الأربعاء، يونيو 10، 2009

صناعة الكذب وامتهان الشعب والتاريخ والقيم..!!

وقفت قبل ايام عند جملة قالها أحد مؤيدي الحزب الحاكم في السودان يصف فيها معارضي دارفور بانهم معارضة الفنادق.. والمغزى معروف لكل صاحب بصيرة.. ويضيف الرجل لانتقاده المعارضين "إنهم مُعارضو فنادق الخمس نجوم"، ملمحاً إلى أن كل من يعارض النظام يقف ضد إرادة الوطن، رابطاً ذلك بالاسترزاق من دول من بينها اسرائيل وأمريكا. هذه الجملة وقفت عندها ملياً تذكرت السنوات الأُولى لـ (الانقاذ) وكيف أننا كُنا نتهِم المُعارضين ونُشين صورتهم على صفحات الجرائد وفي سائر وسائل الاعلام، ونطلق عليهم (معارضة الفنادق) ونزيد على ذلك الكثير من شاكلة (الليالي الحمراء) التي كنا نزعم أن المُعارضون يعيشونها في غربتهم ومعارضتهم..!!. لكن التجربة والمعايشة والتأمل والتفكر كانت كفيلة بتصحيح هذه الصُور على الأقل لشخصي، لأناس من بني جلدتنا فقط كانوا يختلفون معنا في التوجهات وكنا نشين سمعتهم لهذا السبب ولم يكن هذا الفعل مبرراً بأي حال من الأحوال. يوماً ما.. في بداية التسعينات كُنت ضيفاً على المعارضة العسكرية في قاهرة المعز في مهمة وطنية على اثرها دخلت أوكار المعارضة هناك (القيادة الشرعية) وتعرفت على الكثير من العسكريين السودانيين من الرُتب العالية..بل دخلت بيت رأس (القايدة) آنذاك العميد الركن عبدالعزيز خالد وأكلت معه الملح والملاح في بيته الكائن بمصر الجديدة مدينة نصر، وتعرفت على زوجته السودانية الأصيلة سُعاد عبدالعاطي.. والمهمة التي كنت بصددها أكدت ليّ خطأ ما كنا نزعم في صحفنا وأجهزة إعلامنا، وأكثر ما آلمني وحز في نفسي أن الذين كنا نسئ إليهم كانوا متمسكين بالأصالة السودانية وبالاسلام أكثر منا نحن..!!. كُل أسِرة أبناء عبدالعزيز خالد ملصق عليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم..أدعية النوم وأدعية الصباح والمساء، وكانت رُوح البيت بيت رئيس القيادة الشرعية تُظللها الطيبة والروح التي تربينا عليها في السودان، فكانت الأخت سعاد عبدالعاطي تجمع الكثير من المعارضين وخاصة العُزاب منهم يجتمعوا نهار كل جمعة لتناول طعام الغداء من أطايب الاكل السوداني (ملاح أُم رقيقة والكِسرة والقُراصة بالدمعة). أياماً وليالي..نعم كانت صعبة بالنسبة إليّ شخصياً أن ينكشف أمري ..لكن لم أجد فيها أي فنادق خمس نجوم ولا ليالي حمراء ولا صفراء ..كما كُنا نزعم..وجدت سودانيين أُصلا..شردتهم (الانقاذ) وفعلت في أُسرهم الأفاعيل، وجدت أسراً تعرضت للكثير من المآسي حتى تخرج من السودان واللحاق بأبناءها في الخارج. وقد شهدت بيوت الأشباح الكثير من الظلامات التي وقعت على المعارضين وكانت أجهزة الاعلام المحلية والقيادات الحاكمة على أعلى مُستوى تنفي وُقوعها وتصف الآخرين بالكذب والارتزاق للأجنبي، وبعد عقدين من الزمان اعترف بها الرئيس عمر البشير على رؤوس الأشهاد.. فمن يصدقهم بعد اليوم إن نفوا وأمعنوا في النفي.. ولو تعلقوا باستار الكعبة. أخي القاري الكريم.. وقفت طويلاً عند ترديد (نغمة) مؤيدي المؤتمر الوطني للآخرين بالعمالة والارتزاق.. متأملاً ومتسائلاً في نفسي: عشرون عاماً متواصلة ولا زال الكذب مُتواصلاً..؟. عشرون عاماً مضت، وبسبب الكذب لا زال هناك من يتضرر..أشخاصاً..وأُسراً..وقبايلاً؟؟ كل انواع الضرر المادي والنفسي والمعنوي..بل أرواح عزيزة راحت في بلادنا ومن بني جلدتنا بسبب الكذب والمعلومات الكاذبة والمضللة التي تتعاطاه السلطات الرسمية مع الأصرار الشديد والتمسك بهكذا نهج يحكم زوراً وبهتاناً باسم الاسلام..والاسلام برئ..براءة الذئب من دم بني يعقوب. ومكمن الألم الذي يعتصر القلب أن القوم لا زالوا يتحدثون صباحاً ومساءً عن الاسلام الذي يقول قرآنه الكريم من لدن المولى سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات 6 صدق الله العظيم. هل تبينوا..؟. وهل ندم القوم من ظلم العقدين من السنوات العجاف التي مرت على حكم البلاد..؟!. الآية الكريمة المذكورة آنفاً من سورة (الحجرات). سورة الحجرات هي سورة مدنية تعالج بعض مظاهر التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: بعدم رفع الصوت فوق صوته، وعدم مناداته باسمه (محمد)، واحترام بيوت أمهات، وهي حقاً سورة الآداب الإجتماعية وقد سميّت بـ (الحجرات) لأن الله تعالى ذكر فيها حرمة بيوت النبي وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهم وهذا لتربطنا بالنبي وفي هذا دلالة أيضاً على ارتباط السور الثلاثة (محمد) و(الفتح) و(الحجرات) بمحور واحد هو (محمد ) ورسالته ومضمون ما جاء به، ففي سورة محمد كان الهدف إتّباع الرسول وفي سورة الفتح مواصفات أتباعه وفي سورة الحجرات أدب التعامل مع الرسول و المجتمع، الأدب مع الشرع الاسلامي، الأدب مع النبي وأدب تلقّي الأخبار، وأدب الأخوّة بين المؤمنين، وما يتصل بالإصلاح في حال وقوع خلاف، و الآداب الإجتماعية بين المسلمين، و أدب التعامل مع الناس بشكل عام. وفي تلك الايام تعرفت بالصدفة على إحدى القيادات الختمية البارزة ومن رجال المال والاعمال الختميين المشهور بصلاحهم ..