء من وسط الطلاب، والرجل خبير عسكري، وأمني، صاحب شبكة من العلاقات قوية جداً مع السياسيين من جهة والعسكريين والأمنيين من جهة آخرى، فما كان يشاركه في هذا الطموح غير علي عثمان محمد طه و د. مجذوب الخليفة، فرحل الثاني وبقى الأول تحميه قوة ضاربة اقتصادية وسياسية وأمنية وعسكرية، وقد أصبح طريقه إلى كرسي الرئاسة مسألة وقت ليس إلا..!!.

فالطيب غير كل هذه المواصفات شخصية دبلوماسية من الطراز الفريد ففي عام 1994م عندما التقى الأمير نايف عبد العزيز آل سعود في مؤتمر وزراء الداخلية العرب في تونس، وكانت علاقة البلدين في قمة العداء، والناس لا تنسى حديث المقدم يونس محمود في الإذاعة السودانية عن المملكة العربية السعودية والإساءات البالغة التي وجهها إلى مليكها آنذاك الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، وأتذكر كنت قريب جداً من الطيب (سيخة) وذكر لي ما دار بينه ووزير الخارجية السعودي، وكيف أن الأمير نايف جلس معه في مقر إقامته في الفندق وتباحث معه على تحسين العلاقات بين البلدين، وفي ذات اللقاء طلب الأمير نايف من الطيب (سيخة) كشفاً باحتياجات السودان بالنسبة لوزارة الداخلية فنزل إلى رغبته وما هي إلا أسابيع قليلة حتى وصلت إلى ميناء بورتسودان باخرة محملة بمئات السيارات والمعدات الأمنية بعد أن طافت بها عدداً كبيراً من الموانئ بهدف التمويه حتى لا يقال أن السعودية تدعم السودان.

ما هي قصة الحرس الخاص..!!

الطيب سيخة أكثر قادة (الإنقاذ) الذين أطلقت فيهم الإشاعات التي يتداولها المجتمع بشكل كبير وأهمها إشاعة التي تتعلق بحرسه الخاص ومحتواها يتلخص في أن الطيب (سيخة) طلب من حرسه الخاص التابعين للشرطة العسكرية للواء السادس الرجوع إلى مقر قيادتهم في مدينة الفاشر بعد أن انتهت مهمتهم في الخرطوم إلا أن الحرس الخاص رفض الامتثال للأوامر وهدد بكشف أشياء لم يسمونها ، لكن الأمر الواضح أنه استمر وجودهم في العاصمة الخرطوم بل تداول البعض أن الطيب سيخة ساهم في تخصيص بيت لكل منهم والبالغ عددهم 4 أشخاص.

وعلاقة الرجل بحرسه الخاص يمكن أن أقول أنها من أكثر الأسباب التي ساهمت في أفول نجم الطيب سيخة، فالعلاقة كانت غريبة بعض الشئ تجاوزت حدود مهنة الحراسة إلى أماكن أخرى أعتقد أنها سبب وجيه جعل الجهات الرسمية التي تتعامل مع الرجل تنظر إليه بعين الريبة والإخفاق، فحدود العلاقة بين الشخصية القيادية وحرسه الخاص واضحة لا تحتاج إلى منظار دقيق..!!.

هناك كراهية شديدة للغاية تجاه الطيب (سيخة) من قبل عدد من العسكريين (الإسلاميين) من بينهم (يونس محمود) وغيره وذلك بسبب الكتاب الذي ألفه آخر أيامه في الفاشر وقد قرأت فقرات منه قبل الطباعة والكتاب باسم (الطريق إلى بور) والكتاب كشف عن فشل السياسة والعقيدة العسكرية للجيش السوداني خاصة في فترة الديمقراطية الثالثة (1985-1989م) والكتاب نشر اسراراً خطيرة للعمليات العسكرية التي خاضها الجيش ضد الحركة الشعبية في تلك الفترة الأمر الذي أغضب مجموعة من العسكريين وقد رأوا في إصدار الكتاب إساءة إلى القوات المسلحة السودانية ولتاريخها الطويل، فقاموا بجهود كثيرة جدا لوقف توزيع الكتاب الذي بيع في المكتبات، و نُشرت منه حلقات في بعض الصحف اليومية.

وفي الخرطوم الآن أحاديث كثيرة تقول أن الجهات الرسمية قد طلب من الرجل الرحيل من منزله الحكومي لأن شركة إماراتية اشترت كل المنطقة الواقعة فيها بيوت قيادات النقل النهري وهذه البيوت كانت سكن الحاكم العام الانجليزي قبيل الاستقلال، ومن ضمن ما يقال حالياً أن الرجل قبض مبلغاً ضخماً لترك المكان لكنه رفض وتعنت، فيما أخلى كل السكان منازلهم ومن ضمنهم مصطفى عثمان إسماعيل، وآخرين.

لقاء د. خليل إبراهيم (قائد العدل والمساواة)

لكنني استغربت كثيراً لإبعاد الرجل عن ملف دارفور وهو الذي يمتلك علاقات حميمة للغاية مع قبيلتي الفور والزغاوة الأمر الذي جعلهم يُكنون له محبة خاصة وكانت بينهم وبينه مساجلات وبرامج ولقاءات عامة وخاصة، وعندما كان ولاياً لدارفور تعلم لغة (الفور) القبيلة الأكثر انتشاراً وتأثيراً في المنطقة، وأيضا اشتهر الطيب (سيخة) بحب الناس له في دارفور وخاصة الذين ارتبطوا بالإعلام الشعبي وأتذكر كنت مرافقا للرجل عندما ضربت الأمطار مدينة الفاشر وتأثر الناس هناك تأثيراً شديداً وكان برفقتنا رجل البر والإحسان الفقيد أدم يعقوب ضمن وفد رسمي كبير وذلك في العام 1997م فالزيارة كانت جولة تفقدية للمناطق التي تأثرت بغزارة الأمطار وكانت من ضمن المستقبلين الحكامة المشهورة خديجة أم رطوط التي أرادت تسليم رسالة عفوية لرئيس الجمهورية وبينت من خلالها المآسي التي حدثت في دارفور بعد انتهاء ولاية الطيب سيخة فقالت بعفوية شديدة وبصوت جميل مموسق:

"الطيب أبو فليجة .. كلم أبو رقيبة،، خليهو يكلم أبو صليبة ويقول ليهو دارفور الحالة صعيبة"

وطبعا العبارات واضحة أبو فليجة هو الطيب إبراهيم محمد خير،وأبو رقيبة تقصد الزبير محمد صالح، وابوصليبة تقصد الرئيس البشير.. وأهل دارفور دائما كانت رسائلهم قصيرة ومختصرة وواضحة المعالم والقرض بدون لف ولا دوران.

