السبت، فبراير 14، 2009

الخرطوم عاصمة لثقافة البطش والكبت والتطرف الديني والقبلي

الخرطوم عاصمة لثقافة البطش والكبت والتطرف الديني والقبلي
أدري ما الحكمة من الاعلان عن إختيار(الخرطوم) السودان عاصمة للثقافة العربية 2005م, ويتساءل غيري في دهشة ممعنة في الاستغراب, من الذي إخترع هذا الإعلان..؟, ليس للسودان فحسب بل للعالم العربي قاطبة, كون المنطقة العربية تعيش في متناقضات ومفارقات عجيبة, وفي البال والخاطر أن الذين فكروا ومن ثم إخترعوا هذا الاكتشاف العظيم(عاصمة الثقافة العربية) أرادوابكل تأكييد تحريك البرك الساكنة في العواصم العربية, كما أرادوا استفزاز المثقف العربي حتى (ينهض) من واقعه ويترك عنه الدماء التي تنزف والبغضاء التي سكنت قلبه, الجروح التي أكلت اطرافه, أن يكتب بقلم مكسور بفؤاد جريح, وبجسد منهك من جراء (سياط) التعذيب التي يتعرض لها داخل (معتقلات) الانظمة العربية... نعم هؤلاء أرادوا ب(صدق) و(عفوية) لهذا المثقف المبدع العربي ان يترك عنه آلامه ويخفي آهاته وأن يهلل ويكبر ويؤكد أن (جلاده) أتاح مساحات واسعة من الحرية (الثقافية) فعليه إذا أن ينكركل مآساءه, وبقسم غليط ان يؤكد ان حاكمه يتحلى بإنسانية غير عادية..!!
هذا إذاً المقصود من عاصمة الثقافة العربية ولكن عندما نسمع عن (صنعاء) عاصمة للثقافة العربية قد نصدق ذلك فأهل اليمن أهل حكمة وهم العرب الأصل وقديما قيل ان الحكمة (يمانية), وعندما نقول ان الدوحة عاصمة لثقافة العربية يمكننا ان نصدق ذلك فالدوحة تحتضن أشهر قناة عربية واسلامية في القرية الكونية التي نعيش فيها,بل أصبحت رابع قناة فضائية في العالم محط انظار العالم وبقناة الجزيرة اصبحت الدوحة حقيقة مكان إشعاع ثقافي وأدبي واعلامي أدخلت الأمة العربية في عالم الموازنات الدولية,وتكمن المفارقة هنا ان (عاصمة )الثقافة العربية لعام 2005م أغلقت مكتب أشهر قناة عربية في العالم ,,مالنا ومال قناة الجزيرة..!!
(الخرطوم) عاصمة للثقافة العربية 2005م تشبه الي حد كبير تلك النكتة التقنية, وقد تجاوز الناس مع التطور النكات من الموضوعات الاجتماعية والسياسية والرياضية إلى نكات تقنية تلك النكتة التي سمعناها ورددناها في القرن الماضي في منتصف التسعينات أي قبل عشرة سنوات عندما سألوا الكمبيوتر عن ماهي الدولة التي ستكون الاولى على وجه الارض عام2020م فأجاب لهم الكمبيوتر ان الدولة هي السودان, فإرتسمت عليهم علامات الدهشة والاستنكار, فقاموا بإعادة السؤال مرة أخرى, فكانت الاجابة ذات الاجابة, وكرروا السؤال بصيغ متعددة, مرات ومرات فكانت الاجابة هي ذات الاجابة (السودان) الدولة الاولى على وجه الارض عام 2020م, فنظر بعضهم إلى بعض بتهكم شديد لما رأوا أن المؤشرات التي أمامهم عن السودان لا تدل على ذلك فالفساد منتشر في كل مكان, والخدمة المدنية متردية بشكل غير مألوف حتى على مستوى دول العالم الثالث, والنظام الحاكم مشغول بصناعة المؤامرات هنا وهناك, والامراض الاجتماعية حدث ولا حرج, والاعلام السوداني في أسوء ايامه, ووووو فقام أحدهم بسؤال الكمبيوتر مباشرة,, لماذا السودان...؟؟
فأجاب الكمبيوتر: بحلول عام2020م ستكون كل دول العالم قد انتقلت للعيش في كوكبي المريخ و القمر وتوزعت البشرية على كواكب أخرى,, الا دولة السودان ستبقى وحيدة على وجه الأرض...!!
هذه النكتة الموغلة في التشاؤم, والعميقة في مضمونها تشبه لحد بعيد اعلان (الخرطوم) عاصمة للثقافة العربية عام2005م وليس عام 2020م لأن عاصمة دولة تستبيح الحرمات وتقتل أبنائها بالطائرات القاذفة للهب والحمم لا يمكن ألبته الا ان تكون (عاصمة) لدولة البطش والارهاب والدمار والتعصب الديني والقبلي..وان عاصمة اشتهرت على مدى 15 عامًا متتالية بتكميم الافواه وإسكات كل من يقول (البغلة في الابريق) لا يمكن أبدًا إلا أن تكون عاصمة عربية لثقافة الديكتاتورية, لا تمثل السودان بأي حال والاحوال وانما تمثل اشخاصًا بعينهم..وأن دولة تشرد (نصف) عدد سكانها تقريبًا ما بين مهاجر ومغترب ولاجي سياسي لا يمكن ان تكون عاصمتها الا عاصمة للارهاب الحقيقي, وتمثل خطرا محدقا للمنطقة التي تربط بين العرب والافارقة وبما تمارس من عنف دموي يلقى بظلاله على البشرية جمعاء,وقد إمتلئت دول الاتحاد الاوربي بالهاربين من ابناء دارفور هاربين من جحيم الحملات العسكرية الطائرة والزاحفة,كما إزدادت جموع الذين يتقدمون للهجرة الي أمريكا وكندا وأستراليا,, هكذا دولة لا يمكن ان تكون عاصمتها مكانا للثقافة العربية التي نعرفها ..؟؟
أي شطط هذا .. واي خبل ؟؟ في الوقت الذي تحترق فيه مدن وقرى دارفور بنيران المدافع والطائرات يتم الاعلان عن (الخرطوم) عاصمة للثقافة العربية, (الخرطوم) هذه المدينة حيث تقلع طائرات (الانتنوف) الروسية وهي محملة بأطنان الموت والدمار لقتل الاطفال والنساء والعجزة.. الخرطوم عاصمة الثقافة العربية حيث تصدر التعليمات والاوامر للعسكر بالتحرك لضرب دار فوركما كانت تضرب من قبل جنوب السودان وجبال النوبة, هذا الإعلان المستفز للثقافة العربية جعل شريحة كبيرة من أهل السودان يحسون بالكراهية والبغضاء لكل ما هو (عربي) و(اسلامي) وسبق لمجموعة من (الشيوخ) و (العلماء) بقيادة الشيخ الدكتور يوسف اللقرضاوي عندما زاوا دافور اعلنوا بعد زيارتهم (براءة) الحكومة من (دم) أبناء دارفور, ومما نسب إليها من الابادة الجماعية لاهل دافور وكأن الشيخ القرضاوي يعتقد ان (مسرح الجريمة) في انتظار مقدمه الميمون بعد أكثر من 18 شهرا على ارتكاب الافعال التي قامت بهاحكومة (الخرطوم) عاصمة الثقافة العربية, وهذه الكبوة الكبيرة للشيخ القرضاوي رغم حبنا له واعتزازنا به قد خلقت آلاما كثيرة للاهل في دار فور, كون الشيخ القرضاوي رجل (دين) ,(عالمي) كانوا ينتظرون منه (العدل ) و (القسط) الذي طالما طالب به الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل, والمنظمة الدولية الامم المتحدة ومجلس الامن,,,!!! والآن قد تعاظمت على أهل دارفور المآسي والمحن لأن (المرجعية الإسلامية) لم تنصفهم وان (العروبة) كذلك داست على حقوقهم وتجاهلت بإعلانها (الخرطوم) عاصمة للثقافة العربية الدماء العزيزة والغالية التي أريقت هناك في دارفور أرض التأريخ.
عن أي ثقافة عربية يتحدث هؤلاء ...؟؟الا ان تكون ثقافة العرب قبل الجاهلية.. ثقافة المجون وظلم الرعية والتمثيل بهم,, ومن هنا أستطيع القول بأن حكومة (الانقاذ) المستبدة تعظم (الأوهام) التي تسيمها (إنجازات) وما هي الا شعارات, ستعتبر أن إعلان الخرطوم (عاصمة الثقافة العربية) إنجاز كبير، وسترتفع أصواتها مدوية، لأنها فارغة، والإناء الفارغ أكثر جلبة من الإناء الممتلئ، كما يقول المثل الصيني، والعربة الفارغة أكثر جلبة وضجة من العربة الممتلئة كما يقول الفيلسوف الإيرلندي "برناردشو". ويذكر تضخم القوالب والألقاب مع تضاؤل القلوب وخفة الألباب بقول الشاعر العربي القديم وهو يحدث عن ملوك الطوائف.
مما يزهدني في أرض أندلس *** أسماء معتمد فيها ومعتضدِ
ألقاب مملكة في غير موضعها *** كالهر يحكي انتفاضاً صولة الأسدِ!

الحركات الاسلامية و تغيير استراتيجية الصراع ..!!