المتزوج من شقيقة أحد أعز أصحابي..حكي لي كيف أن المعلومات الكاذبة والمضللة لدى الاجهزة الأمنية والسياسية عن شخصه قد تسببت في ظلم كبير حاقه في أعماله وتجارته حيث كان يمارس تجارته من القاهرة بعد الضغوط التي مارستها على كل من لم يقف معها مؤيداً، وصارخاً بالهتاف ومن ضمن ما كذبوا في الرجل قالوا انه يدعم المعارضين في الخارج ويبذل كل جهده للانقلاب على النظام، وبسبب تلك الفرية تضرر الرجل كثيرا، فقررت الذهاب لمن في يديه السلطة لمساعدة الاخ الختمي الذي طال ما حدثني عنه صديقي..عن خلقه وأدبه وتدينه، فذهبت للمقدم حينها صلاح عبدالله (صلاح قوش) ومعي رجل الاعمال الختمي الكبير وقد وجد الفرصة لشرح مشكلته وللأمانة والتاريخ حلت مشكلة الرجل، بل وصى صلاح قوش الذي كان رئيساً وحدة العمليات الخاصة آنذاك أن أذهب به للاخ محمد أحمد عثمان رئيس الهيئة العامة للاستثمار في حينها (قريباً كان ضمن عضوية المؤتمر الشعبي لا أدري الآن أين ذهب) فتقدم رجل الاعمال بطلب قطعة أرض لإنشاء أكبر مصنع عليها للصابون من أكبر المصانع ليس في السودان فحسب بل في المنطقة، ولا أدري بعد ذلك ما جرى. لكن المهم في هذه القصة ان المعلومات الكاذبة والمضللة التي تتلقاها الجهات الرسمية أمنية وغيرها بدون تروية والتأكد من مصداقيتها تتسبب في عظائم الأمور على الكل، حتى على النظام لأنه أصبح بلا مصداقية، والمجتمع كذلك يتضرر من كِذب القيادات التي استمرأت الكذب، فأصبحت البلاد تمسى وتصبح على مشكلة جديدة لغياب المصداقية والشفافية فيما تطرح فلم يكن غريباً ألبته أن رفض البعض نتيجة التعداد السكاني لأن النظام لم يعرف له كلمة صدق على الاطلاق. وأن لغة الكذب التي يتبعها الحُكم في بلادنا تعود بنا القهقهري عشرات السنين... وكما هو معروف أن اللغة هي أخطر سلاح خصوصاً عندما توجه لعواطف الجماهير المغيبة لتصور لهم أن العقيدة أو الوطن مستهدف، وحينما يستخدموها لتنزيل نصوص تؤيدهم ويحجموا عن نصوص تدينهم وتنسف حتى أسس صلاحهم لتولي أدنى أمور الناس. وهل قامت المذاهب والاحزاب والفرق والحروب بدايةً إلا باللغة، ولكن أشد مخاطر اللغة تأتي عند تفسير النص المقدس (القرآن- الحديث الصحيح) لتمرير النص وتطويعه ليصب في صالح مستخدميها. وهل قامت (الانقاذ) إلا على لغة إثارة المشاعر..؟. وهل هناك حكومة صرفت لغةً وكلاماً أكثر من (الإنقاذ)..؟. إنها حكومة الكلام والصرف البذخي على الكِذب.. لكن أخطر الكلام هو تطويع آيات الله لأشواق القوم للتمكن من الحُكم، إذ يُركز فقهاء النظام على تفاسير طاعة السُلطان ولو فعل كل شيء مالم يمنع الناس الصلاة، لاحظوا معي يمكن للسلطان أن يقتل ويحرق وينسف ... وعلى الناس طاعته.. لماذا؟ لأنه لم يمنعهم الصلاة، في حين أن هناك آية تختصر كل الرسالات الضخمة للانبياء من معانة وتشريد وقتل للأصحاب والأهل من لدن نوح عليه السلام إلى رسولنا الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أية تختصر مسيرة الأنبياء الضخمة لتقول: ( إنا أرسلنا المرسلين ليقيموا العدل بين الناس) فرسالة الرُسل هي إقامة العدالة بمعناها الشامل، هذا طبعاً مع تعريفهم بالإله الحق، نسمع من فقهاء (الإنقاذ) أحاديث السمع والطاعة للسُلطان، ولكن لا نسمع منهم أحاديث مثل ( من صلى وعليه ثوب بعشرة دنانير كان فيها ديناراً إكتسبه حراماً فلا صلاة له) .. بالتالي من هو الحاكم الذي يُطاع طالما لم يمنع الناس من الصلاة، لقد استعمر الانجليز السودان، فهل منعُوا الناس الصلاة لتأتي (الإنقاذ) بعد عدة حكومات وطنية وتتيحها لهم مليئة بالخشوع، إنهم يعلمون الظروف الموضوعية لكثير من الأحاديث ولكنهم يتفادونها ليؤسسوا دولة الكِذب والظُلم. الكذب على التاريخ..والشعب والقيم.. في شهر مايو الماضي تذكرت الحكومة واعلامها واقعة الغزو على امدرمان التي حدثت في العاشر من مايو الماضي 2008م وقد أعاد التلفزيون القومي الاسطوانة المشروخة والسمجة "امدرمان مقبرة الغزاة"و عملاء الاستعمار..