الثلاثاء، فبراير 24، 2009

دارفور البلاء.. وخراب السودان..!!.

مرارة وألم شديدين شعرت بهما وأنا اطالع إحدى المقالات النتنة الطافحة بالعنصرية البغيضة في إحدى المنابر على شبكة الانترنيت، والمرء يقراء هذا الهراء ويكاد أن يتقئ من عفنة ما كتب عن دارفور. قال هذا النتن الموغل في العنصرية والجهالة: "دارفور دي ماجانا منها الا البلا والخراب"..!!. لكن أخوتي تعالوا بهدوء نُشرّح هذا (الهُراء). ونضع كلمة (دارفور) و( البلا والخراب) بين أقواس. ونتساءل بعد أن نضع كلمة (ما جانا) بين أقوس أيضاً. حيث أن كلمة (ماجانا) تعبر عن (المركز) ومن يتحدث باسمه، حيث صناعة القرار في الخرطوم مكان (الطيارة) تقوم. من الذي جاء إلى الآخر..؟؟. هل دارفور جاءت إلى (المركز) وأصابته بالبلاء والخراب..؟. أم العكس أن (المركز) جاء إلى (دارفور) وعاث فيها فساداً وخراباً..؟. لدي من الشواهد ما يؤكد أن (المركز) هو الذي جاء إلى (دارفور) وعاث فيها بلاءً وفساداً وخراباً. كيف..؟؟. هذه الاجابة تمثل إحدى خلفيات الحرب الضروس في دارفور وهي أحد مسببات قيام الثورة في هذا الجزء العزيز من بلادنا. السطو على الصمغ العربي..!!. في العام 1994م سافرت لدارفور حاضرة ولاية جنوب دارفور العاصمة نيالا، وأتذكر انني كنت في مكتب الوالي آنذاك العقيد د. بابكر جابر كبلو في انتظار الدخول عليه، وكان يجلس قربي عدد من الرجال البسطاء، وعندما تحدث معي مدير مكتب الوالي عرف هؤلاء الرجال بأنني صحفي من صحيفة (دارفور الجديدة) فتقدما نحوي وسلما عليّ وطلبوا مني ان ألتقيهم بعد الفراغ من الوالي، وبالفعل جلست معهم وتبادلنا الحديث وكانت مادة صحفية لم أكن أحلم بها على الاطلاق. وكان الموضوع يتعلق بالصمغ العربي.. والقصة تقول أن الحكومة في (الخرطوم) عندما رأت وتأكد لها أن انتاج دارفور من الصمغ العربي يمثل ثروة وطنية ويمكن الاستفادة منه قامت بانشاء شركة خاصة بالصمغ العربي.. جاءت قيادات الشركة إلى دارفور بشكل خاص ولاية جنوب وغرب دارفور حيث كثافة الانتاج الذي عرف بأنه من أفضل وأجود أنواع الصمغ في العالم. جاءت الشركة وبطريقة (قردية) استخدمت فيها كل فنون الكذب والخداع استلمت كل الموجود من الصمغ العربي من المنتجين الذين بدورهم يشترون الانتاج من المواطنين المنتشرين على مساحة كبيرة للغاية بمساحة دول كثيرة في العالم عشرات الآلاف من المنتجين الذي يعلمون على (طق) الصمغ على مسافات شاسعة من الأرض بما يعني صعوبة وقساوة هذا النوع من العمل. الحكومة التي تمثلها تلك الشركة استلمت كل الانتاج وباعته في الخارج بمبالغ طائلة ولم تُوفي بما وعدت به وأصبحت تسلم الفتات للمواطنين على مراحل متباعدة، وقد كان المنتجين الصغار يبيعون انتاجهم من الصمغ في افريقيا الوسطى التي لا تبعد عنهم سواء مئات الامتار، وكان ناتج ما يبيعونه يساهم في العيش الكريم والحياة الهائنة، فجاءت الحكومة أولاً بأخذ الانتاج من الأهالي، وفي ذات الوقت أغلقت الحدود بين البلدين السودان وأفريقيا الوسطى حتى لا يتم تهريب الصمغ العربي للخارج. في هذا معنى كبير للظلم الذي وقع على الناس هناك. نشرنا الخبر في الصحيفة وأوفينا بما وعدنا المواطنين وأتذكر منذ قدوم (الانقاذ) لم يتمتع المواطنين بانتاجهم من أهم سلعة لديهم ويمكنني ان أقول أن هذه المشكلة كانت إحدى أسباب مشكلة دارفور وجعلت الحياة هناك في اوضاع أمنية صعبة، وكانت ردود الفعل طبيعية للغاية، أن بدأت عمليات النهب المسلح في الظهور. فعندما تأخذ ما أعتاش به وتغلق علي كل الابواب في العيش الكريم.. ماذا أفعل..؟؟. لكن هل كانت المشكلة في الصمغ العربي وحده..؟ بالطبع لا .. فحتى الماشية التي اشتهرت بها دارفور حدث فيها فعل مشابه لما حدث في تعامل الحكومة مع الصمغ العربي. وعندما يتحدث جاهل جهلول بالحديث عن البلاء الدارفوري فإنه يؤكد لنا جميعاً الطريقة التي يفكر بها أهل (المركز)، كذلك يكشف عن جهل مؤيدي النظام القابع في الخرطوم حينما يعتقدون أن دارفور فقيرة وتستجدي باقي السودان لقمة عيشها. ولا يدرون من جهلهم المطبق أن دارفور أغنى من كل أقاليم السودان بانسانها وبأرضها وخيراتها التي يعتمد عليها السودان كله..!!. بسبب (الصمغ العربي) في دارفور.. السودان مصنف من ضمن الدول الخمسة الأولى في العالم، وعلى ما اعتقد الثالثة في العالم. وبسبب (الماشية) في دارفور.. السودان مُصنف من الدول العشرة الأولى في العالم. ولن نتحدث عن البترول في دارفور. الغزالة جاوزت..الحلم العالمي. من ضمن أرشيفي الصحفي الذي افتخر به من خلال صحيفة (دارفور الجديدة) الملف الذي فتحته الصحيفة عندما قمنا بزيارة أنا وزميلي الصحافي أحمد مدثر أحمد (صحيفة السوداني- حالياً) الى ولاية جنوب دارفور واقمنا في محافظة الضعين ورصدنا ما كان يجري هناك من عمل، وكنا نسمع عن مشروع (الغزالة جاوزت) الذي يقع ضمن حدود محافظة الضعين من الناحية الغريبة ولا يبعد كثيراً عن مدينة نيالا، والمشروع يقع في أرض كبيرة للغاية، وعرفنا من الاخوة الذين كانوا هناك على الارض أن هذا المشروع بدء العمل فيه مع وصول الرئيس جعفر نميري الى السلطة وبدعم من إحدى الدول الاوربية لانتاج الماشية وتربيتها وتسمينها، والمشروع كان قد صمم لانتاج الغذاء من الألبان ومستخلصاتها مثل الذبدة والزبادي والسمن..إلخ، والانتاج الحيواني بكل أنواعه. هالنا ما رأينا.. كل المعدات الصناعية التي جاءت للمشروع في بداية السبعينات قد نهبت.. نعم نهبت من قبل الإدارات التي جاءت من (المركز) التي كانت متخصصة في الانتاج الحيواني وتبقت بعض المعدات البسيطة التي لا يمكن ان تؤدي الدور المطلوب، وعرفنا في حينها أن الماكينات التي نهبت كانت في ذلك الوقت أحدث تقنية في العالم للانتاج الحيواني من اللحوم بكل انواعها والألبان ومشتقاتها. انا وزميلي أحمد مدثر كنا نتجول في المشروع الذي يساوي مساحة مدينة كاملة طفنا داخله بسيارة وكان مسوراً، وحسب المعلومات التي استقيناها من الذين وجدناهم أن هذا المشروع كان بامكانه أن يوفر الغداء لكل السودان بكل بساطة لان يقع في منطقة غنية للحد البعيد بالماشية من أبقار وخراف ودجاج في منطقة من أكثر مناطق السودان أراضي خصبة للمرعي والزراعة. كانت لحظات مؤلمة حقيقةً ونحن داخل المشروع، وأتذكر أكلنا وجبة بين الفطور والغداء وكلها كانت من انتاج المشروع الذي كان يعمل بطاقة أقل من 1%، واتذكر القائمين على أمر المشروع طلبوا منا مناشدة الحكومة المركزية في الخرطوم للاهتمام بهذا المشروع الجاهز للانتاج إذا ما توفرت الامكانيات الفنية. وأتذكر ان أحد العاملين في المشروع الذي كانت تحاول محافظة الضعين تشغيله بأن الرئيس جعفر محمد نميري كان يعول على هذا المشروع ليكون السودان (سلة غذاء العالم)، ولم يكن من أبناء دارفور من تخصص في الانتاج الحيواني حينها والذين جئ بهم نهبوا المعدات، وضاع الحلم العالمي الكبير. ونعيد التساؤل...مرة آخرى.. من الذي جاء إلى الآخر..؟؟. دارفور جاءت إلى (المركز) وأصابته بالبلاء والخراب..؟. أم العكس أن (المركز) جاء إلى (دارفور) وعاث فيها فساداً وخراباً..؟. قال "دارفور دي ماجانا منها الا البلا والخراب..!!". كبُرت كلمة تخرُج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

الطيب مصطفى والقرون الوسطى ..(2)

قلنا في المقال السابق أن الأخ الطيب مصطفى يريد العودة بنا إلى القرون الوسطى، عهود الظلم والظلمات وكبت الحريات وانتقاص الحقوق التي كفلتها كل الشرائع الإلهية والمواثيق الدولية، يعود بنا إلى تلك الفترة ونحن في بدايات الألفية الثالثة، حيث مشاريع الوحدة هنا وهناك تُدهش البشر، كيف وأن دول الاتحاد الأوربي التي عاشت سنين أريقت فيها الدماء ومات فيها الملايين من البشر في حربين عالميتين حرقت الأخضر واليابس، توحدت برغم المآسي والجراح الكبيرة، وبرغم اختلاف اللغات والثقافات والسُحنات، مستفيدة من البنيات الاقتصاد المختلفة، والموارد البشرية والمالية الضخمة، وكانت الوحدة مذهلة للمراقبين، أنستهم مخلفات وكوارث القرون الوسطى والحربين العالميتين الأولى والثانية.