وعندما حضرنا للخرطوم بعد مشاركتنا في الحملة العسكرية الخاصة بالرد على (الأمطار الغزيرة) على طريق نمولي طلب مني الطيب إبراهيم محمد خير الذهاب إلى د. خليل إبراهيم (زعيم حركة العدل والمساواة حالياً) وزير الصحة بولاية شمال دارفور آنذاك و الإتيان به في مكتبه بوزارة العمل والإصلاح الإداري، بالفعل ذهبت للدكتور خليل وأتيت به، وأتذكر خليل إبراهيم كان لا يزال يرتدي اللبس العسكري وجلسنا مع الطيب سيخة طويلا ودارت نقاشات طويلة وخلال النقاش كان هناك الزميل المصور الصحفي بجريدة (الإنقاذ الوطني) الأخ "مولى" فطلب الطيب من المصور أن يلتقط لنا صورة تذكارية، كان معنا في الصورة شهيد التلفزيون الذي غرق في نهر النيل أخي العزيز الذي نكبت بفقده طيب الذكر الزميل مهيد بخاري (عليه الرحمة والغفران) وذهبت إلى عملي وتركت الطيب مع ضيفه وعرفت في اليوم الثاني أن الأول أصر على الثاني الذهاب معه إلى البيت لتناول الغداء وبعد فترة قابلت د.خليل إبراهيم الذي أكد لي أنه والطيب إبراهيم تناقشا في أمور عدة من بينها مشكلة دارفور التي لم تكن في حينها معروفة لدى عامة الناس، لكن كانت هناك مطالبات مستمرة من أبناء دارفور إلى القائمين على الأمر في الخرطوم.

لكنني أتوقع أن يكون ابعاد الطيب سيخة تم بسبب تدخله في السياسة الإعلامية للحكومة فهو كثير النقد لسياساتها في التعامل مع الإعلام والصحافة، وأتذكر عندما كان الطيب سيخة يجتمع أسبوعيا بعدد كبير من الصحفيين الكبار والمؤثرين ويتبادل معهم الأفكار والمعلومات، وحينما وجد الرجل أن هذه اللقاءات قد أثمرت نتائج مُقدرة، قام بتأسيس مجلس إعلامي منوط به رسم السياسات الإعلامية لوزير الإعلام، وعندما تم تعيين الرجل في وزارة أخرى تعطل عمل المجلس الإعلامي، ولم يعد أحد يلتقي بالصحفيين والإعلاميين.

كما يمكننا أن نقول إن اختفاء الطيب إبراهيم محمد خير عن الأضواء يأتي في إطار الخلافات الحادة بين الحاكمين في الخرطوم وفي سياق تصفية الحسابات والتي أتوقع أن تظهر على سطح الأحداث في الفترة المقبلة.

قد يقول قائل لم كل هذا المقال عن الطيب (السيخة) والرجل مُتهم في قضايا حقوق إنسان عديدة من بينها مقتل د. علي فضل الذي مات أثر تعذيب تعرض له في معتقله في العام 1990م، لكن أقول أن جل قادة النظام متهمين في قضايا من هذه الشاكلة التي تعدت مقتل المعارضين المحليين إلى مقتل رؤساء دول والإطاحة بأنظمة حكم، وإبادة شعب، لكن عندما نكتب فإننا نكتب للتأريخ وللأجيال القادمة من أجل الحفاظ على الدماء الجديدة حتى لا تقع فيما وقعنا فيه نحن،،، ونسال الله العفو والعافية.

الخميس، فبراير 19، 2009

أطلقوا سراح الرئيس عمر البشير..!!.