والدعم الصهيوني ..وما إلى ذلك. ولأن ذاكرة التاريخ مُتقدة دوماً..لم أنس غزوة أُمدرمان الأُولى في يوم الجمعة 2 يوليو 1976م والتي سماها نظام الرئيس المغفور له جعفر نميري بـ (المرتزقة) وكان الذين على سدة الحكم في مايو 2009م هم أنفسهم الذين غاروا على أُمدرمان وكانت مقبرة لهم، وليس أُمدرمان وحدها بل العاصمة الخرطوم نفسها. كان د. غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية الحالي يحمل رشاشاً وقد اشتبك في معركة حامية مع قوات الجيش داخل مبنى اللاسلكي بالقرب من مبنى الجوزات بالخرطوم و كان قاب قوسين أو أدنى من الموت كما ذكر لي الأخ أمين حسن عمر.. وفي مكان آخر.. كان وزير (خارجية) المؤتمر الوطني الحالي علي كرتي يحمل رشاشاً أيضاً يقاتل ويصرع..وثم فلان وفلان وفلان ..الآن على سدة الحكم يعتبرون أن غزوة امدرمان 2008م ارتزاقاً عمالة للأجنبي وللصهيونية العالمية. يا لها من مفارقات.. علي كرتي لأول مرة أسمعه يتحدث عن تلك الغزوة التي سماها (مباركة) عندما كُنا في المعسكر الخاص للقوات الخاصة التابعة للدفاع الشعبي في المكان الذي حدث فيه معركة كرري بامدرمان..تحدث كرتي عن البطولات والشُهداء والدماء العزيزة، وكيف أن أبناء الحركة (الاسلامية) قد قدموا التضحيات الجِسام، وذكر أن الشهيد عبدالإله خوجلي كان في السنة الآخيرة بكلية الطب أصر شديداً أن يشترك في المعركة..وقد فعل حتى استشهد. وكيف أن فلاناً..قدم نموذجا في التضحية والفداء.. هذه الغزوة..يوليو 1976م ..مباركة.. وغزوة امدرمان مايو 2008م عمالة للاجنبي.. والغريبة ان التوقيت كان واحداً يوم (الجمعة)..!!. برغم أن الأُولى كانت مدعُومة من ليبيا وبشكل واضح وليس مخفي..ودعمها العقيد القذافي شخصياً..!!. ما الذي جعل هذه (كراعاً)... وهذه (ِرجل)..؟!. علي كرتي شخصياً..كان يتحدث في مايو الماضي عن بطولات الجيش السودان.وكيف أنه سحق ما أسماهم (العُملاء).. غزوة أمدرمان الأُولى صنعت أدباً وثقافة استغلتها الحركة (الاسلامية ) في استقطاب الآخرين. كتب (الشهيد) حسن سليمان قصيدة المشهورة: قسمات الفجر تتهلل بندى الاسلام تتبلل والنسم الطيب يتعلل بأريج القرآن الزاكي.. يا قائد أخصلنا النية ورفعنا الراية المطوية سنروم الغرف العلوية يا حور الجنة لقياكِ. القائد أقسم لن نرجع ولغير الخالق لن نركع سنطهر وحل المستنفع ونثير النقع لعراكِ.. إلخ القصيدة.. وكتب سيد الخطيب قصيدته الذائعة الصيت: سنار موعِدُنا يا باقون جيناك يا سنار والجحفل الجرار والوابل المدرار نعدي لهم عدوا يدفعنا الايمان بالواحد الديان إلخ القصيدة.. وكُتبت في هذه الغزة (يوليو 1976م) العشرات من القصائد ونسجت القصص عن البطولة والفداء، وبذات القدر كُتبت عن غزوة امدرمان الثانية (مايو 2008م) قصائد الهجاء والقدح. لكن العجيب والغريب فعلاً ..كان موقف الشعب السوداني حيال الغزوتين.. في غزوة امدرمان الأُولى وفي تلك الجمعة (الثاني من يوليو 1976م) عندما دخلت القوات الغازية المدينة خرجت امدرمان عن بكرة أبيها تهلل وتكبر فرحة بزوال عهد الرئيس (نميري) وكنت في سن الثالثة عشر وهتفت مع الهاتفين وفرحت معهم، وكنا نقف امام منزل العم ياسين عمر الامام حيث جاءت حافلة كبيرة ومن بابها الخلفي كان يظهر احد جنود الحركة الغازية يحمل رشاشاً كبيراً..وقف يسأل عن بيت العم ياسين..وكانت الجماهير تهتف.. والنساء يُزغردن.. ذهبنا لبيوتنا وتناولنا طعام الافطار وفي منتصف اليوم وبالقرب من مسجد الأمين عبدالرحمن على شارع الوادي ظهرت من على البُعد دبابة كبيرة كنا نطلق عليها (صلاح الدين)..كانت تُطلق الرصاص في الهواء..كان عليها الرائد ابوالقاسم محمد ابراهيم وعدد من الضباط يرفعون أصابهم بعلامات النصر التي دلت على رجوع نظام نميري..فإذا بذات الجماهير.. وذات النساء اللائي كُن يزغردن.. يهللون ويكبرون فرحاً بعودة النظام من جديد. ذات المشهد بكل حذافيره قد حدث بالفعل في غزوة أمدرمان الثانية (مايو 2008م) حيث استقبلت جماهير المدينة (الغُزاة) بالتهليل والتكبير، ما أن أنجلى الموقف حتى عادت الجماهير للعبتها القديمة أن هللت وكبرت بالغازي (القديم) الحاكم الحالي. فقط الفرق الوحيد بين الغزوتين..