ولاستمرار الوحدة بين دول هذا الشتات تحملت الشعوب الأوربية الكثير من الضرائب التي أرهقتهم، فمثلاً حتى تتفاهم مع بعضها البعض وحتى تقيم المؤسسات المشتركة لا بد أن تنعقد المؤتمرات والمنتديات وورش العمل، كان المواطن الأوربي في سنين الاتحاد الأولى يدفع من دم قلبه الملايين من الجنيهات لترجمة كل ما قيل في هذه الاجتماعات، تصور أخي القاري أن إدارة الاتحاد الأوربي في بروكسل العاصمة البلجيكية تترجم يوميا ألاف الوثائق من لغات مختلفة الهولندية والفرنسية والانجليزية والألمانية والأسبانية والايطالية الخ وبالعكس..!!.

وكأنني بهذه الدول قد فهمت معنى الآية الكريمة:
"وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون". آل عمران.
وجاء الحديث النبوي الشريف ليؤكد على معاني العيش بسلام بدون كراهية وحقد وبغضاء.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تناجشوا وكُونوا عِباد الله إخوانا).
بينما يريد الأخ الطيب مصطفى وزمرته انفصال وطن واحد يفهم بعضه البعض بدون تراجم، ويطلب منا جميعاً أن نُعطل عقولنا التي حبانا بها الخالق عز وجل دون سائر مخلوقاته، وأن نطلق لعواطفنا العنان في معالجة الإشكالات الراهنة وهي ليست إشكاليات فرد وأسرة بل هي قضايا أمة لها تاريخ مؤغل في القدم وينتظرها مستقبل مشرق، فليس من الحكمة أن نعمل بكل قوانا لزرع الكراهية والحقد بين أبناء الوطن الواحد بحيث نطلب الانفصال عن تلك الأرض التي فقدنا فيها فلذات أكبادنا حتى نُرضى عصبيتنا وجهويتنا وكبرياءنا الزائف.!!. وفي القُرون الوُسطى كان هناك مناضل عريق هو (سافونارولا) كشف لنا عن حقيقة أساسية في معنى التعصُب والتسامُح هي أن السبب الرئيسي في التعصب الديني من قبل الحُكام ورجال الدين، إنما كان للحصول على المغانم والمكاسب المادية والتخلص من الخصوم السياسيين وسائر الذين يقفون في طريق أصحاب هذه المغانم وهذه المكاسب..!. وفي كتابه (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) يذكرنا الكاتب جورج جُرداق بسيرة (سافونارولا) وسيرة خصومه في هذا المقام بأخبار التناحر والتقاتل في تاريخنا العربي وقد شاء المؤرخون أن يخلعوا عليها طابعاً دينياً أو طائفياً خالصاًً، وهي في حقيقتها معارك قامت على منافع مادية ومكاسب اقتصادية كانت كلها من نصيب الملوك والأمراء وأعوانهم من رجال الدين يستولون عليها باسم (المحافظة) على الإيمان و(خير) المؤمنين..!. والراهب الانجليزي الدكتور جون ويكليف كان من أنصار الحرية في زمانه، وكان رجلاً طيب القلب كريم الخُلق قوي التفكير مُحباً للشعب قال:
"إن الناس يجب أن يطلعوا بأنفسهم على التوراة لا بواسطة رجال الدين وأن رجال الدين هؤلاء يعيشون عيشة بذخ وفُسق والناس في جحيم من الفاقة وإنهم يريدون أن لا يكون في انجلترا شيء اسمه (الرأي العام) وهو يريد ذلك".
عندما ينتقد الطيب مصطفى عبارات مسيحية على إحدى الصفحات فإنه يحاول تجّييش الناس ضد الصحيفة التي كسبت وتكسب يومياً أصحاب العقول الواعية، ما يشير بوضوح شديد إلى أن الخوف من ثقافة الآخر في العادة ينتج عن ضعف في مستوى التدين وفي ضعف مفهوم الدين لدى صاحبه، ما يعني ضعف التلقي المعرفي العام ليس بالدين فحسب بل بتاريخ وسمات الشخصية السودانية.!. وفي كتابه (عاشق لعار التاريخ) يقول الكاتب السعودي عبد الله القصيمي " أن أشد الناس خوفاً من الحرية والتطور هم الذين انتصروا بالمؤامرات، وهم الذين ارتفعوا فوق أكتاف التاريخ بالقفز عليه في الظلام".
ويقول في مكان آخر من الكتاب " إن الثوار لا يمكن أن يصنعوا الحرية، إنهم أبدا خصومها، و لكن الحرية تحفر طريقها بلا تشريع ولا ثورة، كما يحفر النهر مجراه بمواصلته السير في جوف الصخور والتراب وبمقاومته الطبيعة، أن الحرية لا توجد بالإرادة أو الخطة أو الأمر، أن الحرية توجد بالتعامل مع الأشياء الصعبة والمتناقضة والمضادة".