لاشك أن مؤسسة الرئاسة في بلد كالسودان تمثل البوصلة التي تسير عليها البلاد والعباد، وهي مربط الفرس في كل ما يمس البلاد، وهي المسؤولة دون غيرها عن وحدة الأرض والشعب، والموارد البشرية والمادية، في بلاد يمثل فيها رئيس الجمهورية (الكُل في الكُل) حيث البرلمان (سُلطة) ليس لها أي (سُلطة) على القرارات التي تحدد مُستقبل البلاد، كما معمول به في سائر بلاد العالم. ولذا نقول أن (رئيس الجمهورية) تقع على عاتقه مسؤولية عظيمة وتاريخية، وهو الوحيد في الدولة الذي تسلط عليه الأضواء أكثر من أي منصب آخر، هو الذي (يُحيي ويُميت) إن شاء دخل بالبلاد في حرب ضروس لا تبقي ولا تزر، وإن شاء وفر للبلاد حالة السلم والاستقرار والتنمية والرفاهية وأخرج خيرات البلاد من باطن الأرض، ومن ينكر ذلك يعيش في عالم آخر غير السودان. وكل ما يصدر عن رئيس الجمهورية له مكان في سجلات التاريخ ليس الوطني فحسب بل الإقليمي والدولي، ومن هنا تأتي أهمية التطرق إلى مواقف رئيس الجمهورية في الأحداث التي حدثت في السودان منذ العام 30 يونيو 1989م وحتى اليوم. في صحيفة (الراية) الناطقة بلسان الجبهة الإسلامية القومية ربطتني علاقة أخوية حميمة بالأخ الفقيد عثمان حسن أحمد البشير شقيق رئيس الجمهورية، وكان عُثمان قمة في التدين الذي صبغ على كل حياته ألق من الصفاء الروحي والأخلاقي، كان قُرآنا يمشي بين الناس، توطدت علاقتي به بعد 30يونيو حيث أصبح أكثر تواضعاً من ذي قبل، كنا نتقابل في صحيفة (الإنقاذ الوطني) في بداياتها الأولى، وتقابلنا أكثر من مرة عندما كان مسئولاً عن جمعية القرآن الكريم، وكان أحد أوائل المنضمين إلى كتيبة (الأهوال) أولى الكتائب الدعوية التي وصلت جنوب السودان بدءاً من منطقة شمال أعالي النيل، وهناك تفتحت قريحته وجادت بعدد وافر من القصائد وأشهرها قصيدة جميلة عن منطقة (جلهاك) صب فيها كل إبداعه وفنونه، إذ عبرت هذه القصيدة عن روحه وسويداء قلبه. قبل انقلاب يونيو وداخل مكاتب صحيفة (الراية) بالقرب من المركز الثقافي الأمريكي بالخرطوم كنا نتناقش بشأن الأحوال التي كانت تمر بها البلاد آنذاك، وعِبنا على الجيش ضعف دوره في تدهور الأحوال ووقوعه تحت يد (الطائفية) ووصفنا ضُباطه بالسوء، وحينها قال لنا الأخ عثمان " لدي شقيق أكبر مني ضابط كبير في الجيش لا أزكيه على الله" ولم يزد عليها، وإذا بنا بعد أيام قليلة نكتشف أن رئيس الانقلاب هو شقيق عثمان الذي لم يزكه على الله..!!. هذه الكلمات كانت أول من شكل لدي صورة رئيس مؤسسة الرئاسة عمر حسن البشير، ومن خلال احتكاكي مع أشخاص نافذين في الدولة تشكلت لدي صُور أخرى، وفي مدينة بورسودان في العام 1991م قابلت الرئيس هناك في احتفال قوات الدفاع الجوي بإعادة تشغيل صواريخ روسية قديمة، سلمت عليه مع مجموعة من الناس. وبعد فترة ومن خلال صحيفة (ألوان) أثنيت عليه ثناءً شديداً بسبب موقف كنت شاهدا عليه، وفي فترة من الفترات، عندما كان الأخ أمين حسن عمر مستشاراً صحفياً لرئيس الجمهورية كنت من ضمن الصحافيين نتردد على المكتب الصحفي برئاسة الجمهورية وربطتنا الظروف ببعض الشخصيات الذين كانوا أكثر إلتصاقاً بالرئيس، وأستطيع القول أن عمر البشير ليس بالإنسان السيئ الطوية. المؤامرة على الرئيس..!! أي صحفي قريب من ديسك الحكم ..أمين وصادق، وأي مراقب حصيف قارئ للأحداث متابع لمجريات الأمور، عالم ببواطن الأمور يدرك أن رئيس الجمهورية وقع ضحية مؤامرة من جهات نافذة، وساهم في ذلك شخصية الرئيس نفسه.. كيف..؟. أولاً: شخصية عمر البشير انفعالية وعاطفية، يحمل جينات الشعب السوداني التي تعودت على عدم التريث في قراءة الأحداث، والبعد عن المشورة في اتخاذ القرارات التاريخية والمفصلية، وعدم الرجوع إلى المؤسسات.. وهذه هي طبيعة غالبية الذين حكموا السودان، وأسلوب حكم متأصل فينا جميعاً وليس عمر البشير وحده. استغل آخرين في الرئيس عمر البشير سلبية التعامل العاطفي مع الأحداث، هذه الجهات تتمترس خلفه وقد أبعدوا أنفسهم عن التصريحات السلبية حتى لا تحسب عليهم، وتسجل ضدهم، لذا وجدنا رئيس الجمهورية دائما يتصدى للأحداث مهما صغرت أو كبرت بانفعال شديد وبتصريحات سجلت ضده في الداخل والخارج صورة وصوت. في الاحتفال بافتتاح ميناء بشائر في بورسودان وقد كنت ضمن الوفد الإعلامي قال الرئيس عمر البشير في الحشد الجماهيري في معرض حديثه حول الأحداث السياسية " على المعارضة أن تشرب من البحر" وفي ذات الوقت كانت هناك اتصالات من طرف الحكومة مع عدد من المعارضين في القاهرة