الخميس، أبريل 02، 2009

..ورحل طائر النورس ..عبدالله بدري في رحاب الله

من أقسي الأخبار التي يسمعها الانسان رحيل عزيز عن الدنيا التي لا تصلح إلا بأمثاله، بالأمس نعي الناعي أستاذنا الجليل وشيخنا الكريم المربي عبدالله بدري، وما أدراك ما عبدالله بدري.. رجل اجتمعت فيه كل الصفات الخيرة لدى بنى الإنسان وكان فوق انه مربي جليل وعبداً صالحاً كان داعية من الطراز الأول. ألم شديد وغصة تطعن في الحلق ودمعات حرى نزلت على رحيل عبدالله بدري.. رجل الشمائل الكريمة.. رجل المواقف.. الصادق الصدوق..داعية الحب والتراحم، أكرم به من مربي، كان أباً لكل الشباب الاسلامي وأخاً عزيزاً لكل الدعاة الاسلاميين من كافة التيارات الاسلامية والوطنية والقومية والحزبية، لم يعرف قلبه قط الكراهية والبغضاء. عرفت الفقيد عبدالله بدري منذ بداية انخراطي في الحركة الاسلامية في العام 1983م لكن عرفته أكثر في الفترة التي قمنا فيها بتأسيس (الجبهة الاسلامية) بمدينة أمردمان وكان المركز الرئيسي على شارع الوادي بودنوباوي مكاناً مركزياً لكل أعضاء الحركة في امدرمان بكل مناطقها وبما أن عبدالله بدري سليل أسرة كان لها ولا زال مركز الثقل في امدرمان كان يضئ بابتسامته المكان، وقوراً كريماً يلتقي الناس بالأحضان، كان لنا بمثابة الوالد والشيخ. وفي التسعينات قابلته كثيراً وقد أصبح من قادة العمل الخيري مسئولاً عن أحدى المنظمات الخيرية، ناشطاً وسياسياً لامعاً يتسم تواجده في دور الحركة المختلفة بالأبوية والاصلاح بين الناس، غيوراً على الاسلام سريع الغضب فيما يتعلق بعدم الانضباط في العمل وأداء التكاليف، وفي فترة من الفترات حدثني عنه شيخنا الجليل مد الله في ايامه شيخنا صادق عبدالله عبدالماجد وحكى لي الكثير من المواقف التاريخية مع الفقيد عبدالله بدري وقد ربطتهم العديد من الروابط الاجتماعية والدعوية وانخراطهما المبكر في حركة الاخوان المسلمين. وكما يقال أن الفترات المفصلية من التاريخ تكشف عن معادن الرجال وأتذكر بذهن صافي في يوم المفاصلة التاريخي كان فقيدنا عبدالله بدري يبكي بحرارة لأنه شعر أن بيته الذي نشأ فيه قد تهدم، وكان أكثر الناس الذين تأثروا بالمفاصلة، وله كلمات معبرة عن هذه الحدث للأسف لا أتذكرها قالها في مجمع كبير بدار حزب المؤتمر الوطني بالعمارات أثناء ساعات الانفصال، وقد بان الرهق على محياه الجميل. واثناء المفاصلة كان موقف استاذنا عبدالله بدري واضحاً لا لبث فيه مؤمناً بالنهج الذي ارتضاه لنفسه، ولم يكن إمعة كالكثير من الناس بل كان صادقاً وجريئاً في قول الحق ولم يخشى في كلمة الحق لومة لائم. وفي الحلقة النقاشية التي نظمتها هيئة الاعمال الفكرية العام الماضي كما اعتقد ضمن سلسلة (معالم في طريق الاحياء) لم يخشى أحداً من الذين يرهبون الناس وتحدث حديث الصدق والصراحة ذاكراً اخفاقات الحركة الاسلامية، وفي موقف آخر وقف الفقيد ضد ترشيح على عثمان لمنصب الامين العام للحركة الاسلامية بحجة منطقية وهى أن مشاغل النائب الاول في رئاسة الجمهورية تجعله غير قادر على أعادة بناء الحركة الإسلامية، بل كان من ضمن الذين رفعوا مذكرة شبيهة بمذكرة العشرة. واعتبر عبدالله بدري في تصريحات ندوة هيئة الاعمال الفكرية "جميع اعضاء الحركة الاسلامية اصيلون وشركاء،رافضاً ما اسماه تسلط من قدمتهم الحركة الاسلامية للقيادة على اعضاء الحركة،وشدد على ان هذا الامر يحتاج الى مراجعة جذرية ، ولكنه اشار الى ان بعض الدوائر تتخوف من الاصلاح وتتهم الآخرين بأنهم يريدون شق الصف"...!!!. واندهش الناس حينها لهذه الصراحة. واكد بدري " ان الحركة الاسلامية هي الثابت بينما الدولة هي المتغير لان الحركة الاسلامية هي كيان يتنافس مع بقية القوى السياسية للوصول الى الدولة سلميا ويمكن ان تكسب ويمكن ان تخسر". وكشف عبدالله بدري عن الاحباط الذي ينتابه عندما يواجه حقيقة حصاد النموذج الاسلامي في السودان. موضحا انه يشعر بأنه يرغب في نموذج وطني عادي، من فرط التهاون في المساءلة حول قضايا الفساد، وقال انه في النماذج الغربية تتم المساءلة عن اي مظاهر فساد تظهر على المسؤولين.. وتساءل عن امكانية ان تحاسب اي جهة مسؤولينا اليوم كما يحاسبون في الانظمة الغربية، واكد انه لا توجد معايير لمحاسبة الوزير او الوكيل. واعترف بأن الحركة الاسلامية قدمت نموذجا في التضحية والشهادة بالنفس ، ولكنها فشلت في نموذج المساءلة، مشيرا الى ان الاسلاميين يتحدثون عن القيم الرفيعة نهاراً ويذبحونها ليلاً". وفي سانحة آخرى انتقد صراحة أعلى قمة المؤتمر الوطني وقال قولته الشهيرة" لا توجد شورى في المؤتمر الوطني"، مبيناً ان "مجلس الشورى يخضع لامانة الاتصال التنظيمي وهو جهاز تنفيذي، ولكنه صار رقيبا حتى على المؤسسة التشريعية في التنظيم وهي مجلس الشورى". الذين يعرفون الفقيد عبدالله بدري يدينون له بالكثير من المواقف التأريخية القوية التي تؤكد على معدنه الأصيل وتدينه فوق كل الاعتبارات، وعرف عبدالله بدري أنه غني بنفسه وفكره وعمله وجهده الذين بذله في الحركة الاسلامية والعمل الوطني بنكران ذات، لذا لم يكن محلاً للمساومات ذلك لأنه قد تربى في عز وشرف، ومن أسرة معروفة غنية بتاريخها التليد من العلم والمثابرة لذا كان مرفوع الجبين لا كبير عنده إلا الله سبحانه وتعالى، ولم يكن ينظر كالآخرين للمناصب التي هي أصغر من قامته السامقة التي لا يطولها إلا اعتزازه بدينه ووطنه. رحم الله فقيدنا الاستاذ المربي عبدالله بدري وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. والعزاء الصادق لأهله ومحبيه وتلامذته، والعزاء كل أمدرمان التي شهدت مجاهداته، إنا لله وإنا إليه راجعون.