أن الثانية التي حدثت في العاشر من مايو 2008م تم توثيقها تلفزيونياً ونقلت على عدد من الفضائيات العربية، ويظهر فيها دخول حركة العدل والمساواة لمدينة أمدرمان بسياراتهم والجماهير السودانية تهتف مستقبلة القوة العسكرية بالهتافات المعبرة عن الترحيب بهم. ذات الجماهير هللت وكبرّت وفرحت مُؤيدة للنظام.. هذه الفرحة وثقتها كاميرة تلفزيون السودان واعتبرها الاعلام الحكومي ملحمة جماهيرية..!. فضيحة سكرتير الرئيس البشير ورئيس التحرير..!!. كما ذكرت آنفاً أن القاعدة الربانية تقول أن الله سبحانه وتعالى لا يفلح عمل القوم الذي يكذبون على الناس ويحتالون عليهم. الآن تتنااقل مجالس العاصمة الخرطوم الفضيحة التي دوت داخل القصر الجمهوري و التي كان بطلها السكرتير الصحفي للرئيس عمر البشير الاستاذ محجوب فضل بدري والذي أقيل من منصه بسبب تأليفه مقابلة مزعومة مع رئيس الجمهورية ونشرتها صحيفة (الحُرة) الحديثة الإصدار وبدأت القصة عندما فكرت الصحيفة إجراء حوار صحفي مع الرئيس عمر البشير لتستهل به بدايتها في مشوار الصحافة. فاتصلت بالاخ محجوب بدري ونقلت له الرغبة ووافق مبدئياً على تلبية رغبة الصحيفة فطلب من رئيس التحرير كتابة الأسئلة على أن يقوم بالواجب. وبالفعل كتب رئيس تحرير (الحُرة) الأسئلة بعناية وقام السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية باستلام الأسئلة وعندما ذهب لمكتبه بالقصر الجمهوري بدأ في الإجابة على أسئلة (الحُرة) ولم يترك شاردة ولا واردة يجاوب عليها كلها دون أن يخطر الرئيس البشير بالموضوع وقام على الفور بتسليم الأسئلة وإجاباتها لرئيس تحرير صحيفة (الحُرة) الذي لم تسعة الفرحة بهذه (الخبطة) الصحفية الكُبرى. فنشرت الصحيفة (مقابلة الرئيس) المزعومة بالكامل، بعد أن أضاف عليها من خياله قصة قصة السفرية والطائر الميمون وما إلى ذلك،وكانت المسألة كلها كذب من أكاذيب النظام التي تحدثت عنها في آخر مقالي لي. أخي القارئ الكريم.. ذكرت بعض المواقف في هذا المقال من أجل التوثيق التاريخي فقط وليس من أجل أضفاء البطولات على شخصي فأنا في حل من هذه البطولات والتي إذا كنت أرغب فيها أو أعمل من أجلها لكنت الآن داخل السودان وأعيش في رقد من العيش، فإن قرار خروجي من الحركة (الاسلامية) ومن (النظام) كان قراراً شخصياً. أثق كثيراً في فطنة القارئ السوداني المتفهم أصلاً لما أكتب فله مني كل التقدير والاحترام.. 9 يونيو 2009

الدكتاتورية السودانية وامتهان الكذب..!!

وصفات طبية ونفسية نجدها في الكثير من المواقع الالكترونية الاجتماعية منها والتربوية تُوصي بأنواع مختلفة من علاج إدمان الكذب لدى الأطفال الصغار، وتكشف عن خطورة الكذب على مستقبل الطفل في مقبل الأيام.كنت أقف دائماً متسائلاً في نفسي لماذا لا توجد وصفات طبية ونفسية تنصح الانظمة الحاكمة المستبدة مثل حكومة السودان التي أدمنت الكذب حتى أصبحت بلادنا تعيش في حالة عدم استقرار نتيجة لممارسة الكذب على الشعب، دون النظر للآفة وأدمانها وخطورتها على مستقبل البلاد والعباد.غريبة.. ينصحون الاطفال الصغار ولا ينصحٌون الحُكام الذين يؤدي كذبهم لاراقة الدماء وضياع ثروات البلاد واشعال الحروب هنا وهناك ..!!. يقول د. صبري الأحمد الابراهيم "أن الكذب خلة رديئة، وصفة ذميمة، وهي أساس الرذائل، وأصل الشرور، فكثيراً ما ضاعت به حقوق، وانتهكت به حرمات، وارتكبت به جرائم".والكذب أصلاً هو مخالفة القول للواقع، وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام الشرور، وداعية الفضيحة والسقوط، لذلك حرمته الشريعة الإسلامية، ونعت على المتصفين به، توعدتهم في الكتاب والسنة:قال تعالى "إن الله لا يهدي من هو مُسرف كذاب" (غافر: 28). وقال تعالى: "ويل لكل أفاك أثيم"...(الجاثية:7).وقال تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وأولئك هم الكاذبون"، (النحل: 105).وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"، رواه البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي.قواسم مشتركة ومفارقاتفي حديث أجراه الرئيس الأمريكي بوش مع شقيقته دوروثي بوش لحساب مكتبة الكونجرس، قال إنه يود أن يذكره التاريخ باعتباره "الرجل الذي حرر خمسين مليوناً من الناس وساعد علي تحقيق السلام"...!!. ولم يكن من المتصور أن يبلغ الاستخفاف بعقول البشر إلي هذا الحد..! .. الرئيس الذي قتل أكثر من مليون ونصف المليون إنسان في العراق وأفغانستان و مئات الآلاف من الجرحي والمعاقين من ضحايا حروبه، و أكثر من أربعة آلاف ومائتي جندي أمريكي بالإضافة إلي عشرات الآلاف من الجرحي والمعاقين يعتبر نفسه (مُحرراً) و(صانعاً للسلام).!!. لا بل ويتفاخر الرجل بأنه لم (يبع روحه) وأنه جاء إلي واشنطن حاملاً مجموعة من (القيم)، ويتركها وهو يعتنق نفس (القيم) كما أنه واثق من أنه لن يضحي بهذه (القيم)..الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن ثبت أنه كان يكذب طول الوقت وهو يعرف أنه يكذب لكي يبرر شن حروب غير متكافئة في العراق.القاسم المشترك بين حالة الولايات المتحدة الامريكية سابقاً.. وحالة السودان حالياً..انه في ذات الوقت الذي كان العالم يسمع أكاذيب الرئيس بوش كان رئيس السودان يكرر ذات السيناريو..لا..بل يُسب الرئيس بوش بكل ما أوتي من مفردات الشتيمة والإساءة..!!.والمفارقة العجيبة المضحكة ان إدارة الرئيس بوش هي التي ضغطت على الاطراف السودانية المتحاربة في الجنوب لتحقيق السلام في السودان فتكفلت بكل مصروفات منتجع نيفاشا من اقامة وأكل وشرب حتى ثمن الخمرة التي شربها القوم في نيفاشا دفعتها الادارة الامريكية.. وبعد كل ذلك يسوق صّحاف السودان د. ربيع عبدالعاطي "أن الرئيس البشير أوقف أطول حرب في تاريخ القارة الافريقية".. ولا يستحي أن يكرر هذا الكذب على اشهر القنوات الفضائية العربية، والكل يعلم الحقيقة..!.صّحاف آخر من صحاحيف (الانقاذ) يكذب بشكل فاضح ومُخجل قال من الفضائية السودانية أن "الانقاذ هي التي فتحت الباب للصين لتدخل أفريقيا"، وأصغر قارئ سوداني يعرف أن الصين دخلت افريقيا في نهاية الخمسينات عندما كانت تدعم حركات التحرر الافريقي، وفي تقرير له لإذاعة صوت هولندا العالمية يقول الصحفي الزامبي جاكلين ماريس من لوساكا متحدثاً عن السفير الصيني هناك مشتر شاو. "إن مستر تشاو أجرى تقييماً لسياسة "الطفل الواحد" الصينية، وأسهب في الثناء على الصين القديمة، يكرر مستر تشاو جمله الإنجليزية الركيكة كأنها شعارات: "الصين وزامبيا صديقان جيدان،" متبوعة بـ "الصين وزامبيا صديقان قديمان،" يكرر ثلاث مرات أن الصين في إفريقيا كما كانت تفعل قديماً بعيد الاستقلالات- لمساعدة بلدان القارة لكي تتطور". وفي مكان آخر يتحدث عن أول رئيس لزامبيا بعد استقلالها ويقول عنه:"بعد توليه رئاسة البلاد عام 1964م سارع كينيث كاوندا إلى زيارة "القائد الأكبر" ماو تسي تونغ، برفقة نظيره جوليوس نيريري، رئيس تنزانيا المجاورة كانت لديهم لقاءات حميمة مع القائد الثوري ماو، وإن كان كاوندا ينكر أنه استنسخ التجربة الماوية. يقول كاوندا إنه طور "اشتراكية إنسانية"، بتعليم مجاني، ورعاية صحية للجميع. شقّ الطرق وبنى المصانع في أبعد الأماكن النائية من البلاد. صارت زامبيا تصنـّع الدراجات الهوائية، والقناني الزجاجية، والأناناس المعلب. كل هذه المصانع أنشئت بموارد تصدير النحاس. رغم ذلك، من الصعب تجاهل الشبه بين البدلة السوداء البسيطة والأنيقة التي يرتديها الرئيس السابق كاوندا، وبين البدلات التي اشتهر بها ماو".كان ذلك في بداية الستينات..!!. وفي نهاية العقد الأول من القرن الـ 21 يأتي من يكذب علناً وفي الجهاز الاعلامي القومي..هكذا هم حكام (الانقاذ)..أكثر الحكام الذين كذبوا على الشعب، بل استخفوا بعقول الناس وبقدراتهم..والاعلام السوداني يتفاعل مع هذه الأكاذيب بالترديد وبلا حياء باعداد برامج تلفزيونية خاصة تمجد الأكاذيب، ولا أدري أين ذهب مثقفي السودان الذي يعرفون التاريخ ويلمون بدقائقه، ولا يتحملون قبل عام أو أكثر ضربت القوات الجوية السودانية بطائراتها قافلة امدادات تابعة للامم المتحدة في دارفور فبادر سفير السودان في المنظمة الدولية عبدالمحمود عبدالحليم امام الصحافيين بنفي الواقعة جملة وتفصيلاً.. متهماً حركة العدل والمساواة بارتكاب الهجوم، وفي اليوم التالي اعترفت الحكومة السودانية بالهجوم وقالت انه حدث بالخطأ، وذلك بعد أن علمت ان الهجوم مؤثق ولا سبيل للنفي، وأصبح المندوب في الامم المتحدة كاذب في نظر من استمع إليه بتأكيداته القوية وحماسه الزايد.وهو يعلم تمام العلم أن حكومته تكذب من صغيرها لكبيرها.. بيوت الاشباح..آخيراً اصبحت حقيقة..!! قبل ايام فاجأ الرئيس عمر البشير السودانيين باعترافه الشخصي بحقيقة بيوت الاشباح والممارسات التي تمت في الماضي، في سياق حديثه حول تغير النظام لاستراتيجيته السابقة، ومؤكداً ما ظل ينفيه الانقاذيون على مدى عشرين عاماً مضت، وصرفت فيه الدولة المال الكثير لتسويق هذه الأكاذيب من أكل وراحة الشعب السوداني، آخيراً أعترف الرئيس بعد كذبة استمرت عقدين من الزمان في ظل نفي شبه يومي وعلى كل المستويات من الاعلام وعلى كل الصعد المحلية والاقليمية والدولية.وعندما يتأمل المرء في كمية الأكاذيب التي تنشرها أجهزة الاعلام الحكومي يستغرب غاية الاستغراب..كما استغرب أديبنا الراحل الطيب صالح في مقالته المشهورة: "هل السماء صافية فوق أرض السودان أم أنهم حجبوها بالأكاذيب؟ هل ما زالوا يتحدثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن والناس في ذعر وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟" وفي فقرة اخرى" من اين جاء هؤلاء الناس؟ أما أرضعتهم الأمهات والعمات والخالات ؟ أما أصغوا للرياح تهب من الشمال والجنوب؟ أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط؟ أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟ أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي واحمد المصطفى؟ أما قرأوا شعر العباس والمجذوب؟ أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسوا الأشواق القديمة، ألا يحبون الوطن كما نحبه؟ إذاً. لماذا يحبونه وكأنهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنهم مسخرون لخرابه؟". ويختم المقال ذائع الصيت قائلاً:"هل حرائر النساء من "سودري" و"حمرة الوز" و"حمرة الشيخ" ما زلن يتسولن في شوارع الخرطوم؟ هل ما زال أهل الجنوب ينزحون إلى الشمال وأهل الشمال يهربون إلى أي بلد يقبلهم؟ هل أسعار الدولار لا تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط..؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثة السودان المسكين خلافة إسلامية سودانية يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب؟ من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل.. من هؤلاء الناس؟". التوقيع على النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية..!!. كشف الزميل الصحفي المثابر الاخ عبدالمنعم سليمان قبل ايام قليلة فضيحة كبرى واحدة من فضائح النظام التاريخية إذ كشف أن الحكومة السودانية قد وافقت على النظام الأساسي للمحكمة بل الرئيس عمر البشير شخصياً قد وقع على النظام في 8 سبتمبر 2000م، والمصدر هو مجلة (المحامين) التي يرأس تحريرها الاستاذ فتحي خليل العدد الثاني فبراير 2003م، وفي ذات العدد كتب فتحي خليل مقالة عصماء يُمجد فيها نظام المحكمة الدولية ولم يؤكد توقيع السيد رئيس فحسب بل نادى بتعديل القوانين والتشريعات الوطنية لتتوائم مع ما ورد في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقال خليل بنفسه" وقعت 139 دولة من ضمنها السودان اذ قام السيد رئيس الجمهورية بالتوقيع على النظام الاساسي، وان النظام الاساسي سيدخل حيز النفاذ في اليوم الاول من يوليو 2003م".الوثيقة التاريخية التي كشفها الزميل الصحفي مهمة للغاية من حيث كونها تثبت ان حكومة السودان (الانقاذ) كانت من اكثر المتحمسين لوجود المحكمة الجنائية الدولية وانها وقعت علي نظامها الاساسي بذلك الحماس فكانت بذلك أقوى المؤكدين على نجاع فكرتها، لكنها تنكرت لها بعد ان تورطت في دارفور. وصدقت العبقرية السودانية التي قالت أن "حبل الكذب قصير"، وحتماً سيعرف المواطن السوداني حجم الاكاذيب التي مورست ضده وحكمت بها البلاد بطولها وعرضها.كذب الشيخ الجديدولما صار الكذب مهنة وطبيعة وعادة لدى القوم كبارهم وصغارهم احتفظ التاريخ لهم بكل صغيرة وكبيرة، ومن ضمن ما وثقته اجهزة الاعلام والتقنية الجديدة الأكاذيب التي أطلقها الشيخ الجديد نائب رئيس الجمهورية على عثمان محمد طه التي بثها تلفزيون السودان عبر برنامج (في الواجهة) التلفزيوني في منتصف شهر يوليو 2004م بمناسبة الاحتفال بالعيد الـ 15 على (الانقاذ).. ونشرتها صحيفة (أخبار اليوم). قال علي عثمان في رده على سؤال مقدم البرنامج أحمد البلال الطيب على طريقة (حمد والديبة حاجة عجيبة) التي تعني إجادة تمرير الكرة بين اللاعبين والوصول المرمى.قائلاً:"استطاعت الانقاذ أن تطرح رؤى واضحة من خلال تأسيسها لدستور البلاد يحتوي علي جملة من المبادئ التي تصلح أساساً لادارة أوضاع البلاد في هذه الفترة وتؤسس للفترة المقبلة هذا الدستور في تقديرنا قد تضمن حصيلة تجارب الحكم والادارة في السودان في الفترات الماضية ونظرا الي التجارب المعاصرة والي المبادئ الدولية وتضمنها، ثم جاءت التجربة العملية بانشاء مؤسسات للدولة تأسيسا للامركزية الحكم وتأسيسا للحوار الوطنى الحر والبناء لمناخ ديمقراطي يستطيع المواطن فيه فردا او مجموعة ان يعبر عن ارائه ويشكل هذه الآراء ويجسدها في شكل مؤسسات تدير حواراً مفتوحا مع الساحة". وفي مواصلته للاجابة على السؤال قال النائب الأول للرئيس في حينها وهو يبتسم: "استطاعت الانقاذ أن تُؤسس لحرية الصحافة والنقد والتداول العام حول الموضوعات وان تنشئ اجهزة رقابة من خلال الانتخابات وتأسيس المجالس التشريعية والبرلمانية علي المستوي الولائى والاتحادي لتقوم بدورها في محاسبة الجهاز التنفيذي مرسية بذلك مبدأ الشفافية والمحاسبة العامة لاداء الاجهزة وان تؤسس لحكم القانون بانشاء قضاء مستقل ترسخت هيبته واحترامه لدي المواطن اولا من حيث انه يبني علي اعراف وقواعد لتحقيق العدالة ليست غريبة علي الوجدان السودانى فالقوانين والتشريعات التي سنت في خلال هذه الفترة استمدت كلها من ضمير الشعب ومن معتقداته فان القوانين التي اسست علي قواعد الشريعة الاسلامية هي تعبير عن التعايش والتصالح بين المجتمع وبين القوانين والقيم التي تحكمه"..