وغيرها، لكنها توقفت بعد تصريحات الرئيس البشير. ثانياً: في الاحتفال بافتتاح مصنع جياد قبل ثماني سنوات والاحتفال بذكرى (الانقلاب) عملت الحكومة بجهد شديد على الإعلان عن دخول السودان مرحلة جديدة في التصنيع والاعتماد على الذات، فنصبت المحطات التلفزيونية كاميراتها والجهة المعنية بخطاب الرئيس كتبت خطاب متوازن لخدمة أهداف بعينها، وطلبوا من السيد الرئيس عدم الخروج عن النص، لكنه خرج بالنص بعيداً قائلاً " نحن في السودان من اليوم سنصنع من الإبرة للصاروخ"، مضيعاً كل الجهود التي بُذلت، مُرسلاً رسالة للآخرين ساهمت في زيادة العداء للبلاد بعكس ما كان يهدف الذين كتبوا الخطاب الرسمي، هذا الخروج عن النص أضر بالبلاد ضرراً كبيراً، بإشارته إلى أن البلاد جاهزة لصناعة السلاح. وكل الذين تابعوا خطابات الرئيس ولقاءاته مع المواطنين أدركوا كم أن مؤسسة الرئاسة في أزمة مزمنة.. إذ كيف بالله يطلق رئيس الجمهورية تصريحات على الهواء وفي الفضاء الطلق دون أي تحسُب لأي خطأ في هذه التصريحات التي تضرب يمنة ويسرى، وفي الغالب هناك قرارات كثيرة صدرت وسط هتافات المواطنين تهليلاً وتكبيراً بقطع علاقات مع دولة تربطها بالبلاد علاقات قوية. الكثير من القرارات المهمة في بلادنا لم تخرج من مؤسسات بل من تصريحات في غير مكانها، ولذا فقد السودان كدولة الكثير، وكان الارتباك سيد الموقف وظهر ذلك خلال قضية دارفور، وفي كل لقاء جماهيري كان السيد الرئيسي يتهم دولة بدعم (التمرد) وخلال سنوات الصراع مع الحركات المتمردة وجه الرئيس البشير الاتهام إلى كل من تشاد واريتريا وفرنسا وألمانيا وأمريكا واسرائيل، حتى أن دُولاً مثل فرنسا وألمانيا كانتا تقدمان دعومات للسودان في أشكال متعددة ولها علاقات دبلوماسية مع السودان على أحسن ما يكون..أيضاً وصلها الاتهام من خلال نقل خطاب جماهيري للسيد رئيس الجمهورية. هذه التصريحات جعلت وزارة الخارجية في مهب الريح أمام كل المواقف الكبيرة والحاسمة، وفي زيارة وزير الخارجية السابق د. لام أكول للجالية السودانية بمملكة البحرين العام الماضي كنت قد وصلت متأخراً بعض الشئ وسألت الوزير د. لام أكول وسط العشرات من أعضاء الجالية .. ما هي تأثيرات تصريحات الرئيس عمر البشير على الدبلوماسية السودانية..؟.. فأنفجر الجميع بالضحك، قائلاً "قد أجبت على هذا السؤال قبل حضورك".!!. وقد بان ليّ أن وزير الخارجية يُسأل هذا السؤال كثيراً في كل زياراته للجاليات في الخارج..!!. وفي المقابل كانت تصريحات نائب الرئيس علي عثمان محمد طه رصينة وموزونة تعطي الانطباع بأن السيد الرئيس (متشنج وانفعالي) ولا يحسن معالجة الأزمات ولا يدرك أهمية ما يصرح به في تشكيل الرأي العام الداخلي والخارجي، بل تذهب أكثر من ذلك بأن هذه التصريحات تشكل خطراً على الأوضاع في البلاد، أن الرئيس عمر البشير يحتاج حقيقة لفريق عمل من نوع خاص بأي حال من الأحوال ليس بينهم عبد الرحيم محمد حسين..!!. ثالثاً: أكثر التصريحات التي حُسبت على الرئيس قبل اندلاع شرارة التمرد المسلح في دارفور عندما قال له مقربيه "ناس دارفور يريدون التفاوض" فقال الرئيس قولته الشهيرة " نحن لا نفاوض إلا حاملي السلاح فقط"، حينما لم تكن هناك حركات مسلحة، وما هي إلا فترة قليلة من الزمن حتى برزت الحركات المسلحة التي اقتنع من قاموا عليها أن الحكومة صادقة فيما قالت أنها لا تفاوض بالفعل إلا من يحمل السلاح ويجري العمليات العسكرية ويوقع الضحايا حتى تستعد الحكومة للتفاوض معه، وكانت التجربة خير برهان..!!. وبعد تأسيس هذه الحركات كان يمكن الوصول معها إلى إتفاق وتجنيب البلاد خطر التدويل والحرب الضروس التي دائما ضحاياها من المواطنين البسطاء، لكن أين هي العقول والمؤسسات التي تتبع الرئيس حتى تُخرج القرار المناسب في المكان المناسب، وفي يقيني هذا الأمر مقصود ..تعرية الرئيس وإضفاء العقلانية والجدية على نائبه..؟!. وخلال الخطاب الارتجالي أثناء مخاطبة مُنتسبي جهاز الأمن الوطني والمخابرات بعد فشل الهجوم الذي قامت به حركة العدل والمساواة كرر الرئيس هوايته المحببة قائلاً بصوت عال مع صيحات التهليل والتكبير " ما داير زول عدل ومساواة ينوم في بيته ..