في الدُول العلمانية التي يمثل فيها المسلمين الأقلية تنداح الثقافة المسيحية في كل مكان في البيت والشارع والأجهزة الإعلامية، وفي كافة الدوائر التي يرتادها البشر، لم يتزعزع إيمان المسلمين بدينهم ومعتقدهم لأن ثقافة المسيح تطاردهم في كل مكان، بل يحصل العكس تماماً أن تدين المسلمين يزداد ترسيخاً في دواخلهم مع الاعتزاز بالانتماء لهذا الدين العظيم الذي يحتل الوجدان ويقبع في أعمق مكان للإحساس بحلاوة الإيمان، فلماذا يعتبر الأخ الطيب مصطفى أن بضعة آيات من الإنجيل في صفحة أسبوعية تعكس نبض المسيحيين في الخرطوم مُهدداً لوجود الإسلام في السودان..؟!.
في دول مثل ألمانيا وفرنسا تدين بالمسيحية، أسلم فيها أكثر من 6 ألف شخص ما بين عامي 2006-2007م ولم تنزعج الصحافة هناك لأن جزء عزيز من أبناء البلد قد فارق دين آبائهم وأجدادهم، ولم تقرع طبول الحرب ولم تطالب بطرد المسلمين من أراضيها.
إذاً، الاستدلال بصفحة (أجراس الكنائس) لمخاطبة عقول ضعيفة تصدق أن الصحيفة تقوم بالتبشير لدين هو مكان احترام وتقدير كل السودانيين، يعبر عن هزيمة نفسية للفكر الذي يحمله الأخ الطيب، لكن المعنى العميق في المسألة أن صاحبنا لم يتمالك نفسه بحصول هذه الصحيفة على سبق صحفي ومهني كبير يضاف إلى رصيدها أن أصبحت أول صحيفة سودانية ناطقة باللغة العربية تخصص صفحة لرصد الحراك المسيحي في البلاد وعكسه للقراء الكرام، في ظل وجود ملايين من المسيحيين بين ظهرانينا.
الطيب مصطفى يعلن أنه يمتلك (الحقيقة) وأن الآخرين رعاع لا يفقهون شيئاً، وفي يقيني هذا أمر مؤسف يمثل أسلوب غير مُتزن يمارسه الذين يجهلون كينونة الصراع من أجل البقاء، كما يجهلون ما يحدث على أرض الواقع في الوقت الراهن،ولعل تجربة الاتحاد السوفيتي خير مثال، فبانهيار الدولة التي كانت تقول أن (الحقيقة) عندي وحدي، انهار المجتمع وتحولت البلاد إلى مجموعات من المافيا وتُجار السلاح وشركات تجارة الجنس، ولم يتمكن المجتمع المقولب حكومياً من مواجهة الكارثة فتفرقت البلاد إلى جمهوريات أيدي سبأ، فلماذا يريد صاحبنا تكرار هذه التجربة الماثلة أمامنا والتي عشناها بكل ما فينا من جوارح..!.

وعندما نتحدث عن رفض الطيب مصطفى لإندياح الحريات الصحفية والإعلامية والتعبير الحر عن الذات( وهو رفض مبطن) نتذكر قصة اغتيال الإمام النسائي على منبر دمشق عاصمة الأمويين، ومن المؤرخين من يقول أنه دفن في مكة ومنهم من يقول انه دفن في الرملة فحتى قبر هذه القامة العلمية في ظل هرجلة الإسلام السياسي الأموي لا يعرف مكانه على وجه الدقة، ففاجعة الإمام النسائي قد تنفع الباحث المنصف كنقطة للبحث لمعرفة نفسية وعقلية الدولة الأموية التي يسير على منوالها الأخ الطيب وأعضاء منبره.
أستاذ الإنسانية الإمام علي كرم الله وجهه رابع الخلفاء الراشدين يقول "الحاكم والد والرعية أبناءه" و "ما جاع فقير إلا بما متع به غني" و " الفقير غريب في وطنه" و "لو كان الفقر رجلاً لقتلته" و "خير البلاد ما حملك"، وقوله الأخير جعلني أفكر لماذا هاجر السودانيون حتى إلى إسرائيل..؟ أليس الوصايا على الآخرين هي السبب، وجعل الناس تعيش بلا حرية ممارسة الفعل البشري التلقائي، لأن المركز يريد للآخرين كما يُشرع لذلك الأخ الطيب ممارسة فعلهم اليومي من خلال موافق قيادة المركز، وبما يراه المركز، ولذا أقول أنه حينما تفرض الوصاية على العقول من أي جهة ستكون مناهج الفكر أموية، ومعايير البحث عباسية، وهذا هو ما ضرب الإسلام في مقتل.
في كتابه القيّم الذي شغل المُفكرين والعُلماء (جدلية الغيب والطبيعة: العالمية الثانية للإسلام) صفحة 248 يقول المفكر السوداني المرحوم أبو القاسم حاج حمد " إن تلبس الإنسان بحالة القوة الذاتية في الفعل سرعان ما تنسج حول الإنسان شعوراً بمطلقه الذاتي، ثم ينعكس هذا المطلق الذاتي على علاقته بالطبيعة وبالمجتمع، فيحل الصراع بديلاً عن السلام، والانقسام بديلاً عن الوحدة، ولا يصبح ثمة معنى للوحدة والسلام إلا في حدود المنفعة الموضعية لحركة المطلق الإنساني الذاتي.. القبيلة والطبقة، وهذه الأشكال المختلفة التي تتكاثر على مستوى الانقسام والصراع والأخلاق، فكل تركيب كوني يفقد معناه الطبيعي وروحه الايجابية فيتحول إلى المعنى الذي يعطيه له الإنسان من خلال شعوره المطلق الذاتي، هنا يغيب الله عن الوعي وتغيب حكمته في النسج الكوني فماذا تكون النتائج الحضارية؟ ماذا تكون نتيجة إهمال هذه المعاني؟".