الحركات الاسلامية و تغيير استراتيجية الصراع ..!!
خالد ابواحمد
في العشرة سنوات الاخيرة نشطت الحركات الاسلامية كثيرا في سبيل تحقيق مراميها وقد اختلفت فيما بينها في هذه المرامي فالبعض منها تعمل من اجل الوصول الي السلطة باي شكل من الاشكال واتخذت في سبيل ذلك الموجهات والوسائل, والجانب الاخر من الحركات الاسلامية وهي قلة التي تعمل من اجل اسلمة المجتمع دون التفكير في الوصول الي كراسي الحكم متخذة منهجا تربويا خالصا وابعدت نفسها تماما من الصراع السياسي وفي قناعتها ان اسلمة المجتمع تؤدي تلقائيا الي اسلمة الحكم عكس قناعات الحركات الاسلامية السياسية التي تري ان الاسلمة لا تتأتى الا باستلام الحكم والسيطرة على مقاليد الامور حتي تحكم كما تقول بالاسلام وقد تصطدم بالكثير من المعوقات الداخلية والخارجية كما حدث في تجربة السودان وكانت النتيجة عكسية تماما حيث وضعت القوانين التي يرى الذين وضعوها انها اسلامية وفقد المجتمع الحس الاسلامي في معالجة القضايا المعاصرة والملحة والذي كان هو البلسم الشافي لكل المشاكل.
وبعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م توقع المراقبون والمهتمين بالتطوير المجتمعي في الدول العربية ان تغير الحركات الاسلامية المنتشرة في كافة الدول العربية وغير العربية استراتيجتها في ما تسميه بالعمل الاسلامي العام اذا وضعنا العمل الخيري الذي تقوم به جانبا وهذا شي محمود بكل تأكيد ولكن الاحداث التي حدثت في الولايات المتحدة الامريكية أرخت لحقبة زمنية معينة جعلت العالم يغير من مفاهيمه ونظرته للاشياء وبشكل واضح وجلى ان العالم بعد تلك الاحداث تغير تماما وما عادت الاستراتجية الكونية هي نفسها وتغيرت لغة الصراع البشري كما تغيرت الاسلحة في هذا الصراع واصبح من الضروري ان تنظر الحركات الاسلامية لهذه المتغيرات نظرة واقعية. عندما نتحدث عن تغيير الحركات الاسلامية لمفاهيمها لطبيعة الصراع فاننا نرى ان الحركات الاسلامية اصبحت متواجدة في المجتمعات العربية اينما كانت تمثل كم هائل من الحضور البشري واستطاعت في العقد الاخير من الزمان ان تستخدم الأس العاطفي في استقطابها للناس وذلك من خلال جهود كبيرة تبذل فيها الاموال الطائلة والجهود النفسية والجسمانية التي لا يمكن لاحد مهما كان ان يجد لها وزن او قيمة المهم ان الحركات هذه تعمل من خلال المباشرة دون ان تختار وسائل اخري يمكن ان تؤسس لعالم او لوطن اسلامي كبير دون ان يكون هناك احساس للشخص المنتمي بانه عضو في منظمة يرأسها العميل رقم (صفر) او (القائد) او (الزعيم ) وهو الوحيد الذي يعلم كل شئ, وهو الكل في الكل, ولا احد غيره يمكن ان يحل مكانه..!! ويختلف ذلك بالطبع من دولة الي اخرى, علاوة على ذلك ان احساس العضو في الحركات الاسلامية انه في حالة حرب دائمة مع (آخرين) وقد يكون هولاء الاخرين هو بشر او افكار او احزاب او ديانات, أو مؤسسات او دولة بعينها ..الخ.
وأصبح من الطبيعي ان عدد غير قليل من الحركات (الاسلامية) تعمل بشكل لا يساهم في تحقيق التنمية البشرية في مجتمعات هي في امس الحاجة لقيام المؤسسات التي تكفي الفقراء شر السؤال, سيما وان الاسلاميين في كافة الدول العربية والاسلامية هم من الاثرياء وتمتلك الحركات الاسلامية في هذه الدول الامكانيات المادية الهائلة تتمثل في البنوك والشركات الخاصة والارصدة المالية الكبيرة التي يمكن ان تقلب المعادلة العربية والاسلامية الي واقع مختلف تماما, واذا اخذنا عدم تعاطي الاقتصادية الاسلامية مع حاجة الناس للتعليم التقني في العالم العربي لنجد انها بعيدة كل البعد عن آمال المسلمين في الوقت الذي تتطور فيه الامم الاخرى بسرعة الصاروخ فيما لا يزال الحديث عن الفقر والعوز في مجتمعاتنا حديث الساعة.
الاسلامين في العديد من الدول العربية في نقد دائم لبرامج التلفزيون وما يقدمه من اعمال, وهم رغم الامكانيات المالية الضخمة من مؤسسات وبنوك غير مستعدين لدعم الانتاج التلفزيوني من مسلسلات وبرامج ترفيهية وثقافية وفكرية, اذا وقفنا عند الحركات الاسلامية (الخليجية) ونظرنا الي امكانياتها المادية لا احد يستطيع ان يقدر حجم تلك الثروة والتي لا تسخر الا لإنشاء المنظمات الدعوية وطباعة الكتب والمطبقات والدعاية التي توزع على نطاق العالم قاطبة ولكنها في ذات الوقت لا تصرف لانشاء جامعات او معاهد تقنية صناعية والتي بامكانها ان ترفع من مستوى الامة بكاملها وتجعلها على مصاف الامم.
ولنا ان نتصور ان اربعة واربعين دولة من البلدان الاسلامية يبلغ عدد سكانها 1.02 مليار ومساحتها 26.6 مليون كلم مربع وتمتلك حوالي 73% من احتياطي النفط القابل للاستغلال, لا يتجاوز ناتجها القومي اجماليا 1016 بليون دولار امريكي, في حين ان فرنسا لوحدها يبلغ عدد سكانها حوالي 57 مليونا وخمسمائة ألف ومساحتها 0.552 مليون كلم مربع يبلغ ناتجها القومي 1293 مليار دولار امريكي, ونستنتج من هذا التفاوت ان الأخيرة تعتمد على العلوم والتكنولوجيا لتحقيق نمو اقتصادي بينما البلدان الاسلامية تعتمد على النواحي النوعية والمال والامكانيات تتركز في مواعين الحركات الاسلامية.
فقسمت البلدان الى متقدمة ونامية بناء على تنميتها الاقتصادية والتي تقوم على القاعدة العلمية والتكنولوجية واستغلالها في القطاعات الرئىسية وهي الزراعة والنقل والصناعة والتربية والصحة والبيئة, وتعد الدول الاسلامية في مصاف الدول البطيئة تنمويا, بالرغم من جهودها خلال بضعة عقود. ونصف حالة العالم الاسلامي الذي يتكون من 52 دولة, ويربو عدد سكانه على المليار نسمة:ـ عدد المتعلمين 55% مع تفاوتها بين الدول. ـ يقدر مجموعة الأطر العلمية والتكنولوجية في البلدان الاسلامية حاليا بحوالي 7.6 ملايين بنسبة 3.7% من مجمل الكفاءات العلمية والتكنولوجيا في العالم.
ـ عدد المتفرغين للبحث في خدمة التنمية في العالم الاسلامي لا يتجاوز 1.18% من مجموع الأطر عالميا. ولهذا يتبين لنا عدم تحقيق اي تقدم ملموس ومهم في العقود الاربعة الاخيرة, لذا يتوجب تعزيز القدرات في مجال البحث والتنمية, لتكون قاعدة التنمية الذاتية ولكن ذلك لم يحدث لان الدول العربية الاسلامية منشغلة تماما بصراع الحركات الاسلامية في داخلها و مع انظمتها ومع مؤسساتها الوطنية. وتشير الدراسات الي ان البلدان الاسلامية تفتقر الثقافة المتعلقة بالبحث في خدمة التنمية والبيئة, لذا نرى ضآلة الابحاث المنشورة من هذه البلدان في المجالات العلمية الدولية, ويضاف الى ذلك قلة الكفاءات العلمية والتكنولوجية في معظم الدول الاسلامية, اذ يبلغ عدد الجامعات حوالي 350 جامعة, بعضها حديث النشأة وتعتبر مجرد مدارس عليا, ولا يتخرج من هذه الجامعات أكثر من 1000 دكتور في العام, غالبيتهم من المنخرطين في حقل الحركات الاسلامية والتي تشغلهم بالعمل السياسي دون النظر الي مستقبلهم العملي والاكاديمي ولا مستقبل اوطانهم في التفرغ الكامل للبحث والصرف عليهم ماديا ليكونوا رصيدا علميا للامة الاسلامية بل تصر علي دخلوهم العمل السياسي ومن ثم تبعدهم عن مجالات عملهم الاكاديمي ليكونوا نوابا او وزراء ما شابه ذلك.
ونخلص لنقول انه لا بد للحركات الاسلامية ان تغيير من استراتيجيتها في صراعها مع العلمانيين ومع الانظمة لتصبح اكثر التصاقا بقضايا الاوطان والامة الاسلامية والعربية من خلال تسخير اموالها وجهودها الكبيرة والطاقات غير المحدودة في اعمال يعود نفعها المباشر على الارتقاء بالمجتمعات وفوق هذا وذاك لا بد ان تستبعد من فكرها حالة (الحرب) المعلنة وغير المعلنة ضد ما ذكرناهم أنفا وان تغيير استراتيجية الجهاد القتالي الي الجهاد العلمي والعمراني الذي هو الجهاد الاكبر حتي يجد كل فرد في المجتمع فرصته في الدراسة الجامعية وان كان فقيرا لا يملك دينارا واحدا , واذا نظرنا الي التجربة الماليزية نجدها قد خلقت من الانسان هناك طاقة علمية واكاديمية متميزة تساهم بكشل واحد في تقدم البلاد الصناعي والاقتصادي, فتبقى تجارب الأمم في حاجة الي من يستفيد منها.

من الذي اغتال جون قرنق..؟!!

من الذي اغتال جون قرنق..؟!!
منذ الساعات الأولى لإعلان رحيل الدكتور جون قرنق بهذه الطريقة الديناميكية والصحف والمنتديات السودانية على الشبكة الدولية للاتصالات (الانترنيت) تستقبل عشرات بل مئات المقالات والتحليلات والبعض أطلق مجموعة من الأسئلة وعلامات الاستفهام الكبيرة, والآخر نعي الفقيد وتأسف على غيابه بينما أنصار ومؤيدي الحكومة استماتوا كتابة وتحليلا في أبعاد شبهة العمل الإجرامي المنظم من قبل عصابة النائب على عثمان محمد طه تجاه اغتيال جون قرنق, والحمد لله أن الكثير من القراء والمتابعين كانوا قد طالعوا أكثر من مقال وتحليل في عدد من المواقع السودانية تتحدث عن خطط العصابة (النائب علي عثمان وجماعته) في اغتيال جون قرنق قبل أكثر من ثلاث أشهر, وحتى لا نخوض في حديث لا يؤدي بنا إلي نتيجة تعالوا جميعا نتساءل بهدوء.
· هل لعلي عثمان محمد طه ومجموعته مصلحة في غياب الدكتور جون قرنق..؟؟. · هل يمتلك علي عثمان وجماعته ورع وخلق ومخالفة من الله بحيث يمنعهم ذلك من اغتيال جون قرنق أو إبعاد أي شخص يهدد مصالحهم..؟؟؟. · هل يمثل جون قرنق خطرا علي مشروع علي عثمان وجماعته..؟؟؟. · هل عملية الاغتيال صعبة عليهم..؟؟.
أرى انه من خلال الإجابة علي هذه الأسئلة الموضوعية والمنطقية يمكن ببساطة الوصول إلي النتائج الموضوعية ونبداء الآن في الإجابة بصوت عال في الرد علي الأسئلة التي طرحت. هناك مصلحة كبيرة للغاية في غياب جون قرنق عن الساحة ولأن علي عثمان ذو تفكير استراتيجي يدرك أن عقلية الدكتور جون قرنق عقلية ذات أبعاد استراتيجية أيضا وفي ذات الوقت يدرك علي عثمان والعالم قاطبة أن لدي جون قرنق شخصية قيادية نافذة كما يملك حضورا عالميا ومشروعاً كبيرًا ينطلق من واقعية وحاجة ماسة لأهل السودان قاطبة الذين يريدون بالفعل سوداناً جديدًا يسوده العدل والحكم الراشد بعد أن فشلت الحركة الإسلامية فشلا ذريعا في تحقيق هذا المبتغى، ولذا لا يمكن لعلي عثمان وجماعته أن يحتملوا وجود شخصية في حجم جون قرنق في دسك الحكم وقد أبعدوا من قبل شيخهم الدكتور حسن الترابي ومن قبله رجل البترول في السودان الأستاذ محمد عبدالله جار النبي بل طردوه إلي خارج السودان والقائمة تطول, وهولاء كلهم كوم وقرنق كوم آخر فهو موصول بالمجتمع الدولي ومؤسساته ويدرك حجم لعبة السياسة الدولية وتحديات المنطقة وتحديات بلاده في المقام الأول, و علي عثمان محمد طه يعرف جيدا أن الجنوبيين أمثال قرنق ورياك مشار من الصادقين في القول وفي التحالف ليس لهم (خساسات) كما التي لديهم وسبق أن عاش بينهم الدكتور ريك مشار زمنا طويلا ولما عرف ما بالقوم من كذب ونفاق خرج منهم.
قديما كان الدكتور الترابي يقول "أن الجنوبيين عامة صادقين في كلامهم وهم كالمحجة البيضاء لا يعرفون الكذب والنفاق والواحد منهم صادق في عداوته تجاهك وصادق في صداقته إذا صادقك" فجماعة علي عثمان لا يدركون عظم هذه المعاني لأنهم ينطلقون من منطلق المؤامرة والاستئصال. بكل تأكيد أن علي عثمان وجماعته ليس لهم أدني إحساس بالورع والمسئولية كما ليس لهم أدنى خلق بحيث يمنعهم من ارتكاب جرائم كما حدثت من خلال محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك وارتكاب جرائم الحرب في دار فور بل في جنوب السودان بحرق القرى والناس بداخلها وهذة لها حديث آخر, والذي يريد أن يتأكد من ورع علي عثمان وجماعته فليسأل متقاعدي القوات الجوية السودانية من الطيارين والفنيين..!!.
أن عملية الاغتيال في عرف علي عثمان محمد طه شي طبيعي ما دامت تحقق الأهداف الكبيرة, ومن السهولة بمكان تنفيذها ما دامت السيولة المالية متوفرة والكادر موجود والوسيلة متوفرة والمهم أيضا الغرض الاستراتيجي في أهمية اغتيال جون قرنق موجود, ومن هنا لا بد أن ندرك أن الجهاز الأمني الخاص بنائب عمر البشير علي عثمان محمد طه يعرف تماما كل تحركات جون قرنق ومن المؤكد أنهم كانوا على علم بتحركه من الخرطوم إلي يوغندا وإلى حيث يريد الذهاب, بل كانوا على معرفة تامة ببرنامج الزيارة وأجندتها وقد يتسنى لأي شخص عمل في دوائر الحركة الإسلامية العسكرية والامنية في عهد الإنقاذ أن يلم إلماما تاما بأسلوب تفكير علي عثمان وجماعته, بحيث لا يستبعد فرضية اغتيال جون قرنق, مثلما كانت عملية اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا.
وشخصي الآن خارج البلاد أتأمل كيف أن شخصا مثل إبراهيم السنوسي يوما ما كان مسوؤلا عن الأجهزة الأمنية ويدير العمل من مكتب خاص خارج نطاق العمل الأمني, وكيف أن شخصا مثل د. عوض الجاز كان مسوؤلا عن المؤسسات العسكرية من حيث التمويل والإعداد ويقود الجيوش من خلال مكتب خاص ليس له علاقة بالعسكرية..... وكيف أن شخصا ما غير معروف للناس كان مسوؤلا عن أمن جنوب السودان كله يدير العمل من خلال شركة حكومية تتبع للمؤسسة العسكرية..!!.فلذا فإن عقلية التنظيم الذي يقوده علي عثمان وعوض الجاز ود. نافع تتحرك من شبكات عنكبوتية منظمة ذات أطر تشبه عصابات ألمافيا وتنطلق من أهداف التمكين الاسلاموي المتسربل بالإسلام من أجل تحقيق مكاسب شخصية للغاية ليس لها أي علاقة بالإسلام ولا بأهداف الوطن ولا بطموح المواطن السوداني.أن عملية اغتيال جون قرنق وإبعاده نهائيا من دسك الحكم تشبه إلي حد بعيد عملية أبعاد الدكتور حسن الترابي من الحكم ودوائر التأثير, وقد خلا الملعب الحاكم لعلي عثمان وذمرته بحيث لا يضايقهم شخص وعندما جاءت الظروف والضغوط الدولية بجون قرنق في موقع التأثير الذي أبعد منه الترابي كان القرار جاهز لأن الاستراتيجيات الكبيرة موضوعة سلفا ولا يمكن لأي فرد مهما علا شأنه أن يعوقها وهم أي جماعة علي عثمان يدركون خطورة الرجل جون قرنق والآن قد تم أبعاده نهائيا, وهم في ذات الوقت يدركون أن نائبه سلفا كير رجل عسكري بحت ليس له أي بعد استراتيجي مثل الراحل جون قرنق. علي عثمان والذين معه لديهم استراتيجيات طويلة الأمد تصل إلي حد التفكير في حكم المنطقة بكالمها وليس السودان فحسب بحيث يتم القضاء علي كل المعوقات في سبيل هذا المشروع.. وها قد حدث,, وفي ظني انه مهما طال الزمن أو قصر فلا محالة أن الشعب السوداني والمجتمع الدولي سيعرف كم هذا الرجل مخادع ومغامر , ومهما طال الزمن ومهما كتب مؤيدو الحكومة والمتعاطفين معها نافين أي صلة لعلي عثمان باغتيال قرنق فيوما ما سيعرف الناس الحقيقة, كما سيعرف السودانيين ان هذا الحمل الوديع ما هو الا ذئب كاسر.
الحوار المتمدن - العدد: 1280 - 2005 / 8 / 8

الشهد والدموع في السياسة السودانية..!!