لا طالب ولا موظف"، الرسالة سُجلت لرئيس جمهورية السودان في كل السجلات الإعلامية والسياسية وفي قلوب وأذهان الناس، ومكمن المشكلة أن الرئيس كأنه يأمر الأجهزة الأمنية باعتقال كل أبناء دارفور في العاصمة المثلثة وبطبيعة الحال ليس هناك دارفوري واحد يلبس علامة في مقدمة رأسه مكتوب عليها (عضو بحركة العدل والمساواة) لكن الأجهزة الأمنية قامت بالواجب، وكان بإمكان السيد الرئيس أن يُشاور ويرجع إلى المؤسسات الخاصة لكنه لم يفعل لسبب واحد هو أن الجانب الآخر في رئاسة الجمهورية قد نجح في إبعاد كل القيادات الشابة المتمرسة من الرئيس عمر البشير وقام باعتقاله داخل عقلية عبد الرحيم محمد حسين..!!. رابعاً: في منتصف التسعينات على ما اعتقد كان الأخ أمين حسن عمر مستشاراً صحافياً لرئيس الجمهورية، وفي هدوء تام انسحب عن العمل في المستشارية، وكان واضحاً لدينا كصحافيين أن أميناً قد واجه مُضايقات من طرف عبد الرحيم محمد حسين..!!. بعدها جاء من سفارتنا في واشنطن الأخ الأستاذ الصادق بخيت كمستشار للرئيس في مكان أمين حسن عمر، ومن ضمن ترددي على القصر الجمهوري والمكتب الصحفي دخلت على الصادق بخيت ودارت بيننا أحاديث ودية وحول طبيعة العمل الاستشاري أفادني بأنه قد قدم استقالته من مكتب السيد الرئيس وأنه في انتظار الموافقة بسبب عدم وجود عمل يقوم به، وقد فهمت منه أن الرئيس لا يستشيره ولذلك لا معنى للجلوس في المكتب دون عمل، وطلب مني عدم نشر الخبر إلى حين، ونزلت عند رغبته، وبعد فترة من المتابعة وافق بنشر الخبر وبالفعل نشرت الخبر في صحيفة (ألوان) على الصفحة الأولى، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم ليس للرئيس (مستشار) صحافي بمعنى (مستشار) نعم لديه مدير للمكتب الصحفي. وللأسف أن رئيس الجمهورية ليس له أي مرجعية غير عبد الرحيم محمد حسين، وأن كل المستشارين ما هم إلا ديكورات اقتضتها الضرورة السياسية للمرحلة التي تمر بها البلاد ، فالجهة التي لا تريد للرئيس عمر البشير أن يقوم بواجبه تجاه قضايا البلاد الشائكة تستأنس من تصريحاته. أن رئيس جمهورية في بداية الألفية الثالثة وليس له كفاءات وخبراء بجانبه يشيرون عليه بفعل كل ما يوحد بين أبناء الوطن ويمنعونه من كل ما من شأنه ان يفرق وحدة الشعب سيما وكان طبيعياً إطلاق تصريحات ترسخت في دواخل الناس وبالتأكيد لا ولن تُمحى من الذاكرة وخلقت الأضرار النفسية والاجتماعية الفتاكة، التي لا يعلمها السيد الرئيس المعتقل في عقليات وأفكار أصبحت من التاريخ. إيران تقدم لنا أنموذجاً في المؤسسة الرئاسية باعتبار أن لها مشروع إسلامي بغض النظر عن رأيي فيه لكنه يلقي بظلاله على الأحداث في العالم، وليس في المنطقة أو في المحيط الإسلامي، ولذا أقول أن الرئيس الإيراني السابق سيد محمد خاتمي وبرغم أنه مفكر إسلامي كبير وسياسي محنك، له أكثر من 10 مؤلفات رصينة وقدم آلاف المحاضرات التي شغلت بال المفكرين وطلاب العلم، كان له مستشارين عُلماء ومُفكرين من القامات البارزة في هذه الدولة أمثال د.عطا الله مُهاجراني وزير الثقافة والإرشاد الأسبق ورئيس مركز حوار الحضارات حالياً، وكان مدير مكتبه وكاتم أسراره د. محمد علي أبطحي الذي ألف عدداً كبيراً من المؤلفات المهمة في المكتبة الإسلامية، وآخرون لهم مساهماتهم في أدب الثورة الإسلامية، مستشارين يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم. الرئيس الإيراني الذي يأتي بالانتخاب المباشر من الشعب في انتخابات نزهية يشهد عليها أعداء هذا البلد، لا يصرح في كل الأوقات ولا يركز على التصريحات في أي مكان ويلعب المكتب الصحفي برئاسة الجمهورية دوراً كبيراً في الحفاظ على سمعة وصورة الرئيس إذ يقوم بإصدار التصريحات التي تتطلب وجهة نظر رئاسية، وهناك ناطق رسمي بكل من الرئاسة ووزارة الخارجية تجعل الرئيس في وضع مرتاح يبعده عناء التصريحات العشوائية والارتجالية، إيران هذه فيها قوميات مختلفة وديانات مختلفة لم يحدث أن أصابها أذى من الرئيس سواء كان خاتمي أو رفسنجاني أو نجاد ذلك لأن العمق الحضاري للشعب الإيراني ضارب في القدم وله تأثيره على المواطن العادي، ثم أن المشروع الإسلامي في إيران شعاره (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها) وفي صيف 1998م شهدت محاكمة أحد قيادات الثورة الإسلامية وهو محمد حسين كرباتشي محافظة العاصمة طهران وبحضور عدد كبير من القنوات الفضائية العالمية ما يعني أن القوة الفكرية هي التي تحرك دولاب الدولة.. ومن باب أولى أن يكون رئيس الجمهورية مقيد بقيم عالية الوصوف وبطانة من أفضل الكفاءات. أيها السادة شكلوا للرئيس فريق عمل تكون من أولى أولياته التخطيط لمحادثات جادة مع أبناء دارفور في كافة الحركات المسلحة للوصول بحل عاجل قبل نهاية العام الجاري. لذا أقول: أرجوكم أطلقوا سراح الرئيس من سجن عبد الرحيم محمد حسين..!!.