والنتيجة واضحة للجميع تمرد السودانيين بكل سحناتهم واتجاهاتهم على المركز لكن الأخ الطيب مصطفى لا يريد الاعتراف بعمله في إشعال نار الصراع بديلاً عن السلام، والانقسام بديلاً عن الوحدة.

الطيب مصطفى والعصور الوسطى..!!. (1)

ثمة إحساس بالحزن والألم والمرارة ألم بي بعد اطلاعي على آخر مقال للأستاذ الأخ الطيب مصطفى أشعرني بأن الرجل يريد لنا العودة إلى العصور الوسطى التي تمثلت فيها عهود الظلم بكل أشكاله وأنواعه، فمجتمعها إقطاعي طبقي مغرق في الإقطاعية والطبقية، متعصب شديد التعصب يرفض حرية التعبير عن الذات وعن الحاجات الكامنة في النفس البشرية التي خلقها الله وفطرها بها، ويأبى للناس أن يطلقوا لأنفسهم حرية التفكير المستقل من أجل الرقي بحياتهم.
والمقال الذي كتبه الأخ الطيب مصطفى قد غلبت عليه الأخطاء الطباعية قرابة العشرون خطاءً الأمر الذي يشير بوضوح شديد إلى إرسال المقال قبل التريث في قراءته والتمعن في معانيه ومراميه، ومعرفة أين تكمن الأخطاء والعِلل، ومن ثم معالجتها الكترونياً، ما يؤكد أن الرجل يستعجل في حكمه على مواقف الناس، و في عدم إدراكه لما يقول، وإطلاقه لإتهامات لا ترتبط للواقع بصلة.
يعكس هذا التصرف أيضاً الاضطراب النفسي الذي يعانيه الرجل، فليس من الحكمة أبداً أن يكتب صاحب مشروع انفصالي كبير دون أن يقوم بالتدقيق والشذيب بل والتريث في إطلاق الأحكام على الآخرين، وموقف العقيدة التي يدين بها ويدعي الدفاع عنها ضد مما اسماهم بكُتاب (المارينز) فالإناء ينضح بما فيه كما وضح المقال ذلك.
في كتابه الذائع الصيت (الإمام علي صوت العدالة الإنسانية) الذي تُرجم إلى عدد من لغات العالم وهو أكثر الكتب العربية انتشاراً في العقد الأخير كون كاتبه مسيحي لبناني وليس مُسلماً، هو الكاتب الفذ جورج جُرداق (توفي قبل ثلاث سنوات)، وعندما يكتب مسيحي عن سيدنا علي (كرم الله وجهه) في مجلدين من الحجم الكبير عن الفكر الذي جاء به الإسلام من خلال ترجمة لأفعال خليفة المسلمين الراشد، يعني أن المسلمين لم يدركوا بعد حقيقة مبادئ حقوق الإنسان كما جاء بها الإسلام، وكما هو معروف أن الأمم المتحدة قد استمدت لوائح ونظم حقوق الإنسان من فكر سيدنا علي بن أبي طالب سليل بيت النبوءة، فالسؤال الذي يطرح نفسه ما هي منطلقات الأخ الطيب مصطفى..؟؟ إلا أن يكون يرغب حقيقة في الرجوع بنا إلى العصور الوسطى في القارة الأوربية.

ففي العصور الوسطى...
يمنع الإنسان من حقه في الخبز ويُحرم عليه التفكير الحُر والمُعتقد الحُر, ويُعاقب على طلب الخُبز والحُرية بالقتل والحرق لا رحمة في عقابه ولا هُوادة، فإنسانيات هذه القرون من ثم دون الإنسانيات القديمة في هذا المجال.
و بقدر ما كانت زمرة الأغبياء مكرهة للنفوس وخُزياً على وجه تلك العصور, كان المارقُون والمتمردُون حباً في القلوب ونُوراً في العقول وصفاء في الضمائر وجمالاً على صفحة التاريخ.. أجل, إنهم المارقون.. المتمردون.. كتاب (المارينز) القدامى..!!.
في القرون الوسطى..
كان ملوك ذلك الزمان وشركاؤهم الجهلة والمجرمون والمتسترون بغشاء الدفاع عن الدين يسنون قوانين ظالمة للحد البعيد من أجل القضاء على هؤلاء المفكرين, بعد تعذيبهم والتنكيل بهم, فقد عودنا منطق التاريخ والجغرافية وقد أصبحت قاعدة ثابتة لا تتحرك مهما كانت الأحوال، ومهما بلغ مستوى التعسف العسكري والأمني والضغط النفسي والاقتصادي إن المفكر لن يرهب الظالم, والعالِم لن يستسلم للجاهل, والقيمة الإنسانية الحقيقية لن تغمرها مكايد المحتالين وصغار أهل النفاق.