عندما يعيد الزمان نفسه الشهد والدموع في السياسة السودانية..!!
خالد أبواحمد
الخبر الذي تناقلته الأجهزة الاعلامية المحلية والعربية والعالمية عن التقارب بين المؤتمرين (الوطني) و( الشعبي) عن قرب إطلاق سراح أعضاء المؤتمر الشعبي، ونشرته (الشرق الأوسط) السعودية ووجد الاهتمام الكبير من القراء، وفي تحليله لهذا الحدث كتب الزميل الاستاذ حسن ساتي تحليلاً رائعاً لكن أعتقد انه جانب الصواب فيما أسسه من فهم حول العلاقة بين المؤتمرين، واصفاً الطرفين بـ أحمد وحاج أحمد، وحاول الكاتب أن لا يُوجد ثمة اختلافات بين (أحمد) و(حاج أحمد) سواء كانت فكرية أو سياسية أو تلك التي صنعتها الأحداث والخلافات التي جرت بين الشقيقين، وقال ما معناه أن كُل ما في المسألة أن (أحمد) عليه أن يعفو عن السجناء وأن يُعوض شقيقه (حاج أحمد) بدراهم معدودة، و(يا دار ما دخلك شر)، وفي هذا المنحى أجد أن الزميل الاستاذ حسن ساتي قد هون كثيراً من العلاقة بين الشقيقيين، وقد يكون مُحقاً خاصة بعد الإرتياح الكبير لبعض عضوية المؤتمر الشعبي لهذه الاخبار.
لكن .. ما إدري السبب الذي جعلني أستحضر مسلسل مصري قديم شاهدته على ما أظن في بداية الثمانينيات وانا لم ابلغ العشرون عاماً بعد، وكتب المسلسل الرائع الفنان أسامة أنور عكاشة وما أدراك ما أنور عكاشة، والمسلسل معروف كل السودان شاهده (الشهد والدموع) وهو الأول في حياتي الذي تابعته على مدى الثلاثين حلقة بكيت فيه بكاءً حاراً وكأني جزء من أسرة القصة وقد اشتهر هذا المسلسل دون المسلسلات المصرية بالواقعية الامر الذي جعل دموع المشاهدين كالمطر تجري بين مشهد وآخر، وقد كتب عكاشة بعدها مسلسلات عديدة مثل الراية البيضاء – ليالي الحلمية – ضمير أبلة حكمت – آرابيسك- أميرة في عابدين- أحلام في البوابة- عصفور النار- وقال البحر، هي من أجمل المسلسلات العربية على الاطلاق وقد عُرف عن أسامة أنورعكاشة قيادته لمسيرة كتابة السيناريو في الوطن العربي التي تصور الواقع بكل ما فيه من صُور.
والمسلسل -الشهد والدموع- حقيقةً يُعبر عن العلاقة بين (أحمد) و(حاج احمد) ويا سبحان الله التاريخ يعيد نفسه.. ذات القصة (الشهد والدموع) تجري على مسرح السياسية السودانية، ذات الحبكة والدموع والظلم والظلمات والفجيعة والحقد والكراهية، وأرجو ان يفهمني القاري الكريم أنا لا أقصد ألبته أن أضع )المؤتمر الشعبي) في خانة المظلوم و(المؤتمر الوطني) في خانة الظالم وإن كانت الصورة من ناحية سياسية متقاربة بين المشهدين.
أخوتي القراء الآن أترككم مع كلمات الأغنية التي صاحبت بداية المسلسل (الشهد والدموع) وكيف انها تعبر عن أحمد وحاج أحمد في السياسة السودانية وما وقع فيها من أحداث..!! تحت نفس الشمس وفوق نفس التراب كلنا بنجرى ورا نفس السراب كلنا من أم واحدة.. أب واحد.. دم واحد بس حاسِّين باغتراب الحقيقة نار تعيش تحت الرماد في ضياها بهتدي لحلمي وخيالي والمحبة تفجر الروح ف الجماد وبمحبة قلبي حا أقدر ع الليالييا زمان الغربة مهما حا تكاسرناحلمنا حانحققه مهما خسرنا طول ماخيرنا لغيرنا حتى لو رحلنا بالحياة حا نمد لينا جدور مسيرنا من حنان الحب هل الغل جانا من مرارة الغل جلجل صوت رجانا نبكى من الغل اللي بعكر حياتنا ولا من الحب اللى هدهدنا وشجانا وتدور أحداث قصة (الشهد والدموع) حول أخوين، والأصغر كان هو صاحب المال والمحلات التجارية الكبيرة وعندما توفى قام الشقيق الأكبر بتحويل كل ورثته لمنفعته الخاصة ومنع أولاد شقيقه من التمتع بأموالهم، بينما قام هو بالاستفادة من ورثة شقيقة الاصغر وعاش هو وأولاده في مستوى عال من الرفاهية وبحبوحة العيش، فيما تكبد أبناء شقيقه مرارات الفقر والحاجة، وعندما كبر كل الأبناء من الشقيقين، اشتعلت النار في دواخل أبناء الاخ المتوفي، وكانوا يرون عمهم وهو يستمتع بالمال مع أولاده، بينما هم لا يستطيعون لذلك سبيلاً، فكبر الأبناء وكبر معهم الحقد على عمهم، ومن فرط الحاجة مرضت الأم وأصبحت تعمل (خياطة) في البيت لتعيش أبناءها الذين ربتهم على قيم الاخلاق والفضيلة، التي قام عليها أبناء المتوفى جعلت أحد بنات العم تعشق أكبر أولاد عمها المتوفي وتزيد من مآسي الإحساس بحاجة كل منهم للآخر، فكانت الأحقاد التي حملها الأبناء في دواخلهم تجاه عمهم تمنع وجود أي تفكير في الزواج من بعضهم البعض، وتتعقد الحياة لدى الطرفين. وقد أراد كاتب السيناريو الفنان أسامة أنور عكاشة أن يقول أن الأحقاد التي تسكن في القلوب تزداد قوة مع الأيام، وأن هذه الاحقاد لا تُمكن من رجوع المياه إلى مجاريها، ومهما مرت الأيام وحاول الناس نسيان الماضي لا يُمكن أن تُمحى من الدواخل..!! وقد أكدت ذلك كلمات نهاية المسلسل تلخيصاً لما ذكرت آنفاَ نفس الشموس بتبوس على رؤوسنانفس التراب يحضن خطاويناطب ليه بنجرى ونهرى فى نفوسناوليه نعيش ناكل فى بعضينايا غربتي بين صحبتي وأهلييا توهة الروح ف زمان مجروحبهدهد الأحلام على مهليياخوفي قبل ما تيجي عمري يروحآدى الحقوق وآدى اللى طالبينها والحق تاه فى الباطل البطالوقلوبنا تاهت عن محبينهاونجومنا عالية بعيدة ما تنطال. المسلسل غاية في الروعة وتسلسل الأحداث وهو يمثل أحد روائع الثنائي أسامة أنور عكاشة ـ واسماعيل عبد الحافظ، و (الشهد والدموع) حكاية جميلة رصدت تاريخ مصر السياسي مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية، و جيل الثورة وجيل النكسة والنصر والانفتاح، وقد نقل كل ما يدور في المجتمع المصري من تطورات اجتماعية واقتصادية، والمسلسل حظي بعدد كبير من فطاحلة الشاشة المصرية أمثال الفنان القدير حمدى غيث (الأب المبدع)، محمود الجندي ويوسف شعبان (اختلاف الطباع بين الأخوين) وتماماً هنا يمثلون أحمد وحاج أحمد المؤتمرين الوطني والشعبي بكل ما فيها من طباع، عفاف شعيب ونوال أبو الفتوح (زينب ودولت هانم)، خالد زكى ونسرين (قصة الحب الرهيبة وعلاقة الوالدين المتوترة)، إبراهيم يسرى و ليلى حمادة وماجدة حمادة (جيل ضاع بين زحمة المشاكل السياسية التي أدخلته في دوامة لا تنتهي). والمسلسل في كلياته يتحدث عن الحقوق الوطنية الضائعة بسبب الممارسة السياسية والتي أدت بدورها إلى قضايا اقتصادية معقدة تأثر بها الشارع أيما تأثير. ولكن ماذا عن مسلسل (الشهد والدموع) السوداني وهل نصدق حديث الاستاذ حسن ساتي بأن أحمد وحاج أحمد لا خلاف بينها غير اطلاق سراح المعتقلين و تقديم بعض التعويضات..؟؟؟ وأنا هناك اختلف تماماً مع هذا القول وهذا التحليل ذلك لأنه يخالف الحقيقة المرة، فقد حدث شرخ كبير للغاية بين الطرفين فهناك مظالم وقعت،،، وهناك دماء أُريقيت،،، وهناك أواصر قربى تقطعت، إن المسألة أكبر من اطلاق معتقلين وأكبر من تعويضات تقدم للحزب، و ليس كما يعتقد الكاتب حسن ساتي، نعم بامكان حزب المؤتمر الشعبي التصالح مع الحكومة والجلوس معاً في طاولة واحدة لكن أشك في قدرة الكثيرين من تجاوز مخلفات الفترة الماضية. حتى لا أبيع للناس أوهاماً أضرب مثلاً بمجموعة قصص صغيرة.. كانت قوات الأمن تداهم منزل إحدى الاخوات وهي زوجة أخ مطارد من الامن وكانت لوحدها مع أطفالها الصغار وهم نيام يأتي أفراد الأمن ويدخلون البيت بقوة السلاح، و الاخت وهي كادر اسلامي يشهد لها ولأسرتها وإخوتها بالصلاح في سلك الحركة الاسلامية. العديد من الأسر تعيش من غير رجل في البيت كانت تداهمهم أفواج الامن في منتصف الليل وتقلق مضاجعهم ولا تراعي فيهم إلا ولا ذمة..هل مثل هؤلاء يمكن ان يكونوا يوما رصيداً للمؤتمر الوطني، أو جناحا من الاجنحة المتحالفة معه..؟؟. الأجهزة الأمنية قامت بتصفيات جسدية لبعض الذين لهم علاقة بمحاولة إغتيال الرئيس المصري وبعد الانفصال خشئ من بيديه السلطة على خطورة المعلومات التي بحوزتهم فقاموا بتصفيتهم، هل أسر وعوائل هؤلاء يمكن أن يعيدوا المياه مع المؤتمر الوطني...؟؟. تم اعتقال البعض في منتصف الليل وهم في حياتهم الخاصة مع زوجاتهم.. تم طرد البعض من البيوت التي كانوا ساكنيها وتم رمي أغراضهم في الشارع مثل ما حدث لمحمد الأمين خليفة وغيره كُثر. وهناك قصص أغرب من الخيال..!!! لكن كل شي في السياسة جائز كما يقول محمد حسنين هيكل، لكن في الحالة السودانية لا اعتبر ذلك جائز لأن أعضاء المؤتمرين (أحمد وحاج أحمد) ربطت بينهم علائق الدم والرحم والمصاهرة وعندما تفرقوا في الرابع من رمضان فعلوا بأنفسهم ما لم يفعله أحد من العالمين على مدى اللتاريخ البشري. لكن الغرابة تُكمن في أن تعود المياه لمجاريها بين أحمد وحاج أحمد حقيقة وتستمر ولا يعكر صفوها شئ..!!.