الأربعاء، فبراير 18، 2009

..آخيراً ترجل مؤلف "موسم الهجرة للشمال"

خالد ابواحمد
فجعت الرواية العربية العالمية أمس برحيل أحد روادها الأماجد الأديب العربي الطيب صالح في إحدى مستشفيات العاصمة البريطانية لندن أمس الأول الثلاثاء عن عمر ناهز الثمانون عاماً وتم نقل الجثمان تمهيداً لدفنه بمسقط رأسه قرية (كرمكول) بشمال السودان، بعد حياة حافلة بالريادة والتفرد والتميز في مجال الادب والرواية العربية خاصة، وبرحيله أنطوت صفحة في تاريخ الامة العربية واسلامية وهي تحاول بقوة ارتياد المحافل الدولية عاكسة ما تزخر به المنطقة من أدب رصين حقيق أن يتجاوزها إلى العوالم الأخرى، والأديب الطيب صالح الذي رفع راية الابحار في عالم القصة الواقعية ولد عام (1348هـ - 1929م ) في إقليم مروي شمالي السودان بقرية كَرْمَكوْل بالقرب من قرية دبة الفقراء وهي إحدى قرى قبيلة الركابية التي ينتسب إليها، عاش مطلع حياته وطفولته في ذلك الإقليم, وفي شبابه انتقل إلى الخرطوم لإكمال دراسته فحصل من جامعتها على درجة البكالوريوس في العلوم، ومن ثم سافر إلى إنجلترا حيث واصل دراسته هناك, وغيّر تخصصه إلى دراسة الشؤون الدولية.
والفقيد الأديب صاحب تجربة عالمية في مجال العمل الاعلامي والثقافي على مستوى العالم من خلال أكبر المؤسسات الدولية في هذه المجالات إذ تنقل الطيب صالح بين عدة مواقع مهنية إذ عمل لسنوات طويلة من حياته في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC), وترقى بها حتى وصل إلى منصب مدير قسم الدراما, وبعد استقالته منها عاد إلى السودان وعمل لفترة في الإذاعة السودانية, ثم هاجر إلى دولة قطر وعمل في وزارة إعلامها وكيلاً ومشرفاً على أجهزتها، عمل بعد ذلك مديراً إقليمياً بمنظمة اليونيسكو في باريس, وعمل ممثلاً لهذه المنظمة في الخليج العربي. ويمكن القول أن حالة الترحال والتنقل بين الشرق والغرب والشمال والجنوب أكسبته خبرة واسعة بأحوال الحياة والعالم وأهم من ذلك أحوال أمته وقضاياها وهو ما وظفه في كتاباته وأعماله الروائية وخاصة روايته العالمية "موسم الهجرة إلى الشمال".
تطرقت كتابات أديبنا بصورة عامة إلى السياسة، والى مواضيع اخرى متعلقة بالاستعمار، الجنس والمجتمع العربي، في اعقاب سكنه لسنوات طويلة في بريطانيا فان كتابته تتطرق إلى الاختلافات بين الحضارتين الغربية والشرقية، الطيب صالح معروف كأحد أشهر الكتاب في يومنا هذا، لا سيما بسبب قصصه القصيرة، التي تقف في صف واحد مع جبران خليل جبران، طه حسين ونجيب محفوظ، كتب عدداً هائلاً من المقالات في مجلات وصحف عديدة تناولت هذه الكتابات عموم قضايا الأمة العربية والاسلامية وغلب عليها الجانب الروائي، وغلبت على اعماله التواضع في مخاطبة القراء إذ اشتهر باستخدام اللغة السلسة العربية التي يفهمها كل القراء على السواء ومن كل الشرائح العمرية، وهذا في نظري ما جعل لأدب الطيب صالح عموماًً أرضية واسعة في التعاطي مع كل ما ينتجه من أعمال.
كتب الطيب صالح العديد من الروايات التي ترجمت إلى أكثر من ثلاثين لغة حسب موسوعة وكيبيديا الحرة وهي « موسم الهجرة إلى الشمال» و«عرس الزين» و«مريود» و«ضو البيت» و«دومة ود حامد» و«منسى»، تعتبر روايته "موسم الهجرة إلى الشمال" واحدة من أفضل مائة رواية في العالم وقد حصلت على العديد من الجوائز، وقد نشرت لأول مرة في اواخر الستينات من القرن ال-20 في بيروت وتم تتويجه ك"عبقري الادب العربي".
في عام 2001 تم الاعتراف بكتابه على يد الاكاديميا العربية في دمشق على انه "الرواية العربية الأفضل في القرن ال-20) أصدر الطيب صالح ثلاث روايات وعدة مجموعات قصصية قصيرة. روايته "عرس الزين" حولت إلى دراما في ليبيا ولفيلم سينمائي من اخراج المخرج الكويتي خالد صديق في أواخر السبعينات حيث فاز في مهرجان كان، في مجال الصحافة، كتب الطيب صالح خلال عشرة أعوام عمودا أسبوعيا في صحيفة لندنية تصدر بالعربية تحت اسم "المجلة"، خلال عمله في هيئة الاذاعة البريطانية تطرق الطيب صالح إلى مواضيع أدبية متنوعة، منذ عشرة أعوام يعيش في باريس حيث يتنقل بين مهن مختلفة، اخرها كان عمله كممثل اليونسكو لدول الخليج.
والطيب صالح كما عرف عنه اعتزازه بأمته العربية والاسلامية وفي محاضرة له في القاهرة اكتوبر 1995م قال "يجب أن أعترف أني حقيقة عاشق للأمة العربية، دائما عندنا هذا الإحساس العميق بانتمائنا للأمة العربية دماً وفكراً وديناً، كنا نظن أننا في السودان العرب الوحيدين في العالم".
وفي اجابته على سؤال أحد الصحافيين قال الأديب الطيب صالح" فكرة أن الأمة ماتت، هذا تشاؤم لا مبرر له، لا توجد أمة تموت، هذه الأمة لو كان لها أن تموت لماتت منذ زمن طويل لأنه تعرضت لهزات شديدة، وعندما نقراء تاريخ أوروبا كل الذي نراه عنها من تطور عمره أقل من قرن، ونحن عندما نرى الغرب وكل هذا الجبروت الصناعي والحربي والطيارات، نعتقد بنفتكر أن الإنسان الأوروبي والغربي نزل من السماء، لكنني أراهم بشر عاديين مثلنا تماماً، بل لعلنا من ناحية الذكاء الفردي والقدرة على الإبداع أكثر منهم إبداعا، الموضوع كله إننا تعرضنا إلى تجارب مريرة.. يعني يدوب تنفسنا الصعداء بعد الحكم العثماني.. جاءنا الاستعمار الغربي، يا دوب تحررنا من الاستعمار الغربي وما عرفنا نلقط نفسنا، جاءوا إلينا بإسرائيل، لكننا واجهنا قضايا كونية ضخمة ولم نكن مستعدين لها.. والأمة في حالة من البلبلة، لكن هذا لا يعني بأنها أمة ميتة إطلاقا، هذه أمة حيّة، أنا أظن- وهذا إحساسي من مشاهداتي- حين تجد الأمة المفتاح، يمكنها أن تحدث انطلاقة وقفزة كبيرة جداً هذه أمة قفزات". والفقيد الطيب صالح ..نعم هو سوداني إلا أنه عاش لأمته ولكيانه الكبير وعمل من أجل رفاهية الأمة وتطورها وعندما فاز بجائزة الأدب العربي أهداها للأمة العربية باعتباره ابناً لها ككيان كبير لها مكانته بين الأمم، تحمل بين طياتها رسالة للعالمين ملؤها التسامح والتعاون على البر والخيرات.
رحم الله أديبنا الطيب صالح رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء، وجزاه بكل حرف كتبه حسنة وخطوة الى الفراديس العُلى، ونفع بأدبه وتراثه الأمة وشبابها، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الثلاثاء، فبراير 17، 2009