ففيما كانت الإمبراطوريات الأوروبية في القرون الوسطى تعاقب المارقين بمصادرة الأملاك, فالسجن, فالتعذيب, فالحرق بالنار, كان هؤلاء المارقون من فلاحي نورماندي بفرنسا, ومن الشعراء والأدباء, ينشدون هذه الأغنية بصوت ظل يدوي حتى بلغ مسامعنا اليوم, قائلين:
إننا رجال مثلهم.. لنا من الأعضاء مثل مالهم, ومن الأجسام مثل أجسامهم. ومن القلوب النبيلة فوق ما عندهم !..
ويذكر الكاتب جورج جرداق " أن المارقين جميعاً كانوا من شُرفاء الخلق وعظماء الفكر, ومن المتمردين على المظالم وعشاق الحرية, ومنكري الأذى والنكال, ومن الذين اتصلت بهم حلقات التمهيد إلى إعلان حقوق الإنسان".
فالشاعر الفرنسي العظيم فرنسوا فيللون أحد أبطال الحب والحرية في تاريخ البشر، كان مارقاً في قانون ذوي الأقنعة السوداء وأصحاب التاج والصولجان في القرون الوسطى، لذلك عاش طريد القانون مُشرداً في كل أرض لا يحتويه مكان، وقد صدر ضده أكثر من ستين حكماً تتراوح بين النفي، والسجن، والسجن المؤبد، والتعذيب، والقتل بالسيف، والحرق بالنار، ولكنه أفلت من قبضات الماكرين وظل تائهاً ينشد الحب والحرية والمساواة بين الناس وسحق التعصب بكل ألوانه، كما ظل يدعو إلى وثبة العدالة والحياة ضد الجور والموت إلى أن انتهى عمره القصير وهو في شرخ شبابه، في الرابعة والثلاثين من عمره.
وفي أواخر القرن الثاني عشر ظهر في مقاطعة بريتانيا بفرنسا مفكران مصلحان أولهما يدعى أموري ألبيناوي، وثانيهما داود الدنيانتي وهو تلميذ الأول ورفيقه وقد هاجم هذان المفكران تعاليم رجال الدين القاضية بأن يبقى الشعب في غفلة عن حقوقه في حرية الفكر وحرية العيش، وبأن يبقى أبناؤه عبيداً لهم وللأشراف والأمراء الأغبياء فما كان من رجال الدين إلى أن ألفوا محكمة عاجلة لمحاكمتهما ومحاكمة أتباعهما دفعة واحدة، وكان الحكم قاهراً وكانت العقوبة صارمة قاسية، وقد حمل أتباع الرجلين إلى ساحة النار..!.
أما المفكران المصلحان فقد فرا طلباً للنجاة، ولكن انتقام رجال الدين في تلك العصور كان أوسع من أن يفلت منه الإنسان حياً أو ميتاً، فإنهم ترقبوا موت الرجلين الكريمين، فنبشوا قبرهما وأحرقوا رفاتهما..!!.
ولكن هل خلت هذه الظلمات من شهب تتوامض في دياجيرها السُود فتمزقها ولو إلى حين..؟، وهل استسلم الإنسان في أوربا مُطلقاً لمخزيات الطبقية والإقطاعية والعصبية الحمقاء..؟، وهل خمدت الحياة في الأحياء وانطفأ تأججها فسكنت وسكن الناس، فما من ثائر لحق ولا من مُتمرد على وحاقة وظلم..؟، وهل تفككت السلسلة التي صيغت حلقاتها بنور الأذهان والقلوب وحُميت بالدماء والتضحيات منذ كان الإنسان الاجتماعي الأول حتى هذه الصفحات من تاريخ البشرية..؟. وهل انقطعت الطرق التي سار فيها الإنسان السابق في كيان أخيه اللاحق، لتدله على أنه (إنسان) وعلى أن له حقوقاً عليه أن يطلبها بعنا وإصرار.؟.
بكل تأكيد أن الحياة لم تخمد ولن تخمد وفي يقيني التام أن كُتاب (أجراس الحرية) في طريق الإمام أبا حنيفة الذي قتل بسبب آراءه التي لم يتحمل وقعها القوي الحاكم المسلم آنذاك، وهم سائرون على طريق (أموري ألبيناوي) و (داود الدنيانتي) وأن إتحادهم في إصدار هذه الصحيفة لهو إعلان جديد لحقوق الإنسان السوداني أين ما وجد وكيف ما كان لونه وعقيدته وما يحمله من أفكار.
والناظر لكُتاب هذه الصحيفة يجد إنهم من أصحاب التجارب الفكرية والسياسية والاجتماعية، منهم من صال وجال في ميادين الحركة الإسلامية مفكراً خبيراً في المنابر الفكرية والسياسية ومسؤولاً عن مكتب قائد الحركة وكان من نجومها، بارعاً في ارتياد المناقشات الدينية ذات العمق الفكري والعملي، ومنهم من قارع السلاح مقاتلاً عن وعي وبحنكة، برغم الشهادات الأكاديمية العليا إلا المسئولية وضعته في هذا الموقع، ومنهم من تنقل من فكر سياسي محض إلى فكر سياسي عقدي، ومنهم من قارع أمهات الكتب والمراجع، وعندما ألفت نظر القارئ الكريم لهذه النقطة فإنني أشير بذلك إلى تجربتي الشخصية وكيف أنني استفدت منها أيما استفادة في حياتي الجديدة التي جعلتني ألم بتجارب الآخرين ومكنتني من (الرجوع) إلى الكتاب والتزود بالمعرفة، إذاً فإن المثل السوداني القائل (أسأل مجرب ولا تسأل طبيب" يعني أن أصحاب التجارب عموماً هم الأكثر قدرة من غيرهم رداً على علامات الاستفهام الكبيرة وفك الطلاسم التي تحير صاحبها وتدخله في نفق ضيق، وكذلك هم الأقدر على تفهم حاجات الإنسان السوداني، ولذا أقول أن كُتاب (أجراس الحرية) وهم قادرين بتجاربهم وعصارة فكرهم على تجسيد الحل الذي ينتظره جميع السودانيين المتمثل في التعايش السلمي بين أبناء الوطن الواحد.