شاهد صوري الخاصة للمزيد من التعارف

شاهد صوري الخاصة للتعرف علي بشكل أكثر. http://www.flickr.com/photos/21900737@N07/

لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟ (الحلقة الأولى)

حكايات من التاريخ المعاصر لماذا فشل المشروع الإسلامي في السودان ؟
الحلقة الاولى خالد ابواحمد مدخل: أخي القاري الكريم
أضع بيد يديك هذه المقالات التي تحتوي على الكثير من المعلومات والتي لا أجزم صحتها بالكامل ولكنني أقدمها لك من أجل التوثيق لهذه الحقبة الزمنية المهمة في تاريخ السودان المعاصر، وأرجو صادقاً تصويبي فيما قدمته لك من معلومات وسأقوم بنشرها في هذا الموقع المتواضع والتي توقف عن الصدر لمدة قاربت العامين. أطمع حقيقة في تداول هذه الحقبة بدون شخصنة بل بمسئولية ووطنية من أجل أجيالنا القادمة. ولك خالص شكري وتقديري تجربة الاسلاميين في السودان بما لها من صيت في ساحة الصراع الفكري الايديولوجي العالمي لم تحظ بالتناول الذي يكشف عن تكوينها الداخلي وعلاقة القاعدة بالقيادة ودقائق الحوادث التي مثلت مفاصل مهمة في تاريخها الطويل. لم يكن طريق "الإنقاذ" الذي جاء الى السلطة في السودان لتحقيق احلام واشواق الاسلاميين في قيام دولة اسلامية مفروشا بالازاهير... وشأن كل الأنظمة التي مرت على حكم السودان واجه الكثير من المخاطر السياسية والاقتصادية والعسكرية وان لم تبد للإنسان العادي ولكن المراقب للحوادث من موقع قريب يدرك أن سنوات حكم نظام "الانقاذ" التي مرت لم تمر مر السحاب. كانت الحركة الاسلامية التي جاءت بالانقلاب العسكري تحمل في داخلها بذور الخلافات الداخلية وكان أكثرها خطورة الخلاف الكبير الذي حدث بين مؤسس الفكرة "الانقاذية" ورئيس الجمهورية والتي سميت بحوادث "الرابع من رمضان" التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر الحركة الإسلامية السودانية مؤدية في نهاية المطاف بفراق العسكر من المدنيين بقيادة حسن الترابي السياسي الأكثر إثارة للجدل في الخمسة عقود الماضية من القرن الماضي.واللافت للنظر ان الحوادث التي أبعدت الزعيم الإسلامي عن الحكم مثلت بالنسبة إلى السودانيين الإسلاميين نقطة تاريخية من الصعب على تاريخ المنطقة والامة الإسلامية تجاوزها لحجم الحركة الإسلامية السودانية وقوة استقطابها وقوة ترويج أفكارها للإسلاميين في العالم قاطبة سيما وان الكثير من الحركات الاسلامية العربية كانت ترى في الحركة السودانية الانموذج الامثل، ولذلك وجد النظام السوداني في بدايات ظهوره الدعم "الاسلاموي" العربي والخليجي الامر الذي دعى زعيم منظمة القاعدة اسامة بن لادن الى الاقامة في السودان، وبكل تأكيد كانت هي الفترة الاكثر حيوية بالنسبة إلى الرجل في ان يعمل بصمت وقد كانت نتيجة لذلك كل الحوادث التي قامت بها "القاعدة" في العالم.وقد أُختلف في تحديد بداية الاختلافات التي أدت إلى "خلافات البشير- الترابي" فهناك من يقول إنها بدأت قبيل التحول من حال الشرعية الثورية إلى الشرعية الدستورية "الانتقال من حال الثورة الى دولة المؤسسات" ومن المراقبين من يقول إنها بدأت بعد محاولة اغتيال الترابي في مطار أوتاو في كندا صيف 1992م، وهناك من يعتقد أن الخلافات الحقيقية بدأت بعد اتهام السودان بتدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في العاصمة الاثيوبية أديس أبابا، وآخرون غير متابعين للأحداث قالوا إن الاختلافات الحقيقية بدأت عندما برزت قضية التعديلات الدستورية في الانتخاب المباشر للولاة من القاعدة الشعبية ذلك الاختلاف الذي انحصر فيما بين رئاسة المجلس الوطني "البرلمان" ورئاسة الجمهورية التي كانت ترى "على الأقل" إرجاء أمر التعديلات إلى وقت آخر ، بينما كانت رئاسة المجلس التي يرأسها الترابي كانت ترى غير ذلك.
بعد ازدياد الاختلافات داخل الحركة الإسلامية وتفكير الترابي في ايجاد الحلول ومناداته الدائمة لبعض اصحابه بمصالحة حزب الأمة، وبالفعل بعد أكثر من ثلاثة أعوام من شدة الصراع بين الإسلاميين التقى الترابي رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي "في جنيف"، لكن أجهزة الإعلام لم تتمكن من كشف الأجندة الخاصة والسرية لاتفاق الصادق المهدي مع الترابي في هذا اللقاء، والذي ناقش امكانية استحداث منصب رئيس وزراء في ظل النظام الرئاسي وتعيين الصادق المهدي فيه، وبعد عودة زعيم الحركة الاسلامية من هذا اللقاء بدأت حركة الصراع تأخذ أبعادا جديدة داخل كيان الإسلاميين، وبشكل اكثر شراسة وقد علم الجانب الآخر من الحركة الاسلامية ما خرج به اجتماع جنيف الذي رعاه الامين العام للملكية الفكرية كامل ادريس!.
كانت هناك اختلافات في وجهات النظر منذ تأسيس الحركة, احيانا تأخذ طابع التأزم من طرف اشخاص كثر منهم الدكتور الترابي نفسه والدكتور جعفر شيخ ادريس , وبابكر عوض الله, وهذا شيء طبيعي للغاية وأكبرها وأعظمها اختلافات كانت عند دخول فصيل الترابي في مصالحة وطنية مع "نظام مايو" بقيادة جعفر نميري في 1977 وعلى إثر ذلك انشقت مجموعة "الاخوان المسلمين" بقيادة صادق عبدالله عبدالماجد, والبرفسيور الحبر يوسف نور الدائم، ولم يكن ذلك من الخطورة بمكان بحيث يؤثر في مسيرة الاسلاميين الى اندلاع انتفاضة أبريل/ نيسان 1985م التي جاءت بالنظام الديمقراطي وظهرت الحركة الاسلامية أكثر قوة على مواصلة برنامجها فدخلت الانتخابات وفاجأت المراقبين باحتلالها المركز الثالث واكتساحها جميع دوائر خريجي الجامعات. وعندها تحالف حزبا الأمة والاتحادي الديمقراطي فشكلوا حكومة ائتلاف وأصبحت الجبهة الاسلامية القومية في موقع المعارضة.
علي عثمان زعيما للمعارضة
ولما كان أمين عام الجبهة الإسلامية القوميةالدكتور حسن الترابي يرى أن مجموعة الشباب داخل المكتب القيادي لهم طموحات كبيرة ورؤى ووجهات نظر يكن لها الاحترام والتقدير. جاءت اللحظة التي يتعين فيها اختيار زعيم المعارضة في البرلمان والكثير من الشيوخ داخل القيادة ينظر إلى نفسه على أنه الأحق بهذا المنصب وراح كل منهم يلمع نفسه من خلال صحف المعارضة، مثل صحيفة "الراية" لسان حال الجبهة الاسلامية، وصحيفة "ألوان". ولكن الترابي أشار الى مجموعة كبيرة منهم باختيار علي عثمان محمد طه، ولم تكن إشارات الترابي لدى المكتب القيادي إلا أوامر وتعليمات في نظر الكثير منهم، وجاءت لحظة الاختيار من داخل الاجتماع التاريخي والكل يعلم أن زعيم المعارضة هو الشخص الذي أشار اليه الترابي. وتم الاختيار رسميا وأعلن في صحافة المعارضة، وقد وجد تعيين علي عثمان محمد طه زعيما للمعارضة في البرلمان ترحيبا واسعا من قاعدة الحركة الإسلامية، لكن أشخاص بعينهم كانوا رافضين لهذا التعيين على رغم أن هذا التعيين تم بالشورى، ولكن من يجرؤ على المجاهرة والافصاح بوجهة نظر داخل مكتب الشوري تتضارب مع وجهة نظر الأمين العام التي هي في نظر البعض مقدسة ولا يمكن بأي حال من الأحوال الإتيان برأي مخالف لها... المهم تم اختيار المحامي الشاب زعيما للمعارضة على رغم الرفض المحدود من قلة قليلة وسط مجموعة من الشيوخ كل منهم يرى نفسه الأحق بزعامة المعارضة للتاريخ الطويل في الحركة الإسلامية والمجاهدات المتواصلة منذ أيام جبهة الميثاق الإسلامي وحركة الاخوان والجبهة الإسلامية القومية وارتياد السجون والمعتقلات في الكثير من الأنظمة التي حكمت السودان والعمل في الجهاد المسلح في صحراء ليبيا وأدغال إثيوبيا، لكن حسب اعتقادي أن د. الترابي بعمق فكره واستقراءه للأمور رى ان الكفاءة العالية التي يتحلى بها علي عثمان محمد طه تجعله الأنسب لأول تجربة برلمانية للحركة الاسلامية بهذا الوزن، وللحقيقة والتاريخ قد نجح علي عثمان أيما نجاح في قيادة المعارضة داخل البرلمان، وقد كشف عن الصورة الجميلة والزاهية للقيادات الشابة المستنيرة التي تزخر بها الحركة.
ولكن الشيوخ لم تشفع لهم كل هذه المجاهدات أمام ثورة علي عثمان ورؤية الترابي في الأحق والأنسب للعب هذا الدور، من هنا بدأت الأزمة الحقيقية داخل الحركة الإسلامية بين وجهتي نظر الأُولى ترى أن الترابي يملك زمام الحركة بشكل فردي ويتحكم في القرارات كافة، الثانية ترى أن الترابي هو الماكينة الفكرية والقيادة التاريخية وهو الذي أسس الحركة الإسلامية بشكلها الحديث من خلال آرائه الفكرية في أسلمة السياسة فلا ينبغي اختيار قيادة أخرى مادام حيا يرزق.
وكان الخلاف الثاني الذى جاء فوجد الجبهة الاسلامية القومية قد تصدعت شيئا ما وأصبح هناك تكتلان داخل مكتب القيادة، لكن تنظيم الاسلاميين لم يكترث بحسبان أن الخلافات في وجهات النظر ظاهرة صحية وطبيعية وأمكن للجبهة مع سخونة الجو السياسي في فترة الديمقراطية الثالثة تجاوز مهدداتها الأمنية كافة ولم تكن خلافاتها الداخلية تؤثر في وحدتها لأن القاعدة الشعبية بعيدة كل البعد عن هذه الخلافات، وكانت عندما تسمع أن هناك خلافات تستهزئ بهذه الأقاويل باعتبارها محاولة لشق الصف، بل كانت القاعدة تحسب أن وجود خلافات وسط قياداتها وشيوخها من المستحيلات.
نواصل

عفوًا .. عندما يكذب علي عثمان محمد طه..!!