أحمد سليمان المحامي..قدم للحركة الاسلامية الكثير لكنه لم يأخذ منها شيئاً

أول دخولي المنبر فوجئت بخير وفاة الاستاذ أحمد سليمان المحامي من خلال بوست للاخ حمور زيادة، أسأل الله له الرحمة والمغفرة فقد كان صاحب عطاء وافر سياسياً وفكرياً وثقافياً وأدبياً وله صولات وجولات في تاريخ السياسة السودانية بداءً من الحزب الشيوعي إلى الحركة (الاسلامية) وفي كل المواقع كان صادق في رؤاه وفي فكر وعمله وظل مثابراً حتى مماته على قول الحقيقة التي لا يخشى فيها لومة لائم. يوماً من الأيام في منتصف الثمانييات ذهبت إليه بدون موعد مع د.أبراهيم أحمد عمر في بيته وعندما طرقنا الباب فتح لنا أحد أفراد الأسرة وقلنا له نريد مقابلة الاستاذ أحمد سليمان فتعجب الرجل شديداً وتردد في إخبارنا بأن الرجل في وقت محدد من ساعات اليوم لا يقابل أحد ألبتة لأنه في حالة خلوة او قل في مدراسة القرآن الكريم المهم دلفنا إلى الداخل وفي الصالون بعد دقائق من الانتظار جاءنا الاستا> أحمد وفي وجهه علامات الاستهجان من حضورنا بدون موعد في هذا الوقت الذات الذي يخلد فيه إلى قراءة القرآن بتدبر وبحث..إلخ. وبعد أن انتهينا من غرضنا قال لنا بوجه ضاحك ومبتسم "انتو ربنا جابكم اسلاميين من صغركم لكن انا كنت بعيد، الآن أحاول أن أعوض نفسي ما فاتني أرجو أن لا تأتونا مرة آخرى في هذا الموعد بالذات".
وبالفعل ظهرت في معاملاته وكلامه وكتاباته كلها لغة القرآن الكريم وأدبه وتفاعله مع الناس، كان مُعلماً للجميع واستفادت منه الحركة الاسلامية في مسيرتها الكثير لكنه لم يأخد منها شيئاً أبداً.
لكن المؤلم والمحزن أن الفقيد كما قال الاخوة في صحيفة (الصحافة) مستود أسرار للتاريخ السياسي السوداني الحديث لكنه للأسف لم يخرج منه إلا القليل والقليل جدا مقارنة بسنوات خوضه في العمل السياسي التي امتد لأكثر من نصف قرن من الزمان. وللأسف هذا هو حال عشرات السودانيين الذي يحملون تاريخ السودان في صدورهم وإن رحلوا ‘ن الدنيا ضاع معهم الغالي والنفيس من التجارب التي يمكن ان تستفيد منها الأجيال الجديدة وفي ظني أن هذه إحدى مشاكل السودان الاستراتيجية التي نعاني منها ويتأثر بها البلد بشكل غير مباشر.
رحم الله أستاذ الأجيال أحمد سليمان المحامي رحمة واسعة وغفر له وجزاءه الله عنا وعن السودان خير الجزاء.