وإذا كان الأخ الكريم الطيب مصطفى يريد لنا العودة إلى القرون الوسطى وما فيها من أساليب للتعامل مع الرعية فإن هذا الحل ما عاد مطروحاً في الوقت الحالي، الأمر الذي جعل الجغرافية السودانية بكل اتجاهاتها وتلاوينها السياسية والثقافية تتمرد على المركز، لكن الذي آلمني ويؤلمني أن الأخ الطيب مصطفى ومن يمثلهم لم يجتهد في الإجابة على السؤال ..لماذا تمرد الكل على المركز..؟؟ حتى على مستوى الشرائح المهنية، فإن حاملي مشاعل الوعي و النور هم خارج دائرة المركز إلا من توجس خيفة من إلصاق تهمة (الطابور الخامس)، أما الآخرون فهم من فاقدي الموهبة والضمير، وهناك قائمة طويلة بالديباجات وقد استخدم منها رئيس منبر الشمال (المارينز) لكتاب هذه الصحيفة فقط لأنهم يختلفون معه في الرأي.
وتجربتي الشخصية تؤكد أن (الاختلاف) في الرأي بالنسبة لحكام المركز يمثل خطاً (أحمر) لا ينبغي تجاوزه ضربا على الحائط بكل مفاهيم الإسلام التي تحث على أن (أمرهم شورى بينهم).

الاثنين، فبراير 23، 2009

نظرية المؤامرة في اغتيال جون قرنق..!!

منذ الساعات الأولى لإعلان رحيل الدكتور جون قرنق بهذه الطريقة الديناميكية والصحف والمنتديات السودانية على الشبكة الدولية للاتصالات (الانترنيت) تستقبل عشرات بل مئات المقالات والتحليلات والبعض أطلق مجموعة من الأسئلة وعلامات الاستفهام الكبيرة, والآخر نعي الفقيد وتأسف على غيابه بينما أنصار ومؤيدي الحكومة استماتوا كتابة وتحليلا في أبعاد شبهة العمل الإجرامي المنظم من قبل النائب على عثمان محمد طه تجاه اغتيال جون قرنق, والحمد لله أن الكثير من القراء والمتابعين كانوا قد طالعوا أكثر من مقال وتحليل في عدد من المواقع السودانية تتحدث عن خطط العصابة في اغتيال جون قرنق قبل أكثر من ثلاث أشهر, وحتى لا نخوض في حديث لا يؤدي بنا إلي نتيجة تعالوا جميعا نتساءل بهدوء:
· هل لعلي عثمان محمد طه ومجموعته مصلحة في غياب الدكتور جون قرنق..؟؟. · هل يمتلك علي عثمان وجماعته ورع وخلق ومخالفة من الله بحيث يمنعهم ذلك من اغتيال جون قرنق أو إبعاد أي شخص يهدد مصالحهم..؟؟؟. · هل يمثل جون قرنق خطرا علي مشروع علي عثمان وجماعته..؟؟؟. · هل عملية الاغتيال صعبة عليهم..؟؟.
أرى انه من خلال الإجابة علي هذه الأسئلة الموضوعية والمنطقية يمكن ببساطة الوصول إلي النتائج الموضوعية ونبداء الآن في الإجابة بصوت عال في الرد علي الأسئلة التي طرحت. - هناك مصلحة كبيرة للغاية في غياب جون قرنق عن الساحة ولأن علي عثمان ذو تفكير استراتيجي يدرك أن عقلية الدكتور جون قرنق عقلية ذات أبعاد استراتيجية أيضا وفي ذات الوقت يدرك علي عثمان والعالم قاطبة أن لدي جون قرنق شخصية قيادية نافذة كما يملك حضورا عالميا ومشروعاً كبيرًا ينطلق من واقعية وحاجة ماسة لأهل السودان قاطبة الذين يريدون بالفعل سوداناً جديدًا يسوده العدل والحكم الراشد بعد أن فشلت الحركة الإسلامية فشلا ذريعا في تحقيق هذا المبتغى, ولذا لا يمكن لعلي عثمان وجماعته أن يحتملوا وجود شخصية في حجم جون قرنق في دسك الحكم وقد أبعدوا من قبل شيخهم الدكتور حسن الترابي ومن قبله رجل البترول في السودان الأستاذ محمد عبدالله جار النبي بل طردوه إلي خارج السودان والقائمة تطول, وهولاء كلهم كوم وقرنق كوم آخر فهو موصول بالمجتمع الدولي ومؤسساته ويدرك حجم لعبة السياسة الدولية وتحديات المنطقة وتحديات بلاده في المقام الأول, و علي عثمان محمد طه يعرف جيدا أن الجنوبيين أمثال قرنق ورياك مشار من الصادقين في القول وفي التحالف ليس لهم (خساسات) كما التي لديهم وسبق أن عاش بينهم الدكتور ريك مشار زمنا طويلا ولما عرف ما بالقوم من كذب ونفاق خرج منهم, وقديما كان الدكتور الترابي يقول "أن الجنوبيين عامة صادقين في كلامهم وهم كالمحجة البيضاء لا يعرفون الكذب والنفاق والواحد منهم صادق في عداوته تجاهك وصادق في صداقته إذا صادقك" فجماعة علي عثمان لا يدركون عظم هذه المعاني لأنهم ينطلقون من منطلق المؤامرة والاستئصال.