عفوًا .. عندما يكذب علي عثمان محمد طه..!!
ردا على النائب الاول علي عثمان محمد طه في حديثه لبرنامج في الواجهة التلفزيوني يوليو 2004م
خالد أبواحمد –
مدخل: "تستطيع ايها الانسان ان تخدع بعض الناس كل الزمن وان تغش كل الناس بعض الزمن، لكنك تعجز عن ان تخدع كل الناس كل الزمن" الرئيس الامريكي ابرهام لنكولن (محرر العبيد في امريكا) كثيرا ما نسمع البعض يكرر العبارة الشهيرة القائلة بأن (الحقيقة مُرة) .. ولكن ثمرتها في نهاية المطاف حلوة ولا يجد الانسان مذاق احلى منها، لأنها حقيقة.. ولكن في يقين الكثير من الانظمة الغاشمة المستبدة أنه لا حقيقة بدون لسان قوي.. سليم النطق.. يعرف كيف تخرج منه الكلمات (الاكاذيب) والاوهام جميلة مموسقة,, كما تؤمن هذه الانظمة بأن لا حقيقة بدون قلم جرئ يدبج المقالات ويدير الحوارات التي تبثها قناة الحكومة الرسمية, فهؤلاء نتيجة لشعورهم ب (الفرعونية) لا يؤمنون واقعا بأن (الأعمار بيد الله وحده) وان (الله غالب على أمره) كل الامور بيده وليس في يد المستعمرين وشذاذ الأفاق، مهما بلغت قوتهم، ومهما قسوا في إجرامهم, ومهما استخدموا الاعلام واشتروا الاقلام، وكسروا نضالات الاحرار بعد ان ضاقت بهم السبل. وقد يجهل الكثيرون من الكتاب والباحثين في أحيان كثيرة أهمية ما يكتبون، وبالأحرى مدي تأثير كتاباتهم وافكارهم، المدونة علي الورق، في نفوس المعاصرين والأجيال اللاحقة، أفراداً كانوا أم جماعات أم شعوباً بكاملها. هذا المدخل رأيت ان ابدأ به ما آراه الحقيقة في حديث النائب الاول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه ردا على جملة من الاكاذيب والاوهام التي بثها عبر برنامج (في الواجهة) التلفزيوني بمساهمة كبيرة للغاية من الصحفي الحكومي أحمد البلال الطيب,( مع كامل احترامي وتقديري لشخصه) الذي كان مبتهجا وفرحا للثمالة وهو (يقراء) لسعادته الاسئلة المكتوبة بعناية لا تلامس الحقيقة التي يعرفها الشعب السوداني على امتداد المعمورة , ويمكن لهذه المقابلة والتي نشرتها صحيفة (اخبار اليوم) كاملة ان تكون وثيقة إدانة بالكذب على الشعب السوداني وعلى العالم قاطبة, ما دامت تمثل أحد عناصر التردي الذي أصاب المجتمع السوداني, وبدوره أخل بكل الاعمدة الرسمية التي كان يعتمد عليها في تثبيت معاني وجوده على الارض من طيبة ومثل عليا لا توجد في غالبية الدول العربية والاسلامية, ومن سماحة وتواضع وتميز وتاريخ ناصع البياض ضارب في القدم.
في أول سؤال لمقدم البرنامج كانت صيغة السؤال كالتالي:
خمسة عشر عامًا مضت من عمر الانقاذ وقطعا تحقق الكثير من مشروع الانقاذ والحضاري للنهوض بالسودان. فكيف يقرأ النائب الاول الخريطة الفكرية للانقاذ اليوم ؟
بالطبع الاجابة ستكون بالمقاس التي اراده الزميل البلال الطيب فقال النائب الاول في جزء من أجابة الطويلة " وفي هذا السياق استطاعت الانقاذ ان تطرح رؤى واضحة من خلال تأسيسها لدستور البلاد يحتوي علي جملة من المبادئ التي تصلح اساسا لادارة اوضاع البلاد في هذه الفترة وتؤسس للفترة المقبلة هذا الدستور في تقديرنا قد تضمن حصيلة تجارب الحكم والادارة في السودان في الفترات الماضية ونظرا الي التجارب المعاصرة والي المبادئ الدولية وتضمنها . ثم جاءت التجربة العملية بانشاء مؤسسات للدولة تأسيسا للامركزية الحكم وتأسيسا للحوار الوطنى الحر والبناء لمناخ ديمقراطي يستطيع المواطن فيه فردا او مجموعة ان يعبر عن ارائه ويشكل هذه الاراء ويجسدها في شكل مؤسسات تدير حواراً مفتوحا مع الساحة".
*والقاري والمستمع الي هذا الادلاء غير المثمر وغير الحقيقي وخاصة في الحديث انشاء مؤسسات الدولة وتأسيس الحوار الوطني الحر المزعوم إلخ يكتشف القاري والمستمع حجم الكذب والنفاق ان مؤسسات الدولة ولأول مرة في تاريخ السودان تنشئ على الفكرة التنظيمية (الاسلاموية) والتي تعود فوائدها في المقام الاول على الحركة الاسلامية لا على المواطن السوداني أيا كان موقعه, واذا جاء الحديث عن الحوار الوطني الحر هذه اكبر أكذوبة لنائب رئيس جمهورية في حجم السودان لأن (الانقاذ) هذه لم تعرف في تاريخها اي حرية لحوار ولا حتي داخل تنظيم الحركة الاسلامية ولا تنظيم المؤتمر الوطني الحكومي فعن اي حوار حر يتحدث النائب الأول, في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني ان الآراء المخالفة لآراءه داخل الحكومة ومؤسساتها يكون جزاؤها الاقصاء سواء بالألة الامنية العسكرية او القانونية من خلال (حرب الملفات) القذرة التي لم يعرف مثلها تاريخ الصراع السياسي على السلطة في السودان حيث ترفع ملفات الفساد لكل من يخالف رأئه راي السيد المبجل او اي من مجموعته المعروفة والتي تضم مدير الامن والمخابرات صلاح عبدالله ونافع على نافع وعوض الجاز وأسامة عبدالله ما لا يستطيع كائن من كان ان يخالف رائهم ويستمر في العمل السياسي تبع الحكومة, وهذا الامر يؤكد ان (الانقاذ) دولة غير دولة مؤسسات, بل دولة يمكن ان نسميها اذا جاز التعبير دولة عصابة تشبه الي حد كبير (المافيا) في تصفية حساباتها مع الآخرين سواء كانوا دولة او مجموعة قبيلة او حزب أو مؤسسة, وقد قاموا بالفعل بتصفية الرئيس المصري لكن الحظ لم يبتسم لهم, وقاموا بتصفية رئيس لجنة التحقيق في محاولة الاغتيال نفسها وفي وضح الشارع وأمام أسرته زوجته وأبنائه, و بالطبع هذه الأحداث والملابسات لا يتطرق اليها الاعلام السوداني من قريب ولا بعيد وعندما تحدث الكاتب عثمان ميرغني عن محاولة اغتيال حسني مبارك بعد لقائه مع رئيس تحرير جريدة مصرية مرموق عند زيارته للخرطوم تم اعتقاله وهدد اذا ما عاد للكتابة مرة أخرى في هذا الموضوع, وهنا لا يفوتنا ان نذكر بمزيد من الألم ان الانقاذ أسست لفكر التصفيات الجسدية ولم تسبقها في ذلك حتي الاحزاب اليسارية في السودان, هذا هو كسب السودانيين الحقيقي من الانقاذ..!!.
وفي مواصلته للاجابة على السؤال قال النائب الاول وهو يبتسم " استطاعت الانقاذ ان تؤسس لحرية الصحافة والنقد والتداول العام حول الموضوعات وان تنشئ اجهزة رقابة من خلال الانتخابات وتأسيس المجالس التشريعية والبرلمانية علي المستوي الولائى والاتحادي لتقوم بدورها في محاسبة الجهاز التنفيذي مرسية بذلك مبدأ الشفافية والمحاسبة العامة لاداء الاجهزة وان تؤسس لحكم القانون بانشاء قضاء مستقل ترسخت هيبته واحترامه لدي المواطن اولا من حيث انه يبني علي اعراف وقواعد لتحقيق العدالة ليست غريبة علي الوجدان السودانى فالقوانين والتشريعات التي سنت في خلال هذه الفترة استمدت كلها من ضمير الشعب ومن معتقداته فان القوانين التي اسست علي قواعد الشريعة الاسلامية هي تعبير عن التعايش والتصالح بين المجتمع وبين القوانين والقيم التي تحكمه" انتهي حديث النائب الاول.
وهنا لا بد ان يحس الانسان بالمرارة والخنق والالم مع الرغبة في البكاء والصراخ والسؤال بأعلى صوت (أين حرية الصحافة والنقد والتداول العام) والصحف تغلق وتصادر من المطبعة واحيانا من الاسواق علاوة على التهديد النفسي والمعنوي للكاتب, والاغراءات المادية التي طالت عدد كبير من الاعلاميين المؤثرين واصحاب الاقلام, وقبل فترة لا تقل عن العام كان الجميع يتساءل بحق وحقيقة أين مقالات فلان وفلان التي كانت تنشر في الشرق الاوسط اللندنية وتنتقد ممارسة الانقاذ للسلطة وأين الصحيفة المعارضة التي كانت في الخارج, أحضرت للخرطوم واصبحت الملايين من أموال الشعب السوداني تتنزل في حساب اصحاب الامتياز وانهالت على الصحيفة الاعلانات الحكومية والخاصة بالمصارف والشركات الرسمية وافرغت الصحيفة من محتواها, ويمتهن السيد النائب الاول الكذب عندما يتحدث عن حرية الصحافة في السودان في الوقت الذي يغلق فيه مكتب قناة الجزيرة ويعتقل الزميل اسلام صالح لأنه قال الحقيقة (المرة).
ليس هناك فجيعة في حديث النائب الاول الا عندما تحدث عن (اجهزة رقابة تقوم بدورها في محاسبة الجهاز التنفيذي مرسية بذلك مبدأ الشفافية والمحاسبة العامة لاداء الاجهزة وان تؤسس لحكم القانون بانشاء قضاء مستقل ترسخت هيبته واحترامه),,,,, يا الله,,,,,,,كم هذا الرجل كاذب ويتحري الكذب,, اي اجهزة رقابة تلك التي يتحدث عنها, ولم نسمع منها يوما انها قدمت أحدا للعدالة, وهنا لا بد ان يعرف القاري الكريم حادثة معينة توضح نمط الحكم الذي يتحدث عنه النائب الاول, اذ ان المجتمع الاقتصادي في العاصمة الخرطوم جله يعرف ان أحد (الاسلاميين) الذي كان يترأس مجموعة شركات بنك النيلين أكبر سارق لأموال الشعب وكل الصحافيين الذين يعملون في الصحافة السودانية من بداية التسعينات الي الان يعرفون حتي حجم الاموال التي اقترفها ذلك (المهندس) ليس هذا فحسب بل ان شخصية مصرفية مرموقة ومشهورة قابلتها قبل أكثر من عام ونصف العام أكد أنه ومجموعة من القانونيين والمسئولين في البنك المعني كانوا قد حصروا الاموال التي استولى عليها الرجل من البنك ومجموعة شركاته وتم معرفة هذه الارقام بالتحديد وتم عمل ملف خاص بالقضية توطئة لتقديمه الي ديوان الثراء الحرام ومن ثم المحكمة, وقبل أن تصل الامور هذه المرحلة أرسلت شخصية قيادية كبرى رسولا من عنده قام يتوبيخهم على فعلتهم مذكرًا لهم بأن الرجل قيادي (اسلامي) ومن الصفوف المتقدمة وأن اخاه شهيد عرف بأخلاصه ونزاهته ثم تناول منهم ملف القضية وسلمها الي الشخصية القيادية النافذة, ويمكننا ان نقيس على ذلك عشرات الشخصيات التي نهبت أموال الشعب ولم تعرف العدالة النزيهة التي يتحدث عنها السيد النائب الاول طريقها اليهم, وشخصيا ممرت بأكثر من تجربة فساد عشتها شخصيا وكتبت عنها حينها في أكثر من مقال وكشفت فيها حجم الفساد التي يمارس في أكبر مؤسسة (تنظيمية) و(اسلامية ) وحكومية هي مؤسسة (في ساحات الفداء) والمنسقية العامة للخدمة الوطنية, والعدالة التي يحدثنا عنها الاستاذ على عثمان هي في خياله فقط ولم تجد طريقها لأرض الواقع ولأنها اذا وجدت طريقا للواقع فهو أول من يسجن ويلقى جزاءه.
ومن التجارب الشخصية أيضا التي عشتها شخصيا حادثة مقتل الطالب النابغة غسان أحمد الامين هارون في معسكر التدريب الموحد للخدمة (الوطنية) حيث ضرب ضربا مبرحا من (التعلمجي) أدت الي وفاته وقد أثبت التقرير الطبي بعد تشريح الجثمان, الذي حرره الدكتور عبدالله عقيل ان الطالب مات نتيجة لضرب في اماكن كثيرة حساسة وتبع ذلك الكثير من ملابسات مقتل ابناء واطفال ونساء ورجال قتلوا ومنع أهليهم من التقاضي لان المؤسسة العسكرية ذات سيادة كما يكرر وزير العدل (محمد عثمان يسن) لا يحق لأحد مهما كان ان يقاضيها لان دولة (الاسلام) في السودان تحرم ذلك, ويتحدث السيد النائب الاول على الهواء مباشرة عن دولة العدل والنزاهة والشفافية, واذا جاء السؤال الموضوعي والمنطقي 15 عام من حكم(الاسلاميين) من قدمت (الانقاذ) للمحاكمة من الذين اثروا من أموال الشعب..؟؟ واذا لم يكن فرجال الانقاذ ملائكة آتين الينا من السماء ولذا حق عليهم حكم السودان الي ان يرث الله الارض ومن عليها..!!.
في فقرة أخرى من الحوار التلفزيوني الذي يفجر شرايين القلب من الاصرار على الكذب و صناعة الاوهام يقول السيد علي عثمان محمد طه في جزئية من اجابة للسؤال عن الفكر الذي تحمله الانقاذ قال النائب الاول: " الانقاذ قد تأسست علي انها حركة وجدان اجتماعي يريد ان يعقد صلحا بين الفرد وضميره وبين الفرد والجماعة وبين الجماعة وخالقها وهذا هو البعد الديني للاساس الفكري الذي تأسست عليه الانقاذ في الفترة الماضية فنجد ان قواعد الاسلام واحكام الشريعة قد تضمنتها ليس فقط جملة القوانين والمواثيق والدستور الذي اشرت اليه ولكن حتي في الممارسات اليومية قد تجسدت هذه القيم في حركة المواءمة بين المعاصرة وبين الحرية الفردية وبين حرية الجماعة والتزامها بالقيم الاجتماعية العامة لقد نشطت جدا الدعوة للتخلق والتمسك بالقيم الفاضلة وتمثلت في كثير من المشروعات التي قامت لاحيائها في المجتمع".
وعندما يتحدث سعادة النائب الاول في المقطع السابق وكأني بشهرزاد تتحدث عن واقع لا يوجد الا في "ألف ليلة وليلة" ويستمتع المستمع بهذه الخيالات الواسعة التي تخرج الانسان من لحظات الممل, ولكن عندما يتحدث النائب الاول عن الانقاذ ويصفها بأنها حركة وجدان اجتماعي عليه أن يستحي وان يلطف بنفسه قليلا لأن مفردة (الاجتماعي) هذه هي أكثر العوامل التي أدت الي فشل نظام الانقاذ على كل المستويات, وعلى المستوي الحاكم ظل المجتمع الخاص بالنخبة الحاكمة يعيش في وادي بعيد جدا عن أودية المواطنين, بل ابتعدت وغابت الشخصية (الحاكمة والمتنفذة) عن اسرتها أكثر مما غابت وحدثت الكثير من القصص والحكايات التي يمكن ان تصلح لعمل مسلسل اجتماعي كبير تستفيد منه كافة الحركات الاسلامية التي تريد ان تصل الي كرسي السلطة فقصص الزواج (السري) والزواج (النهاري) من السكرتيرات قد فضحت مجتمع (الانقاذ) الحاكم أما الشعب المكلوم والمغلوب علي أمره قد تاه في البرية ما بين مهاجر ومشرد وطالب لجوء سياسي والبقية تنتظر ما حل بدافور..!!.
مرة آخرى يسأل الزميل احمد البلال النائب الاول من الاسئلة اياها ويقول في سؤاله: رغم ان هنالك طفرة ظاهرة للعيان في خدمات الناس في كل انحاء السودان الي ان الشكوي من ضعف الخدمات ماتزال باقية في بعض المواقع. ما رأيكم؟
ويجب بكل سعادة غامرة السيد على عثمان محمد طه ويقول:
"مع طلوع الشمس وتقدم العلم والتقانة وما تفرزه الفضائيات وسرعة الاتصال والتأثير والتأثر في العالم تنفتح آفاق يومية لطموحات الناس اكبر من قدراتهم الذاتية واكبر من قدرات المجتمع والدولة هذه حقيقة لابد من التسليم بها . نحن نتحدث عن امكانات متواضعة لدولة نامية تريد ان تخرج من دائرة الفقر والتخلف لتدخل دائرة النمو والتطور . ولكن الامال والطموحات للافراد بلا حدود . ولذلك فان المواءمة والربط بين التوفيق بين طموحات الافراد والمجموعات وبين قدرة الدولة علي توفير جانب من هذه الطموحات في شكل تحسين للخدمات يظل تحديا يواجه كل قيادة سياسية . الذي نثق فيه ونطمئن اليه هو ان ما تحقق حتي الان هو محل اعتبار وتقدير من الشعب السوداني" .
وعندما يقول النائب الاول ان امكانيات السودان متواضعة ودولة نامية فهو يظلم السودان ويظلم شعبه فالسودان معروفه امكانياته الضخمة وغير المحدودة, ولكن دائما يخيب ظنه الساسة امثال النائب الاول المحترم, اذا نظر اليه من كافة الجوانب الثروات الطبيعية والامكانيات البشرية والمادية لكن دولة سعادته (الانقاذ) جاءت بالطموح غير الموضوعي في الاستيلاء على السلطة ومحاربة (الاعداء) دمرت امكانيات السودان الهائلة كما باعت الدولة كافة المشروعات التي كان بامكانها حل مشكلة الغذاء على مستوي القارة الافريقية الومنطقة العربية ولكنها سخرت لأهداف ذاتية وشخصية ضيقة, ويشهد التاريخ ان قادة السودان في هذه الفترة خرجت طموحاتهم من حدود بلادهم الي اماكن أخرى كثيرة, وقد لا يعلم الناس هذه الحقيقة انه ما من صراع في دول الجوار الا وكانت ايادي النظام موجودة فيه, ويوما ما ستتكشف هذه الاصابع ومن يقف ورائها.
في جانب آخر من الحور التلفزيوني يفتري علي عثمان محمد طه على الله الكذب ويقول " الذي نثق فيه ونطمئن اليه هو ان ما تحقق حتي الان هو محل اعتبار وتقدير من الشعب السوداني وهو اكبر تفسير لظاهرة الاستقرار السياسي التي ينعم بها السودان مهما زايد المزايدون علي قضية الامن وقضية الحريات فان القناعة الاساسية هي ان ما يتوفر الان من استقرار مرده الي احساس المواطن بجدية الحكومة وحرصها علي معالجة القضايا الحياتية والحيوية واحدة بعد الاخري"
ولا أدري كيف اعلق على هذه الكذبة الكبرى المتمثلة في الاستقرار السياسي الذي ينعم به الوطن وأحساس المواطن بجدية الحكومة ولكن الذي نعرفه تماما ان المواطن السوداني ما عاد يصدق ما تبثه القناة الفضائية السودانية لما فيها من أكاذيب تحرص الحكومة على تثبيتها وفرضها على الناس, كما ان المواطن يدرك تماما ان الحكومة التي يعنيها النائب الاول غير حريصة حتي على وجودها هي, فأصبح لها أكثر من خمسة ناطقين رسميين باسمها هذا ينفي وهذا يؤكد وقد كشفت العديد من الاحداث التي مرت بالسودان في الفترة الاخيرة كيف ان الحكومة ضعيفة ولها أكثر من رئيس.
واذا جاء الحديث عن التعليم في السودان والله و تالله انها فضيحة الفضائح, ولا أدري ان السيد النائب الاول اصبح كالرئيس البشير ينطق بغير استشارة وبدون اي مراعاة للذوق العام, وتحضره الهاشمية في اي مكان وفي اي لقاء صحفي, ونحن خارج الوطن الان نعرف ان المعلمين في أكثر من منطقة لا يستلمون مرتباتهم لأكثر من اربعة أشهر رغم نداءات الرئيس عمر البشير نفسه وفي أكثر من مكان, ليس هذا فحسب بل ان الكثير من المدارس وفي داخل حدود ولاية الخرطوم يجلسون على الارض, وكانت المملكة العربية السعودية في العام الماضي قد اجلست طلاب مئات المدارس الذين كانوا على الارض, ولا زالت هناك مدارس وطلاب صغار يعانون من الدراسة على الأرض, برغم الصرف البذخي لمناسبات الحكومة والتي تدخل في جيوب مؤيديها, ولكن أكبر دليل على كذب النائب الأول ما كتبه الزميل الصحفي ضياء الدين البلال في عمود بصحيفة الرأي العام بتاريخ 21يوليو 2004م بعنوان كهر بائيات وبالنص ذكر الأتي:
لك أن تضحك أو تبكى.. ويمكنك كذلك أن تجمع بين الاثنين.. دون أن يستدعى ما تفعل عرضك على طبيب نفساني.. قبل فترة نقلت الأخبار أن المعلمين فى ولاية محددة ونتيجة لتأخر مرتباتهم ومماطلة لحكومة الولاية في دفع تلك المرتبات قاموا بمظاهرة صاخبة اعتدوا فيها على المدارس ومباني وزارة التعليم.. الأساتذة يحملون حجارة ليعبروا بها عن مواقفهم.. والتلاميذ بالطبع لم يلعبوا دور الجودية والوسطاء ولكن أعانوهم على ما يفعلون.. وحكومة الولاية التي أوصلت المعلمين الى حمل الحجارة فى الطرق ليحصبوا بها مدارسهم.. وقبل ذلك يحصبون كل قصائد الشعر وحكم الوعظ التي ترسم صورة ذهنية مثالية عن المعلم.. لم تجد فى نفسها حرجاً أن تواصل مسيرتها الحاكمة المستنعمة بخيارات السلطان كأن شيئاً لم يحدث.. وقرأ الجميع الخبر ومروا عليه الى بقية الأخبار دون أن يأخذ الحدث أدنى إنتباه..!! ثم تأتي قضية دارفور في الحديث التلفزيوني للنائب الاول والذي كعادته لم يصدق في حديثه ولو لمرة واحدة وهو يعلق حول أمهات القضايا التي تشغل بال العالم مثل قضية أصبحت الآن مادة دسمة للتناول الصحفي والاعلامي بل الاجتماعي الذي يصور ان الشماليين في السودان لا يرضون بعيش الآخرين معهم, رغم القواسم المشترك بينهم, , وهنا يجهز الزميل أحمد البلال الطيب لضيفه الاجابة من خلال السؤال التالي:
هل ما يجري الان في ولايات دارفور له علاقة كما يردد البعض بضعف الخدمات والتنمية في ولايات دارفور ؟..
يقول النائب الاول بدون استحياء " ما يجرى في دارفور له تعبير واضح ، كل متابع للاحدث في السودان وفي دارفور بوجه خاص يعلم ان الصراع في دارفور له اسبابه التاريخية التي تسبق قيام الانقاذ والتي سعت الانقاذ الي معالجتها خلال هذه الفترة ببرامج محددة متمثلة في محاولة توفير وتحسين الخدمات باعتبار ان الصراع بين الرعاة والزراع كان واحدا من اسباب التوتر في دارفور"
والذي يعرفه الجميع في السودان ان مشاكل الرعاة والزراع لا تخلق كل هذه العداوات وهذه الدماء العزيزة التي أريقت, ومثل هذه القضايا تحدث كل يوم في مناطق النيل الابيض وفي البطانة, وفي شرق السودان وفي النيل الازرق وحتي في مناطق بجنوب السودان, ولكن الامر الذي لا يعرفه الكثير من الناس ان السيد النائب الاول ومجموعته لا يرضون أبدا مهما كانت الظروف ان يروا تطور اقتصادي مجموعة قبلية او حزبية أو أشخاص ما لم يكونوا مؤالين لهم في طموحاتهم وفي أفكار الاقصائية, ولا أستدل الا بقصة الاستاذ رجل الأعمال محمد عبدالله جار النبي وهذه قصة طويلة يطول شرحها ولكن المهم فيها أنهم عندما أدركوا ان (جار النبي) وشركته ستكون هي المستفيدة من تصفية البترول السوداني بما يعود عليها بالاموال الهائلة والضخمة وهو اي (جار النبي) الذي فتح للسودان خيرا كثيرا من خلال شرائه لحق امتياز شركة شيفرون, وهو الذي اشتري المصفاة من الخارج وخسر فيها مئات الملائين من الدولارات حتي تصل الي أرض الوطن, من أجل ان ستستخدم لتصفية الخام السوداني فما كان منهم الا ان ابعدوا الاخ محمد جار النبي من الساحة ورموا فيه الكثير الاتهامات على طريقة تصفية الحسابات من خلال حرب الملفات التي ذكرناها آنفا, كل ذلك بدون اي اسباب وجيهة وقد كان الاخ جار النبي يكن لهم كل التقدير والاحترام, كما صدم غاية الصدمة من هذه الفعلة, بل صدم كل من كان يعرف العلاقة بين الطرفين, وكل ذلك بسبب ان (جار النبي) ليس منتميا فكرا ولا قبيلة لهذه المجموعة, وهنا لا بد من معرفة ان محمد عبدالله جار النبي يوما ما عندما كانت الحركة الاسلامية مطاردة ايام الرئيس الاسبق جعفر النميري وصودرت أموالها واملاكها كان من يوغندا يرسل الدولارات حتي تصرف الحركة الاسلامية في الداخل على نشاطها, كما كانت أموال (جار النبي) تصرف على أسر المعتقلين من اعضاء الحركة الاسلامية وظل على هذا الحال السنوات الطوال, حتي عادت الحركة الي وضعيتها هذا طرفا من عقيدة أهل (الانقاذ) في رد الوفاء للذين كانت لهم أفضال مشهود بها..
هذه القصة اردت ان تكون مدخلا للحديث عن أسباب مشكلة دارفور بحسبان ان (محمد عبدالله جار النبي) من هذه الارض الطيبة, يعرف ان مجموعةا كبيرة من أهالي دارفور في العاصمة وغير العاصمة ينشطون في التجارة والاستثمار وهذا من أكثر الاسباب الخفية التي جعلت مجموعة النائب الاول تحس بالقلق من تنامي ظاهرة التوسع الاقتصادي لهذه المجموعات, ولو ان من الطبيعي على الحاكم (الطبيعي) ان يسعد ويفرح عندما يرى ان جزء من الشعب أخذ في الرقي والتقدم الاقتصادي فإن ذلك يساهم بشكل فعال في نهضة البلاد, ولكن (الحاكم) يفكر بالعقلية الامنية والعسكرية, وقد ظل على عثمان محمد طه منذ دخوله الحركة الاسلامية يحلم ان يكون له شأن في هذا الكيان ومن ثم في حكم السودان, وقد عمل بجهد شديد في الوصول الي هذه المرحلة, رغم القضايا العالقة التي تنتظره وتنتظر مجموعته في تدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري والأبادة الجماعية لسكان دارفور وقد تظهر قضايا آخرى, ثم ان الاحصاءات الضخمة التي اوردها (الكتاب الاسود) في الجزئين الاول والثاني تؤكد العنصرية التي يتحلى بها النظام الحاكم, وما وجد النائب الاول فرصة الا اختلق اسباب آخرى لمشكلة دارفور, والشكل الذي ظهرت به قوات الجنجويد في دارفور مؤخرا يؤكد الدعم اللوجستيكي الحكومي لها, و قد اكدت كل الدلائل ان الحكومة التي هي شكلت قوات الجنجويد لقتال المعارضة المسلحة في دارفور.
الامر الاخر من الاسباب الحقيقية التي فاقمت مشكلة دارفور ولم يتطرق اليها النائب الاول, هي ان دارفور كانت تعاني من مشكلات كثيرة كان بأمكان الحكومة حلها وارجاع الامور الي نصابها الصحيح لأن اجراءاتها هي التي تسببت فيها, وظل ابناء دافور بكل قبائلهم المتعددة يرسلون المذكرات الي الحكومة المركزية في الخرطوم, الحكومة كانت تتعنت ولا تستجيب, وقبل انطلاقة العمل المسلح باكثر من عام قدم مواطنو دارفور الكبرى بالعاصمة الاتحادية مذكرة اشهدت عليها الناس ووقع عليها (طلاب ومهنيون وبرلمانيون سابقون واعيان وزعماء ادارات اهلية) الي رئيس الجمهورية يعددون فيها مطالبهم بحل المشكلات التي تواجههم هناك, وكعادة الحكومة صمتت, رغم توسلات قيادات ابناء دافور الموجودين في الحكومة, ماهي الا شهور بسيطة كانت الحرب واقعة, ولا يستحي النائب الاول ان يرجع الاسباب الي مشاكل الرعي بين المزارعين والرعاة, وهذا لا يستقيم عقلا.
وأهم عنصر أساسي في مشكلة دارفور وتمثل أمهات القضايا والتي كانت أحدي النقاط الرئيسية في مذكرة أهل دارفور الموجهة الي رئيس الجمهورية, الا وهي قضية(طريق الانقاذ الغربي) والتي يعرف العالمون ببواطن هذه القضية الدور الكبير للنائب الاول فيها, وأذكر انني كنت في معية د. على الحاج نائب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي في زيارة لمدينة كسلا التي اقام فيها الدكتور على الحاج ندوة جماهيرية كبيرة (عام 2000م) وتحدث فيها عن الخلاف بين حزبه والحكومة, وفي ختام الندوة فتح باب النقاش للأسئلة والمداخلات وأذكر انها كانت ليلة ليلا اتسع فيها صدر على الحاج كثيرا من سماع الاسئلة التي تخصه شخصيا بما فيها قضية القصر العشوائي, ثم جاء سؤال من أحد المواطنين عن دور على الحاج في قضية طريق الانقاذ الغربي متهما على الحاج بالفساد, فرد عليه الدكتور على الحاج بالنص ( قضية طريق الانقاذ دي خلوها مستورة)..!! وبذاكرة متقدة اذكر كان هناك شابا صغيرا في السن يعمل مراسلا لصحيفة (اخبار اليوم) وعلى التو أرسل الخبر وفيه هذه الفقرة بالذات في العنوان (خلوها مستورة) وفي اليوم الثاني خرجت الصحف تتحدث عن خلوها مستورة وتسائل الزميل الاستاذ محجوب عروة في مقاله اليومي (وقولوا للناس حسنا) لماذا نخليها مستورة ومناشدا رئيس الجمهورية الكشف عن (المستور) وقد كثر الحديث عن فساد أهل (الانقاذ) الحكومة في (الانقاذ) الطريق, فقمت بسؤال الاخ على الحاج عن المستور, وللأمانة والتاريخ لم يجبني فهو يدرك أنني في النهاية صحفي, ولكن عرفت فيها بعد الحقيقة التي منعت رئيس الجمهورية ونائبه من فك (طلاسم) المستور وهي ان الرئيس ونائبه قد استلفا مبالغاً مالية من إدارة الطريق ولم يرجعانها إلى هذه الحظة.
وهنا أرجو من القاري الكريم ان يتمعن ويتخيل معي كيف يكون الحال اذا كان هذه المبالغ استلفت من قبل اي شخص آخر , من أي مكان غير الولاية الشمالية من الذي كان سيحدث له بالتأكيد كان سيبشع به, ولكن الرئيس ونائبه صمتوا صمت القبور والي هذه اللحظة رغم المناداة المتكررة من الجهات المختلفة لم يفتح باب التحقيق في فساد طريق الانقاذ, ولن يفتح الا ان يذهب هؤلاء من كراسي الحكم, وتعود المياة الي مجاريها..
وختاما أقول ان الحوار التلفزيوني مع النائب الاول طويل وتناول قضايا كثيرة وشائكة, ولم يكن النائب الاول أمينا مع نفسه ابدا, واصبح هذا اللقاء الصحفي وثيقة أدانة تاريخية, كما أن اللقاء الصحفي هو صورة طبق الأصل لحوارات أخرى مع وزير الخارجية وغير لا يصدق فيها وتعتمد على الكذب الفاضح, لأنهم في يقين ان الوسيلة التي يتحدثون منها واحدة ولا يشارككهم فيها أحد كما لا يسمح لأي أحد ان يستخدم الوسيلة الحكومية في نقد الحكومة نقد بالارقام والملابسات, وفي يقيني اذا استمرت حالة الكذب هذا مع زيادة الحصار المضروب على الذين يريدون تبيان الحقائق, فإن موجة من العنف ستندلع في الخرطوم لا محالة لأن للصبر حدود وأن الكبت يولد الانفجار, لأن الحكومة تحتكر المعلومة ولذا لم يكن غريبا ان تغلق موقع سودانيز أون لاين من المشاهدة داخل السودان وضرب الحصار على المواقع الاخرى, فإذا لم تغير الحكومة من استراتيجية الكذب والنفاق والمماطلة واللف والدوران فسيشهد العالم الصفحة الجديدة للواقع السوداني. يوليو 2004