السودان على مُفترق طُرق..!!
* خالد ابواحمد هذه الايام تمثل فاصلة تاريخية في حياة كل سوداني وذلك بسبب ما ستسفر عنه تداعيات اصدار المحكمة الجنائية الدولية قرارها حول مذكرة اعتقال الرئيس السوداني عمر حسن أحمد البشير، بسبب اتهامات بارتكاب نظام حكمه ابادة جماعية في منطقة دارفور غربي السودان المنطقة التي تشهد نزاعاً مستمراً منذ فبراير 2003م أسفر عن مقتل 300 ألف شخص وفق الأمم المتحدة، في حين تحدثت الخرطوم عن عشرة آلاف قتيل فقط، وتشريد أكثر من مليوني سوداني. ومكمن (الفاصلة) التاريخية التي نتحدث عنها تتمثل في التهديدات المباشرة التي ستلحق ببلادنا في محيط جغرافي كله يعاني من المجاعات والحروب المستمرة والانقلابات العسكرية، وهنا مكمن الخطر الكبير الذي أكاد أراه بعيني الأثنين إذا صدقت توقعات رئيس المخابرات السودانية صلاح غوش في حديثه لأجهزة الاعلام السوداني إذ حذر من "أن متطرفين قد يستهدفون رعايا أجانب في السودان في حال صدور مذكرة التوقيف بحق البشير"، وبالتالي سيقود هذه التصرف إلى اشتباكات بين مجموعات عرقية مختلفة، مما تساهم في اندلاع حرب شاملة في بلاد أصلاً لها قابلية كبيرة في اندلاع حرب واسعة لا تبقى ولا تزر، وتوفر السلاح بكميات مهولة في كل مكان على الأرض، الامر الذي يؤثر بكل تأكيد على المنطقة كلها كما ستضرر الدول العربية والخليجية من هذه الحرب بشكل أو آخر. وفي ذات السياق كان السفير الصيني لي شنغوين في السودان قد نبه الى أن مذكرة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو-اوكامبو ستكون لها "تداعيات خطيرة" على "الاستقرار" في السودان، حيث تعتبر الصين حليفا استراتيجيا للسودان، وخصوصاً أنها تستثمر حقولاً نفطية واسعة في جنوبه، بينما يرى محللون أن المذكرة تهدد بتعطيل اتفاق السلام مع جنوب السودان الذي رعته الولايات المتحدة الامريكية في العام 2005 مكن من وضع حد لأطول حرب أهلية في إفريقيا، خلفت على مدى عقدين مليوني قتيل وأربعة ملايين نازح. وفي البدايات الأولى لتداعيات اتهام الرئيس السوداني جاءت ردود الافعال من كل مكان لكن أكثرها مؤشراً للخطر المحدق أن الاسلاميين المتشددين في باكستان والذين تقودهم (الجماعة الاسلامية) أكبر الحركات المتشددة، قد خرجت في مسيرة تضامنية مع السودان في اكتوبر من العام الماضي قالت من خلالها أن المظاهرة تأتي تأييداً للرئيس السوداني عمر البشير، ورفضاً لقرارات المحكمة الدولية، وخلال التظاهرة دعا قادة الجماعة الإسلامية الذين شاركوا بالمظاهرة في مدينة لاهور (شرقي باكستان)، شعوب العالم الإسلامي إلى الوحدة و'الجهاد' ضد أمريكا والغرب، وتداعى المئات من عناصر الجماعة الإسلامية الباكستانية إلى تظاهرة احتجاجية اشتملت على دعوات صريحة لـ 'الجهاد' ضد واشنطن. وحض قادة الجماعة المتظاهرين على بذل كل ما يمكن 'نصرةً لدولة مسلمة هي السودان يُخشى أن تُستهدف ورئيسها أمريكيًا كما حدث في العراق وأفغانستان،وقال أحد قادة الجماعة المشاركين في التظاهرة موجهًا رسالة إلى الشعب السوداني: 'أما للشعب السوداني، فالرسالة أنهم ليس وحدهم أمام هذا الطغيان، بل الأمة معهم إن شاء الله'. بينما رأى مراقبون أن قرار المحكمة الدولية إذا صدر فإنه يمثل حدثاً خطيراً بعيداً عن اللغط في أحقية القرار أو عدمه، وجوازه من الناحية القانونية او عدمه، فإن القرار ستترتب عليه مشاكل عديدة سياسية واقتصادية لدول العالم بوجه عام، وبالنسبة للدول العربية بوجه خاص. وأوضح جيراربرونييه الباحث الفرنسي في المركز الوطني للبحث العلمي المتخصص في المنطقة، الخميس 22 يناير الماضي أن "النظام في الخرطوم يعاني هشاشة كبيرة حاليا بسبب الاتهام" الذي قد يوجه إلى البشير، ولم يستبعد "انقلابا" أو هجوما يشنه متمردو حركة العدل والمساواة، وهذه النقطة في حد ذاتها يتم مناقشها حالياً عبر أجهزة الاعلام الالكترونية السوداني الواسعة الانتشار مع ما يرد من أخبار في الداخل هنا وهناك تشير إلى أن كل التوقعات تقول أن السودان مقبل على أيام صعبة تتطلب من الأشقاء والأصدقاء الوقوف صفاً واحداً من أجل منع كارثة كبيرة ستحل بالمنطقة جراء ما سيحدث. سيما وأنها المرة الأولى التي توجه فيها العدالة الدوليّة تهماً إلى رئيس دولة خلال ممارسة مهامه، وهذه السابقة التاريخيّة ستبقى مرتبطة باسم عمر البشير. ففي السابق، لاحقت العدالة الدوليّة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش والرئيس الليبيري تشارلز تايلور على ما قاما به خلال توليهما مهام الرئاسة، لكن هذه الملاحقة الشخصيّة لهما تمت بعد مغادرتهما منصبيهما، الأمر الذي يرى فيه البعض استهدافاً لنظام الحكم القائم في البلاد مع سبق الاصرار والترصد. هي المرة الأولى التي توجه فيها العدالة الدوليّة تهماً إلى رئيس دولة خلال ممارسة مهامه. وهذه السابقة التاريخيّة ستبقى مرتبطة باسم عمر البشير ففي السابق، لاحقت العدالة الدوليّة الرئيس الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش والرئيس الليبيري تشارلز تايلور على ما قاما به خلال توليهما مهام الرئاسة. لكن هذه الملاحقة الشخصيّة لهما تمت بعد مغادرتهما منصبيهما. كل التحليلات تقول أن الحدث لا يمكن ألبتة أن يمر مرورًا عادياً ذلك لأن المسألة هي تغيير رئيس دولة يبلغ عدد سكانها حوالي الـ 40 مليوناً من البشر، ودولة تبلغ مساحتها أكثر من مليون ميل مربع، ولها تاريخ ضارب في القدم يرجع إلى 20 ألف عام قبل الميلاد، ومسألة تغيير رئيس دولة بكل الوسائل تمثلاً حدثاً في التاريخ له أهميته فما بالنا ونحن تحدث عن تغيير رئيس دولة بواسطة محكمة دولية، متهماً في قضايا جنائية وليس اختلافات سياسية داخلية.فالمسألة كبيرة بكل ما تحمل الكلمة من معنى. فيا أشقاءنا و أصدقاءنا في بلاد العالم قاطبة أرفعوا آياديكم بالدعاء لتجنيب بلادنا وأمتنا ويلات الحروب الأهلية ومآسي النزوح والتشرد، فالسودان الآن أكثر حاجة لكم.. * صحفي سوداني