- بكل تأكيد أن علي عثمان وجماعته ليس لهم أدني إحساس بالورع والمسئولية كما ليس لهم أدنى خلق بحيث يمنعهم من ارتكاب جرائم كما حدثت من خلال محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك وارتكاب جرائم الحرب في دار فور بل في جنوب السودان بحرق القرى والناس بداخلها وهذة لها حديث آخر, والذي يريد أن يتأكد من ورع علي عثمان وجماعته فليسأل متقاعدي القوات الجوية السودانية من الطيارين والفنيين..!!.
- أن عملية الاغتيال في عرف علي عثمان محمد طه شي طبيعي ما دامت تحقق الأهداف الكبيرة, ومن السهولة بمكان تنفيذها ما دامت السيولة المالية متوفرة والكادر موجود والوسيلة متوفرة والمهم أيضا الغرض الاستراتيجي في أهمية اغتيال جون قرنق موجود, ومن هنا لا بد أن ندرك أن الجهاز الأمني الخاص بنائب عمر البشير علي عثمان محمد طه يعرف تماما كل تحركات جون قرنق ومن المؤكد أنهم كانوا على علم بتحركه من الخرطوم إلي يوغندا وإلى حيث يريد الذهاب, بل كانوا على معرفة تامة ببرنامج الزيارة وأجندتها وقد يتسنى لأي شخص عمل في دوائر الحركة الإسلامية العسكرية والامنية في عهد الإنقاذ أن يلم إلماما تاما بأسلوب تفكير علي عثمان وجماعته, بحيث لا يستبعد فرضية اغتيال جون قرنق, مثلما كانت عملية اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا.
- وشخصي الآن خارج البلاد أتأمل كيف أن شخصا مثل إبراهيم السنوسي يوما ما كان مسوؤلا عن الأجهزة الأمنية ويدير العمل من مكتب خاص خارج نطاق العمل الأمني, وكيف أن شخصا مثل د. عوض الجاز كان مسوؤلا عن المؤسسات العسكرية من حيث التمويل والإعداد ويقود الجيوش من خلال مكتب خاص ليس له علاقة بالعسكرية..... وكيف أن شخصا ما غير معروف للناس كان مسوؤلا عن أمن جنوب السودان كله يدير العمل من خلال شركة حكومية تتبع للمؤسسة العسكرية..!!.- فلذا فإن عقلية التنظيم الذي يقوده علي عثمان وعوض الجاز ود. نافع تتحرك من شبكات عنكبوتية منظمة ذات أطر تشبه عصابات ألمافيا وتنطلق من أهداف التمكين الاسلاموي المتسربل بالإسلام من أجل تحقيق مكاسب شخصية للغاية ليس لها أي علاقة بالإسلام ولا بأهداف الوطن ولا بطموح المواطن السوداني.
- أن عملية اغتيال جون قرنق وإبعاده نهائيا من دسك الحكم تشبه إلي حد بعيد عملية أبعاد الدكتور حسن الترابي من الحكم ودوائر التأثير, وقد خلا الملعب الحاكم لعلي عثمان وذمرته بحيث لا يضايقهم شخص وعندما جاءت الظروف والضغوط الدولية بجون قرنق في موقع التأثير الذي أبعد منه الترابي كان القرار جاهز لأن الاستراتيجيات الكبيرة موضوعة سلفا ولا يمكن لأي فرد مهما علا شأنه أن يعوقها وهم أي جماعة علي عثمان يدركون خطورة الرجل جون قرنق والآن قد تم أبعاده نهائيا, وهم في ذات الوقت يدركون أن نائبه سلفا كير رجل عسكري بحت ليس له أي بعد استراتيجي مثل الراحل جون قرنق.
- علي عثمان والذين معه لديهم استراتيجيات طويلة الأمد تصل إلي حد التفكير في حكم المنطقة بكالمها وليس السودان فحسب بحيث يتم القضاء علي كل المعوقات في سبيل هذا المشروع.. وها قد حدث,, وفي ظني انه مهما طال الزمن أو قصر فلا محالة أن الشعب السوداني والمجتمع الدولي سيعرف كم هذا الرجل مخادع ومغامر , ومهما طال الزمن ومهما كتب مؤيدو الحكومة والمتعاطفين معها نافين أي صلة لعلي عثمان باغتيال قرنق فيوما ما سيعرف الناس الحقيقة, كما سيعرف السودانيين ان هذا الحمل الوديع ما هو الا ذئب كاسر.
من المقالات السابقة