كذب السيح والريح..!!.ولا زال الشيخ الجديد يواصل مسلسل الكذب عن الجنة التي اقامها لشعب السودان في مناطق أمري وكجبار ودارفور..الكذب لا يشترى بالمال..!!. وهل كان الكذب على الشعب فقط..؟؟!. الغريبة أن النظام كان ولا زال يكذب على نفسه ويصدق كذباته الكبيرة..هذا مرض عضال يستلزم العلاج..لكن بعد (خراب سوبا)..؟.يوما ما كنت عضواً في المكتب التنفيذي لوزير مالية (شمالي) بإحدى ولايات جنوب السودان في حقبة التسعينات، وبينما كنا نهم في كتابة تقرير الوزارة السنوي دخل علينا (الوزير) فطلب منا أن نكتب على غير الحقيقة أن الشركة الهندسية التي تتبع للوزارة (زراع استثماري) ربحت في عامها الأول مبلغ 5 مليون جنيه، وهذا لم يكن حقيقة ألبته، وكانت حاجة غريبة للغاية هذا التصرف سيما وأن الوزير كانت له مكانة كبيرة للغاية بين العاملين خلف الكواليس في حفظ أمن البلاد. وقبلها بسنوات كنت أعمل في إحدى القطاعات الاستراتيجية التنظيمية وبينما كنا نضع اللمسات الأخيرة على التقارير الربع سنوية لمناقشتها في الاجتماع الكبير ونحن ممثلين لكل ولايات السودان جاءنا أحد القيادات وطلب منا (نفخ) التقارير.. بمعنى أن نُضاعف الأرقام التي بحوزتنا حتى نظهر وكأننا حققنا أكثر من المطلوب..!!.رئيس الجمهورية كان دائماً يحضر الاجتماع السنوي الكبير وسط التهليل والتكبير والفرحة بانجازات كاذبة غير موجودة على أرض الواقع..لذا أشعر بمرارة لدرجة التقيوء كلما شاهدت الفضائية السودانية و مشاهد التهليل والتكبير عند وصول الرئيس أو نائبه، أعرف أن الكذب هو سيد الساحة وان مظاهر الفرحة الكاذبة ما عادت تطرب مسمعي، وهذه إجابة للذين سألوني عن سبب مقاطعتي الفضائيات السودانية..!. الخجل من النور..أثناء تقلبي لكتاب الكاتب السعودي عبدالله القصيمي (عار التاريخ) استوقفتني هذه العبارة التي تصور واقعنا بكل ما فيه، يربط بين الدكتاتورية وتأثيرها البليغ على الشعوب فيقول: "الدكتاتور لا يجئ في كل الظروف ولا في كل المجتمعات انه يجئ في ظروف خاصة قابلة لأن يمارس فيها كل جنونه..أنها ظروف تهئ للوقوع في شباك الدعاية والاستهواء، وانه من جهة آخرى لا يؤمن بالأخلاق ولا بالمنطق..أنه يكذب ويضلل ما استطاع لا يمنعه من ذلك مانع..انه لا يشعر أن أحداً يراه او ينكره او يحاسبه، انه لا يخجل من النور..أنه لا يراه..انه لا يحسب أي حساب لكل ما في الشمس من قوة ورؤية وكشف". هذا الكاتب يصور واقعنا بشكل غريب وكأنه يعرف ما يجري في كواليس حُكامنا وما يحدث في ساحتنا السياسية فيكتب قائلاً: "من جهة ثالثة ..ليس للجماهير مناعة – أي مناعة – ضد الانخداع والخوف وتصديق السحر، ان استعداد الجماهير للانخداع مشكلة قديمة وحديثة، لم يوجد لها علاج..انه لم يوجد لها العلاج، ان هذه الأمور الثلاثة تعطي دعايته المرهقة كل الفرص لكي تبلغ منتهاها..فإذا وجدت المجتمعات الهاربة من نفسها الباحثة عن الغواية، ووجدت تلك الغواية بكل مغرياتها وأساليبها وأنبيائها الكذبة، ثم سقطت على تلك المجتمعات كل كذبها وفجورها وانطلاقتها المتوحشة، ثم كانت المجتمعات بظروفها النفسية محتاجة الى الضلال والاتباع والايمان وتسليم القلاع للغزاة القادمين من وراء الضباب..إذا اجتمع ذلك كله، كان محتُوماً أن تجي دعاية الديكتاتور شيئاً مثيراً وحاسماً، أن هذا هو التفسير لما يثبت دائماً من تفوق الدعاية الديكتاتورية على دعايات خصومها..انها تجئ تعبيراً عن حالة أليمة موجودة.ان هذا يجعلها رسالة وانقاذاً في تصور الجماعات، لهذا يترامون تحت أقدامها بلا وقار أو ذكاء، انهم بذلك يهربون من انفسهم ومن فراغها الأليم العقيم، انهم لا يجيدون ما يملأ هذا الفراغ غير الايمان بالتعصب والحقد والكذب والوعود التي تطلقها هذه الدعاية الباهظة،أما خصومها فليست لهم هذه المزايا فلا يتكافأون معها، أن الجنون في السوق شئ متفوق ساحق لا ينافس"...!!. ان المجتمعات في الغالب تؤمن بالذين يعلمونها الكذب والغواية والبغض والحماقات لا بمن يعلمونها الحب والحقيقة والصداقة والعقل، أن الاكاذيب أقوى سحراً من الحقائق..