د. خليل ابراهيم وعلي عثمان محمد طه.. وأوان الحقيقة..!!

حينما تنتفي المقارنة د. خليل ابراهيم وعلي عثمان محمد طه.. وأوان الحقيقة..!!
خالد أبواحمد
دائماً كنت أقول وأكد على القول أن قضية دارفور كشفت عن الكثير الذي كانت متخبئ وسط الركم، من أفكار ورؤى ومفاهيم غابرة وتصورات ضحلة، هذه القضية عرت كل العنصريين في السودان وجعلتهم عراءة إلا من قطع ملابس يسترون بها عوارتهم الحسية، أماعوراتهم الفكرية والذهنية والعلمية قد بانت لكل صاحب بصيرة.
جاء في صحيفة سودانايل الالكترونية أمس الأثنين 16 من فبراير " أن وزير الدفاع، الفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين كشف عن رفض الحكومة لطلب من زعيم حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم، بأن يكون نائبا لرئيس الجمهورية، وأبلغته انه يمكن ان يحوز على المنصب عبر الانتخابات".
كنت أقراء هذا الخبر بين الضحك والبكاء وكررت قراءة تلك الجملة على لسان عبدالرحيم حسين "أبلغته انه يمكن أن يحوز على المنصب عبر الانتخابات"، وكأن الحكومة التي يترأس فيها منصب وزير الدفاع قد جاءت بصناديق الانتخابات، لكنه التعري لشخصية مثل المذكور أفشل وزير دفاع في تاريخ السودان، وهو بالذات من المفترض أن لا يتحدث عن د.خليل ابراهيم ويستحي من ذكر اسمه ذلك لأن دخل العاصمة الخرطوم نهاراً وخرج منها نهاراً ووزير الدفاع وكل جيشه وزبانيته ودباباته وطائراته فشلت في أن تمنع دخوله للعاصمة الخرطوم، ويتبجح أما الصحافيين في العاصمة القطرية الدوحة بلا حياء،، إنه التعري في زمن الحقيقة.
وبعد تصريحات هذا الوزير مباشرة كتب عدد من كُتاب إحدى المنتديات الالكترونية فرحين بما أتي به هذا الوزير من حديث معيدين نشره للعامة ممجدين هذا الحديث الساذج والسمج. وبطبعي لا أدخل في مثل هذه الكتابات التي تؤكد ما ذهبت إليه سابقاً من اتهام لمؤيدي الحكومة بالعنصرية المقيتة ولم أدخلها بالمشاركة لأنني اعتبرتها كتابات عنصرية بلا منازع في ذلك المنتدى. وانا هنا أتساءل ما الذي يجعل علي عثمان محمد طه نائباً لرئيس الجمهورية.. و د. خليل ابراهيم لا يستحق هذا المنصب...؟. علي عثمان لم يأتي لهذا المنصب بصندوق الانتخابات..!!. الاخوة القراء.. وبكل الأمانة وبعيداً عن كل اختلاف بيني والاخوة أصحاب تلك الكتابات في وجهات النظر أقول د. خليل أبراهيم وعلي عثمان محمد طه عرفتهما عن قُرب .. لكن.. الاخ د. خليل ابراهيم أنظف يداً ولساناً وقلباً من علي عثمان محمد طه..!!. وإذا كانت المعايير هي معايير الفهلوة والتصفيات الجسدية وتجريم الآخرين فإن علي عثمان هو أهل لهذا المنصب بلا جدال. لكن إذا كانت المعايير تعتمد على الكفاءة والوطنية والنزاهة والتدين والتواضع والحفاظ على مصالح الشعب فإن د. خليل هو الأنسب لهذا المنصب. نعم أدرك تماماً أن هذا الكلام سيجر لي ما يجر من عداوات لكنها الحقيقة..وقد جرت لي بالفعل آرائي (الشاذة) هذه عداوة الكثيرين لكنني تركت السودان لهم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. الاخوة القراء الكرام.. الايام دُول كما علمنا القرآن الكريم وقد قال المولى سبحانه وتعالى في كتابه الكريم "وتلك الايام نداولها بين الناس"، فيوماً ما سيأتي إليّ هولاء وسيقولون ليّ "كلامك طلع صاح يا أبوأحمد"، وأنا متأكد ومتيقن من ذلك تماماً، واعرف انه لا أحد يتجرأ ليقول ما قلته..!!. هي شهادة لله.. أن أبناء دارفور الذين عشت معهم في الحركة (الاسلامية) طيلة الـ 18 سنة لم أجدهم إلا أنظف الناس، وأتقى الناس، وأطيب الناس، مهما كانت احوالهم المادية، أبداً لم تغرهم الدنيا، ولم تغيرهم المناصب، عشت معهم في الخرطوم وفي دارفور التي طفت فيها مدينة.. مدينة وولاية.. ولاية ومحافظة.. محافظة من أقصى الشمال في عين سرف ومناطق شمال الفاشر، حتى أبعد مكان جنوباً وهو بحر العرب الذي توغلت فيه مع زميلي أحمد مدثر (صحيفة السوداني)، وغرباً حتى دخلنا افريقيا الوسطى حينما شهدت افتتاح نقطة السوق الحر في منطقة ام دافوق مع أفريقيا الوسطى. رجل الاعمال المرحوم آدم يعقوب كان ثرياً ومن ابناء دارفور في الخرطوم وله عدد من الشركات في سوق الله أكبر، كان أكثر تواضعاً من كل رجالات (الحركة الاسلامية) وذهبت يوماً إليه في مهمة عمل بمنزله الثورة بامدرمان والله هالني ما رأيت، من كرم وتواضع مع الضيوف الذين كانوا يدخلون بالعشرات، يد ممدونة للناس عامة، وعندما ضربت السيول والامطار ذات مرة مدينة الفاشر وجه الرئيس عمر البشير الطيب ابراهيم محمد خير بقيادة وفد للفاشر وكُنت الصحفي الوحيد في هذه الزيارة التفقدية وكان بصحبتنا الاخ المرحوم رجل الاعمال آدم يعقوب وكان يحمل شنطة لم يكن يعرف أحد انها مليئة بالأموال، وعندما حطت بنا الطائرة في الفاشر ونزلنا هناك وزرنا بعض المناطق المتأثرة نادى آدم يعقوب بعض الرجال الذين يعرفهم ودخل معهم في أحد المكاتب وأفرغ كل ما الشنطة من أموال طلب توزيعها للناس، هذا فضلاً عن الدعم الحكومي الذي كان معنا في الطائرة العسكرية. كان الفقيد آدم يعقوب يدعم مادياً أسر عساكر الجيش الفقيرة وخاصة في شهر رمضان وأنا شخصياً ذات مرة استلمت منه شيكا بمبلغ كبير جدا جداً لهذه الأسر. وهناك عشرات من أبناء دارفور الذين عشت بينهم في كنف الحركة والله العظيم لم أجد منهم واحداً عليه أي ملاحظات في أخلاقه أو عمله أو علاقته بالناس أو بأسرته، كانوا ويشهد الله أنظف من عشرات الشخصيات التي كنا نراها في ذلك الوسط الكبير، وأبناء دارفور في الحركة أشهد الله أنهم أكثر إلتزاماً بالدين في حياتهم.. وفي أعمالهم.. وداخل أسرهم.. وكان هذا هو مربط الفرس في تقييمنا للالتزام بالدين. وزرت د. خليل ابراهيم في بيته بالفاشر عندما كان وزيراً للصحة، ومع المرحوم أبوحمد حسب الله، واستاذنا جبريل عبدالله مد الله في أيامه، ومع الشهيد يعقوب حسين محافظ الكرمك هذا الرجل الصحابي، عندما دخلت قوات المعارضة الى منطقة النيل الأزرق قطعته ارباً ارباً ومُثلت بجسده الطاهر، وهو حافظ القرآن الكريم الرجل التقي النقي، عرفته أكثر عندما نزلت معه ذات مرة في بيته بالفاشر، وعندما كان اميناً للمؤتمر الوطني بالولاية كنت كثيراً ألتقيه لأتزود منه بالاخبار لصحيفة (دارفور الجديدة) ولمعرفة ما يجري خلف الكواليس في دارفور. قريباً ستظهر الحقائق للجميع، ود. خليل ليس بحاجة لأن أدافع عنه، فقط هي مسئولية الكلمة التي تحتم أن أقولها في هذا الوقت بالذات وقد نذرت نفسي للحقيقة مهما كلفني من ثمن. هناك في الخرطوم الكثير من الشخصيات الفاسدة والمضللة التي ارتكبت المجازر والحرائق في بلادنا وتجد من يُجمِل صورتها في مقابل الإساءة للآخرين فأننا جميعاً يوما ما سنقف أمام رب العالمين وحينها تبطل كل وسائل الاعلام والتمجيد في الدنيا وتظهر الحقائق للملأ، وحينها تظهر حقيقة هؤلاء المُمجدون وحارقي البخور وسيدركون حينها فقط.... كيف انهم قد ارتكبوا جناية في حق انفسهم.. وفي حق الأمة، لكن بعد فوات الأوان.