الخميس، فبراير 12، 2009

نظام يقوم على الكذب لا يمكن أن يكون عادلاً مع شعبه

يستغرب المرء أيما استغراب وهو يشاهد الفضائية السودانية، استغراب ممزوج بالألم، من استمراء الكذب الفاضح والباين بلا حياء لكبار قادة الدولة في السودان لا يتحدثون إلا كذباً، مثلاً عندما يقول رئيس الجمهورية أو نائبه أو أي وزير في الحكومة " إن الانقاذ رسخت قيم العدالة والفضيلة" فأي عدالة يتحدثون عنها وأي فضيلة هذه التي يذكرونها في مخاطباتهم للمواطنين..؟.
وفي خطابه في احتفالات 30 يونيو باستاد الهلال التي جرت يوم 6 يوليو الجاري قال الرئيس "بني ألأنقاذ على خمس قائلاً " الدين، الحرية، الشورى، العدل والعلم"، والمعنى واضح ومفهوم في محاولة لربط حديثه بالحديث النبوي الشريف وشتان ما بين الاثنين، و قال نائب البشير السيد علي عثمان محمد طه قبل ايام في حديث منقولاً من إحدى اللقاءات الخارجية على تلفزيون السودان وهو يتحدث بزهو شديد واعجاب بالنفس وبتكبر وغرور ما بعده غرور وهو لا يدري أن سواد وجه قد أصبح علامة بارزة لما ارتكبه في حق السودان وشعبه، قال كلاماً كله كذب وتصوير لواقع غير حقيقي في أن (الانقاذ) انتقلت بالناس إلى مرافئ التطور، وفي خياله أن التطور وقمته هي البنايات الشاهقة والشوارع الجميلة، وهو لا يدري حقيقة أن التطور يُكمن في التنمية البشرية وفي التعليم وفي أخلاق الحكام وفي إرساء العدل وقيم الخير، وفي إيلاء أمر المواطن الأولية فوق كل الأولويات، وفي شعور المواطنين بالثقة في من يحكمونهم، وفي ثقة بأجهزة أمنهم في حفظها لمقدارت المواطن، لا الاجهزة الامنية التي تأسست فقط لعذابات المواطنين.
ويذكر أن أول كذبة على الشعب السوداني في عهد (الانقاذ) كانت "أذهب للقصر رئيساً وأنا أذهب للسجن حبيسا" قالها الدكتور حسن الترابي وقد اعترف هو بذلك، إذاً هذا نظام بدء ممارسة حُكمه بالكذب فلا عجب أن يقيم دولة العنف والدماء وخرق العهود والاعتداء على الجيران من الدول الصديقة والشقيقة، دولة تقوم على الكذب لا يمكن أبداً أن تكون عادلة مع شعبها، ولا يمكن أن تتحمل كلمة الحق فكان قمع الصُحف والصحافيين وشراء الذِمم وتجنيد العاطلين في دول الاغتراب لكي يدافعوا عن سياساتها فوجدت ضالتها فيهم، فمارسوا معنا لغة السباب والشيمة ولغة الشوارع الخلفية، فنِعم المدافعين، ثم يأتي قادة النظام ويصفون الآخرين بالعمالة والارتزاق لأعداء (الاسلام) في حين أن الكتاب المعارضين الذين يُوصفون بالعمالة أبداً لم يستخدموا لغة السباب العفنة ولغة الشوارع البذيئة، بل مارسوا أدباً رفيعاً في لغة الحوار لم يشخصنوا القضية ولم يسبوا أحداً من الحاكمين كما فعل مؤيدي (الإنقاذ) فالحمدلله الثقة في القارئ السودان كبيرة وهي كفيلة بتقدير الامور على الوجه الصحيح.
وفي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الجمهورية عن (الحرية) كانت قوات أمنه تغلق صحيفة (أجراس الحرية) بالرقابة القبلية وتفرض عليها عدم نشر غالبية صفحات الصحيفة فتتوقف (الأجراس) عن الصدور وعندما تحدث الاستاذ باقان أموم الشريك في الإتلاف الحكومي عن فشل الدولة قامت عليه دنيا الحكومة من صحف ترتزق من الحزب الحاكم وأقلاماً عرفت للجميع بالضعف والهزال والارتزاق، ولم تقف الحملة الحكومية عند هذا الحد بل صدر قرار بمحاسبة الاستاذ باقان أموم توطئة لإبعاده عن المنصب !!..
هذه هي الحرية في فهم الحاكمين، أن تُردد ما يقوله الرئيس، ويشير إليه الحزب الحاكم إلا وانت مأجور تسترزق من السفارات الأجنبية ومن دول الاستكبار كما قال الدكتور نافع على نافع مؤخراً.وعلى ذكر كلمة (العدل) قال وزير العدل عبدالباسط سبدرات حكيم كل الأنظمة "وفرنا محاكمات عادلة لمتهمي حادثة امدرمان" وما هي إلا يومين فقط وانكشف الكذب والبهتان وليته سكت بعد كذبه تحدث عن عدالة المحاكمة ثم ما أن بدأت المحاكمة في عملها حتى قامت السلطات الأمنية باعتقال واستجواب محامي الدفاع الاستاذ ساطع الحاج بسبب اعلانه عدم دستورية قانون الارهاب الذي يُحاكم به المُتهمُون، بل هددته إن تحدث في ما يجري في المحكمة، ولا زال البشير ونائبه الثاني ومستشاريه ووزراء حكومته يتحدثون عن قيم العدل، ثم واصل المنظر الجديد للنظام د. محمد وقيع الله يتحدث عن إنجازات (الانقاذ) بلا هوادة وبلا حياء في وقت أصبحت فيه مآسي وكوارث أهل السودان بسبب (الانقاذ) واضحة كالشمس بل تزداد يوماً بعد يوم مخلفة وراءها نفوس بريئة ازهقت وأطفالاً يُتِمُوا ونساء ترملن، وأخلاق ذهبت بلا رجعة..!!.
لكنني في هذا السانحة أنقل للقارئ الكريم صورة آخرى لعدل نظام (الانقاذ) وارتباطها بالدين الذي قال عنه البشير في ذكري الانقلاب المشئوم بأن (الانقاذ) بنيت على خمس وأولها الدين وثانيها الحرية والعدالة، وهنا أسرد جانباً بسيطاً من علاقة وارتباط النظام بالدين في حقيقته من خلال معايشة يومية لرئيس التنظيم العسكري الذي قام بالانقلاب وسلم البشير السلطة، وقد ربطتني به علاقة العمل في سنين النظام الأولى.الأُستاذ..!!.رئيس التنظيم العسكري للحركة (الاسلامية) شاب في بداية الخمسينات مع أكثر من 350 شاب حركي قاموا بتسليم عمر البشير مقاليد الحكم في صبيحة يوم الجمعة 30 يونيو 1989م علماً أن هذا الرجل لم يكن عسكرياً ألبتة، كنا لا نتجرأ ان نذكر اسمه، وكنا نطلق عليه (الأستاذ) وقد كان في تلك الفترة صاحب شخصية قوية ونافذة، دقيق في تعامله مع الناس يبتسم مع الآخرين بتحفظ شديد، وفي علاقته معنا كأننا أسرة واحدة نتحدث معه بوضوح في كل ما لدينا من قضايا نريد طرحها، وكان يعرف أننا نعرف كل تفاصيل الانقلاب وعملية التسليم والأشخاص والمواقع.هذا الرجل (الأستاذ) عرفته ما لم أعرف أي شخصاً آخراً.. سافرت معه سفرتين طويلتين إلى جنوب السودان، عشت معه في بيته الخاص فترة من الفترات، وقرابة العام كنت لصيقاً به، ونكون سوياً طيلة ساعات اليوم لا نفترق إلا للنوم، نصلي الصبح في جماعة، وهلم جرا.
كانت تربطني به وبأسرته علاقة اجتماعية وأسرية قوية للغاية، ونتبادل الزيارات المنزلية، كنت يوماً ما أحد أفراد مكتبه التنفيذي، ومن جانبه يعرف كل تفاصيل حياتي فالعلاقة كانت اكبر من تنظيم ومن أسرة، ولكن برغم ذلك عندما قدمت له النصيحة بسبب سأحكيه لاحقاً رفض تسليمي مرتب شهرين على التوالي والذي بالكاد يكفيني، في وقت كانت زوجتي في حالة وضوع.قصة الدكتور ..!!لا شك أن الحياة في ظل الحركة (الاسلامية) بعد الانقلاب كان شكلها غريب للغاية إذ فقدت الالتزام بالدين وتضعضع التماسك بين الأفراد والأُسر على حد سواء، فهناك مجتمع الاقتصاديين والسياسيين والأمنيين، وكان الاعلاميين أقلهم شأناً بين كل مجتمعات الحركة، لكن الحركيين في المجال العسكري الذي يضم القوات المسلحة ودوائرها العسكرية التنظيمية كان مجتمعاً كبيراً وصاخباً اتسم بالغرابة في غياب المناصحة حتى بين الافراد أنفسهم والغرور والتباهي بالمقتنيات، وفي ظل هذه الأجواء ظهر في هذا المجتمع شخصية يطلق عليها (الدكتور) وكان واضحاً إلتفاف الناس حوله، وعلامات التوقير والاحترام التي يكنها له، وكنت احترمه برغم عدم معرفتي به وبما يفعله.جاءت الايام وأصبح (الدكتور) قريباً جدا منا وأصبح يُمازحنا ويُخالطنا، وعرفت بعد ذلك أنه حّلال المشاكل خاصة المعقدة منها الاجتماعية والأسرية، وأصبحنا نتشارك الأكل في طاولة واحدة، وبما أن العلاقة كانت على هذا المستوى كان يأتي إلى بيت رئيس التنظيم العسكري آنذاك في اوقات كثيرة ويجلس مع زوجته في وجود باقي أطراف الأسرة، ويتبادل الحديث معها، وذات مرة أوهمها بأن والدة (الأُستاذ) الطاعنة في السن تضمر لها السوء وتعمل على إيذائها بواسطة آخرين من (الجن) وأنه في استطاعته أن يفك كل هذه (الأعمال) فصدقت الاخت هذا الوهم بعد ترديد قصص وحكايات من نسخ خياله المريض، وكان يقوم بأدوار قذرة في مسعى لانفصال الأسرة عن بعضها، وكان يرمي لها أوارق المعروفة لدينا ب(المحايات) ويتركها تحت باب المنزل، ويتصل بها من الخارج ويذكر لها بأن (الجن) أخبره بأن والدة (الأُستاذ) قد رمت لك أوراق فيها ضرر كبير عليها وعلى أولادها، و(الاستاذ) مشغول بمهامه الكثيرة ولا يدري شيئاً.
وتيسر ليّ معرفة الاوضاع النفسية الخطيرة التي تعيش فيها زوجة (الاستاذ) وهي انسانة طيبة و فاضلة ودرست الجامعة مع زوجتي، ونحن كأسرة تربطنا علاقة قوية امتدت لسنوات، فقررت أن أخبر (الأُستاذ) بما يحصل مع زوجته، وترجيته رجاءً شديداً أن لا يلقي عليها اللوم وأن لا يأخذ منها موقف سلبي لأنها لم تذهب لـ (الدكتور) لكن هو من جاء إليها في البيت بسبب علاقته التنظيمية معه أي (الأُستاذ)، فما كان منه إلا أن أخذ موقف سلبي تجاهي، فأصبح لا يطيق التعامل معي، ومنعني مرتب شهريين عمل عندما كان وزيراً، تماماً كما حدث ليّ في (مؤسسة الفداء للانتاج الاعلامي)، فانسحبت سهلاً بدون أي ضجة، وكأن شيئاً لم يكن، ولم أفكر ألبته في شكواه وقلت في نفسي إلى من أشكتيه ..هذا هو (راس القايدة) هو الذي عين عمر البشير رئيساً، كل البلد في قبضته، وبرغم ظروفي الصعبة لم أرفع يدي لله شاكياً، فالله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شئ، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصُدور، ثم فوضت أمري لله الواحد الأحد.
شعوذة القوات المسلحة..!!.
أثناء عملي مع رئيس التنظيم العسكري تأكد ليّ أن هذا الدكتور المزعوم يتم استخدامه كمشعوذ في الحرب ضد الحركة الشعبية وهو معروف لدى كبار ضباط الاستخبارات العسكرية بالقيادة العامة، ويقود سيارة لاندكروزر ويدخل بها أي مكان في العاصمة، كما هو معروف لدى القائمين على التنظيم العسكري للحركة (الاسلامية)، وذات مرة سألت أحد الاخوة عن طبيعة عمل هذا الرجل فقال لي أن (الدكتور) المزعوم أفهم القيادة العسكرية بأن له علاقة مع (الجن) وبامكانه معرفة ما تضمره الحركة الشعبية من خطط عسكرية تجاه المحاور العسكرية في الجنوب، ومعرفة مواقع جيش الحركة الشعبية في مناطق القتال، لكن الغريب أن يتم التعامل مع مشعوذ في الوقت الذي كانت فيه قوات الحركة الشعبية في حالة تقدم واستحواز على مناطق كثيرة، الامر الذي يشير إلى أن الله سبجانه وتعالى قد أعمى بصيرتهم تماماً مع انشغالهم الدائم بالدنيا وملذاتها.
عزيزي القاري لا داعي أن استرسل في المواقف التي مرت بي مع (الأستاذ) في فترة شّكلت تاريخ السودان السياسي الحديث في خواتيم القرن العشرين، فأتركها لكتاب كبير سأنشره إذا مد الله في أيامي حتى يعرف الناس والأجيال الجديدة من أبناء بلادي أن علاقة (الانقاذ) بالدين الاسلامي علاقة الذي يبحث عن حل لمشكلته الآنية فقط، وعلاقة من يستأثر بالسلطة على حساب الناس، لاعلاقة إقامة العدل، ولا ترسيخ قيم ولا تحقيق تنمية ولا يحزنون، علاقة من يستغل الدين كوسيلة لتحقيق مآرب ذاتية.
هناك الذين عاشوا الكذب ووجدوا فيه (حلاوة) بالمعنى (المصري) وأصبحوا يتبارون في مدح (الانقاذ) وترسيخها لقيم الدين والعدل، وتحقيق الانجازات للشعب السوداني من أمثال الدكتور محمد وقيع الله الذي كشف مؤخراً عن مستوى تدينه الحقيقي في سجاله مع الدكتور عبدالوهاب الأفندي بالشيمة المكررة والسمجة رفعت من قدر الأفندي أكثر مما نالت من صاحبها ورمته في مزبلة التاريخ، وهذا مصير كل الذين يسوقون أفعال النظام طال الزمن أو قصر فإنهم ذاهبون الى مزبلة التاريخ ومحكمة الضمير الانساني.
وإذا قال أحدهم بأن كاتب هذا المقال قد أفشى أسراراً عسكرية ما كان ينبغي له أن يكشفها، لكنني أقول لهم هذه ليست أسراراً عسكرية وقد فات عليها أكثر من 10 سنوات في العرف العسكري قد انتهت صلاحيتها، ثم أن الحركة (الاسلامية) قد دخلت في شراكة مع الحركة التي كانت متمردة، لا ضرر ولا ضرار، وإذا قال قائل انها أسرار اجتماعية وأسرية فأقول أن في نشرها عبرة لقادة النظام، وللحاكمين الجدد والآتين في ثنايا الغيب، وفي الحقيقة أنا أستهدف من خلالها الأجيال الجديدة القادمة من رحم التأريخ بأن يستفيدوا من هذه العِبر، ومن التاريخ (الانقاذي) الذي أورث بلادنا خراب الضمائر والنفوس.الكذب أصبح منهج تمارسه الدولة، وأصبح يُمارس في اعلامنا الفضائي منذ بداية الإرسال وحتى نهايته، فماذا ننتظر من جيل ناشيء جديد يُكذب فيه قادته على الشعب كل يوم، ولذا نحن نكتب ونكتب ونكتب حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً،هذا هو السلاح الذي نمتلكه ونعلم تماماً أنه أمضى سلاح في معركة بدون تكافؤ القلم ضد السلاح والجبروت.
موقع (مجلة صدى الأحداث) الالكترونية

أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الاطفال ..؟

أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الاطفال ..؟
بطبيعة الحال أن كل الذين شاركوا في الحرب اللعينة التي قتل فيها السوداني أخوه (السوداني) سواء في جنوب، أو في شرق أو غرب السودان، تمر عليهم الكثير من الذكريات المؤلمة، أنني شخصيا أشعر بتأنيب ضمير شديد عندما كنت في تلك الساحة في ديسمبر من العام 1995م فيما يعرف برد الهجوم الذي أطلقت عليه الحركة الشعبية بقيادة الفقيد جون قرنق (الأمطار الغزيرة) هذه العملية العسكرية الكبيرة والتي قتل فيها المئات بل آلاف السودانيين من الجانبين، تختلف عن كل العمليات العسكرية في جنوب السودان لما فيها من مفارقات وتجاوزات إنسانية، تجعل من الهدف الكبير للحرب ضد (المتمردين) علامات استفهام كبيرة متمثلة في الموقف اللا إنساني للحكومة السودانية إذ استعانت لفترات طويلة بجيش الرب اليوغندي الذي يتزعمه المتمرد اليوغندي جوزيف كوني وهذا الجيش للأسف استعان بمشاركته إلى جانب الحكومة بحوالي 2000 طفل تبلغ أعمارهم ما بين الثامنة والرابعة عشرة عاما من الجنسين.كانت لحظات محزنة وشعرت فيها بالألم النفسي لوجود هولاء الأطفال معنا في مكان واحد وكان منظرهم يدمي القلوب وهو يحملون الآليات والأسلحة الثقيلة، ومهما يحاول المرء لا يمكن أبدا أن يصور هذه المناظر المرعبة، عشرات من الأنفس البريئة كانت تطوف حولنا في مساء يوم بارد استعدادا للهجوم على أكبر معسكرات (الحركة الشعبية) في الميل 72 في طريق مدينة نمولي الحدودية مع يوغندا في يوم 12 ديسمبر 1995م، أطفال في سن البراءة الواحد منهم يحمل فوق طاقته وما زنته 40 كيلو جرام أو أكثر من العتاد العسكري الثقيل وصناديق الذخيرة، والذين حملوا مثل هذه الصناديق يعرفون كم هي قاسية الحمل في مسيرة قد تبلغ الساعات الطوال، وأحيانا اياما من السير في الطرق الوعرة، والرطوبة العالية حيث تتبلي الملابس تماما مما تصيب المرء بالإعياء وفي الغالب التهاب الصدر و المفاصل الذي يعيق الحركة، وهذا ما حدث لي شخصيا، فكيف بالأطفال..!!.
يا إلهي.. انه أمر فظيع..
مهما أحاول لا يمكن أن أصور شكل الدموع الجافة على وجوه الصغار لا أجد لذلك سبيلا، ولم يكن هناك جنودا كبار السن وهولاء لا يتعدون العشرين من بين المئات من الجنود (الصغار) بالكاد تميز بين الذكر والأنثى، يساقون كالقطيع تماما يشهد الله على ذلك، وعلى بعد كل مائة (طفل) هناك جندي يوغندي يحث الأطفال بسرعة التحرك، و يضرب أحيانا الطفل في مؤخرته أو ظهره كي يستعجل ولا يبطي، في أجواء غريبة على عالم الطفولة، صوت الدبابات والمجنزرات وهي تتحرك إلى مكان قريب من بداية المعركة، مع صوت أجهزة الاتصالات اللاسلكية،، لحظات من التوجس والترقب والأوامر العسكرية من القادة هنا وهناك بالعجلة، وطقطقة الأسلحة الشخصية كل هذه الضجة تجعل المحارب يعيش في لحظات غريبة، والمحارب أو المقاتل قاب قوسين أو أدنى من الموت،، لحظات صعبة حتى على كبار السن،، فكيف بالأطفال الصغار..!!عندها كان ابني (أحمد) لا يتعدي الثلاث سنوات، وأبني (أواب) رضيعا في حضن أمه، لكن رغم ذلك تخيلت أن (احمد وأواب) من بين هؤلاء الجنود المحملين بالسلاح و العتاد، وثمة آخرين يضربونهم ويذلون كرامتهم، ولذا كنت كثير التفكير في مضمون هذه الحرب التي اندلعت من أجل الدفاع عن الأرض والعرض، والمفارقة أن الجانبين المتقاتلين يحاربون تحت راية واحدة هي الدفاع عن الوطن و تحرير الأرض من الأعداء ..
ولكن ما بال هولاء الأطفال والنفوس التي خلقها الله كي تنعم بالأمن والأمان تحتاج إلى الرعاية والاهتمام تقاتل وتحمل روحها بين جنبيها وفي تلك الساحات تتعدد الأسباب والموت واحد،، الأمراض والإعياء والإرهاق الجوع والمسغبة وضرب القادة العسكريين.وأنا ومن معي في تلك الغابات الكثيفة كنا نتساءل أين ذهبت الحيوانات التي اشتهرت بها غابات جنوب السودان، ولماذا هربت حتى الطيور من هذا المكان، وكان واضحا ان لون الأخضر قد تحول إلى ألوان أخرى بسبب الحرب، ولم يبغي من الغابة إلا اسمها،، تتزايد الأسئلة الملحة في مخيلتي كلما نظرت لجنور جيش (الرب) وهم يحملون الأثقال،، لماذا ترضى الحكومة السودانية صاحبة المشروع (الإسلامي الحضاري) باستغلال هؤلاء الأطفال القصر والزج بهم في حرب ضروس لا غالب فيها ولا مغلوب..؟!
ألم تكن الحكومة هذه قد وقعت على كافة قوانين الأمم المتحدة التي تحظر الإساءة إلى الأطفال، وتشدد على تقديم الخدمات لهم، وأليس هذا أمرا مهولا ومستغربا أن تنفذ الحكومة في السودان حملات التطعيم ضد الشلل للأطفال بميزانيات طائلة على كامل التراب الوطني، وتقتل أطفالا آخرين في الجنوب..؟ .
وتحت أي مصوغ.. ديني وسياسي تم ذلك؟؟
وأي مكاسب هذه التي تجنيها الحكومة السودانية على حساب هؤلاء الأطفال الصغار، ولماذا يستخدم جيش الرب أطفالا قصر في حربه ضد الحكومة اليوغندية..؟؟.يا إلهي ما هذا الذي يحدث.. وثمة أسئلة كثيرة كانت تصول وتجول في ذهني ولا تجد الإجابات الشافية،، وتزداد الأسئلة إلحاحا كلما نظرت تجاه هؤلاء البؤساء الذين كان قدرهم أن الله جلت قدرته ولحكمة يعلهما وهو وحده ..أوجدهم في هذا المكان من العالم..
ولمن لا يعرف فإن أطفال جيش الرب اليوغندي يبلغ عددهم حسب إحصائية للأمم المتحدة حوالي 40 ألف طفل،يشكل القصّر ما يقارب 90 بالمائة من جنود جيش الرب للمقاومة، ويتم ضمهم إلى الجيش من خلال الإغارة على القرى، فتتم معاملتهم بوحشية وإجبارهم على ارتكاب ‏الفظائع في حق أقرانهم من المختطَفين، بل وحتى ضد أخواتهم.
أما من تسول له نفسه الفرار، فيتم ‏قتله، بذلك يصبح العنف بالنسبة لهؤلاء الأطفال الذين يعيشون في حالة من الخوف الدائم أسلوباً للحياة.في تلك اللحظات عندما أتذكر أبنائي فإن أول ما يتبادر إلى ذهني طفولتهم البريئة وعفويتهم الصادقة، وفرحهم الذي يتجسد من خلال لعبهم وألعابهم المتنوعة التي يعبرون فيها عن ذواتهم، والتي تنمي مداركهم العقلية والذهنية حيناً، وتبعث في نفوسهم الفرح والسعادة والضحك في أحيان أخرى كثيرة، وأتذكر أن سعادة أبنائي هي غايتي وهدفي الدائم في الحياة، فكيف بالله أتحمل رؤية أطفالا مدججين بالسلاح الثقيل، ودموعهم يبست ولم تجد من يمسها، وصرخات أناتهم لا تجد من يوقفها بكلمة حلوة أو قبلة ترسم في وجوههم أهميتهم في الحياة.ولكن ثمة سؤال لم أجد له إجابة حتى اللحظة.. أي شريعة هذه التي تنتصر بجماجم الأطفال..؟؟.
الحوار المتمدن - العدد: 1444 - 2006 / 1 / 28