ان المهرجين الصارخين يعطون الجماعات الفرصة لكي تريح آلامها وأعصابها، أو حرمانها أعظم ما يعيطها العقلاء المتوقرون.ما اسخف العقل حين يطلب الجنون..وما اسخف الاتزان في مخاطبة الجماهير التي تجد في الاكاذيب والمبالغات والتحويمات تعويضاً لها عن فقدها وعجزها وحاجتها.. كل الناس يحتاجون إلى تعويض ولو بالكذب، ولو بالاحتلام، ولو بالشتائم والحقد، لهذا يهاجمونني في كل ما أكتب لأنني لا أكذب عليهم..ولا أتجمل..ولا أدعي نبوءة..ولأنني أكتب لهم ما يبكيهم..وما يزرع في نفوسهم الرعب من عاقبة الطريق الذي يسيرون فيه..يهاجمونني لأنني أقول لهم الحقيقة المُرة بينما كل أجهزة الاعلام تقدم لهم الأكاذيب ممزوجة بالتهليل والتكبير..وموسيقى الجهاد وأغاني الحماسة. قبل 6 سنوات كتبت مقالاً منطلقاً من وازع الفطرة كالوا ليّ السباب والشتيمة ومن ضمن ما قالوا "أكلت خير (الإنقاذ) حتى شبعت وتأتي اليوم تحذر منها...؟"، قلت لهم بالحرف الواحد "أحسب أنني أحمل أمانة ورسالة سيسألني عنها المولى سبحانه وتعالى يوم أقف أمامه..ورسالتي عميقة الجذور وفي خاطري أبنائي وأبناء كل السودان أخاف عليهم من المستقبل المظلم".وكانت النتيجة سريعة على غير ما توقعت ..حملتها الأخبار اليومية..آلاف حالات الاغتصاب بين الناشئة..ومن قبلها تناقلته صحائف الدول المجاورة..أبناء الزنى الذين ضاقت بهم أرجاء البلاد يتكفل بهم الشعب الطيب المغلوب على أمره..أما المليارات من الجنيهات السودانية تُخصص للمؤتمرات عديمه الجدوى.. وجلب المؤيدين أعضاء النقابات العربية من محامين وقضاة وأكاديميين لتأييد الرئيس على خلفية اتهام المحكمة الجنائية الدولية، وينقلها الاعلام السوداني على الهواء مباشرة..واتحفنا القوم بعبارات المدح التي لم يحلم بها سيف الدولة من ابي الطيب المتنبئ.تسويق للكذب على المستوى الاقليمي والدولي..!! .ادعاء التنمية الكاذب ..!! ما وُجهت كاميرة تلفزيونية لمسئول سوداني إلا وتحدث عن التنمية التي حققتها (الحكومة)..والتنمية في فهم قادة النظام هي الجسور الجميلة والبنايات الشاهقة والحدائق العامة والجامعات التي لا أحد أصبح يعترف بشهاداتها.مظاهر التنمية هذه برغم علاتها..دفع ثمنها المواطن السوداني من دمه ولحمه وكرامته وعِرضه.إذا احتاج لعملية جراحية طُلب منه شراء الحُقن والشاش والسرير والبنج..وإذا احتاج لإدخال الكهرباء في منزله طلبوا منه شراء العمود والأسلاك..وإذا فكر في السفر خارج البلاد طلبت منه الأموال الطائلة..والرسوم التي لا تنتهي..وإذا عاد من غربته..طلبوا الأتاوات الكبيرة التي تنوء بحملها الجبال.فأصبح المواطن السوداني يدفع للحكومة وهو ميت ومسجى على النقالة ..إذا توفي في المستشفى حملوا الجثمان لمنزله.. وقبل أن ينزلوه من سيارة الاسعاف طلبوا قيمة المشوار .. مشوار الجثمان..!!. صناعة الكذب.. مؤخراً أسست (الحكومة) عدداً من الصُحف الموالية لها وأشاعت أنها صُحفاً مستقلة بعد أن فكت ضوائق من قاموا عليها من أجل الترويج للكذب والدفاع عنه.صحف جديدة تمثل صناعة تحويلية..تحول الهزيمة النكراء إلى انتصار تاريخي كبير.تُحول الحقائق الظاهرة مثل الشمس في رابعة النهار إلى أكاذيب ..وادعاءات..تصف من يتحدث بغيرها بالمرتزقة وصحافي المارينز..والخونة..الذين باعوا أوطانهم بثمن بخس.لكن العزاء الوحيد أن هذه (الصناعة) تخلو من المهندسين والمهرة والمبدعين والمؤمنين بالفكرة..بل هم مجرد كمبارس يؤدون دوراً لا يعرفون أهميته وتأثيره على الاوضاع. صناعة تخلو من أصحاب الموهبة.. إن صناعة الصحافة (الحكومية) التابعة للمؤتمر الوطني برغم امكانياتها المالية المهولة تخلو من كُتاب مبدعين يتناقل السودانييون مقالاتهم عبر الشبكة العنكبوتية مثل الأساتذة محمد موسى جبارة.. فتحي الضو ..حسن البطل... الحاج وراق.. عثمان ميرغني..عبدالباقي الظافر..إلخ. حتى مؤيدي الحزب الحاكم في أكبر المنتديات الالكترونية اشتهروا بلغة الشتيمة والسب والقول الساقط، ليس لهم ما يقنع الآخرين بجدوى الانحياز لهم لأن فاقد الشئ لا يعطيه.وخلاصة القول أن مسيرة الكذب التي استمرت عدين من الزمان نالت من السودان الشئ الكثير..فكانت عاقبته..فشل كل السياسيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والتربوية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية وأصبحت البلاد نهباً لكل فاسد وفاسق وانتشرت الأوبئة النفسية والاجتماعية بين الناس نتيجة للكذب.24 مايو 2009م