السبت، فبراير 14، 2009

عفوًا .. عندما يكذب علي عثمان محمد طه..!!

عفوًا .. عندما يكذب علي عثمان محمد طه..!!
ردا على النائب الاول علي عثمان محمد طه في حديثه لبرنامج في الواجهة التلفزيوني يوليو 2004م
خالد أبواحمد –
مدخل: "تستطيع ايها الانسان ان تخدع بعض الناس كل الزمن وان تغش كل الناس بعض الزمن، لكنك تعجز عن ان تخدع كل الناس كل الزمن" الرئيس الامريكي ابرهام لنكولن (محرر العبيد في امريكا) كثيرا ما نسمع البعض يكرر العبارة الشهيرة القائلة بأن (الحقيقة مُرة) .. ولكن ثمرتها في نهاية المطاف حلوة ولا يجد الانسان مذاق احلى منها، لأنها حقيقة.. ولكن في يقين الكثير من الانظمة الغاشمة المستبدة أنه لا حقيقة بدون لسان قوي.. سليم النطق.. يعرف كيف تخرج منه الكلمات (الاكاذيب) والاوهام جميلة مموسقة,, كما تؤمن هذه الانظمة بأن لا حقيقة بدون قلم جرئ يدبج المقالات ويدير الحوارات التي تبثها قناة الحكومة الرسمية, فهؤلاء نتيجة لشعورهم ب (الفرعونية) لا يؤمنون واقعا بأن (الأعمار بيد الله وحده) وان (الله غالب على أمره) كل الامور بيده وليس في يد المستعمرين وشذاذ الأفاق، مهما بلغت قوتهم، ومهما قسوا في إجرامهم, ومهما استخدموا الاعلام واشتروا الاقلام، وكسروا نضالات الاحرار بعد ان ضاقت بهم السبل. وقد يجهل الكثيرون من الكتاب والباحثين في أحيان كثيرة أهمية ما يكتبون، وبالأحرى مدي تأثير كتاباتهم وافكارهم، المدونة علي الورق، في نفوس المعاصرين والأجيال اللاحقة، أفراداً كانوا أم جماعات أم شعوباً بكاملها. هذا المدخل رأيت ان ابدأ به ما آراه الحقيقة في حديث النائب الاول لرئيس الجمهورية على عثمان محمد طه ردا على جملة من الاكاذيب والاوهام التي بثها عبر برنامج (في الواجهة) التلفزيوني بمساهمة كبيرة للغاية من الصحفي الحكومي أحمد البلال الطيب,( مع كامل احترامي وتقديري لشخصه) الذي كان مبتهجا وفرحا للثمالة وهو (يقراء) لسعادته الاسئلة المكتوبة بعناية لا تلامس الحقيقة التي يعرفها الشعب السوداني على امتداد المعمورة , ويمكن لهذه المقابلة والتي نشرتها صحيفة (اخبار اليوم) كاملة ان تكون وثيقة إدانة بالكذب على الشعب السوداني وعلى العالم قاطبة, ما دامت تمثل أحد عناصر التردي الذي أصاب المجتمع السوداني, وبدوره أخل بكل الاعمدة الرسمية التي كان يعتمد عليها في تثبيت معاني وجوده على الارض من طيبة ومثل عليا لا توجد في غالبية الدول العربية والاسلامية, ومن سماحة وتواضع وتميز وتاريخ ناصع البياض ضارب في القدم.
في أول سؤال لمقدم البرنامج كانت صيغة السؤال كالتالي:
خمسة عشر عامًا مضت من عمر الانقاذ وقطعا تحقق الكثير من مشروع الانقاذ والحضاري للنهوض بالسودان. فكيف يقرأ النائب الاول الخريطة الفكرية للانقاذ اليوم ؟
بالطبع الاجابة ستكون بالمقاس التي اراده الزميل البلال الطيب فقال النائب الاول في جزء من أجابة الطويلة " وفي هذا السياق استطاعت الانقاذ ان تطرح رؤى واضحة من خلال تأسيسها لدستور البلاد يحتوي علي جملة من المبادئ التي تصلح اساسا لادارة اوضاع البلاد في هذه الفترة وتؤسس للفترة المقبلة هذا الدستور في تقديرنا قد تضمن حصيلة تجارب الحكم والادارة في السودان في الفترات الماضية ونظرا الي التجارب المعاصرة والي المبادئ الدولية وتضمنها . ثم جاءت التجربة العملية بانشاء مؤسسات للدولة تأسيسا للامركزية الحكم وتأسيسا للحوار الوطنى الحر والبناء لمناخ ديمقراطي يستطيع المواطن فيه فردا او مجموعة ان يعبر عن ارائه ويشكل هذه الاراء ويجسدها في شكل مؤسسات تدير حواراً مفتوحا مع الساحة".
*والقاري والمستمع الي هذا الادلاء غير المثمر وغير الحقيقي وخاصة في الحديث انشاء مؤسسات الدولة وتأسيس الحوار الوطني الحر المزعوم إلخ يكتشف القاري والمستمع حجم الكذب والنفاق ان مؤسسات الدولة ولأول مرة في تاريخ السودان تنشئ على الفكرة التنظيمية (الاسلاموية) والتي تعود فوائدها في المقام الاول على الحركة الاسلامية لا على المواطن السوداني أيا كان موقعه, واذا جاء الحديث عن الحوار الوطني الحر هذه اكبر أكذوبة لنائب رئيس جمهورية في حجم السودان لأن (الانقاذ) هذه لم تعرف في تاريخها اي حرية لحوار ولا حتي داخل تنظيم الحركة الاسلامية ولا تنظيم المؤتمر الوطني الحكومي فعن اي حوار حر يتحدث النائب الأول, في الوقت الذي يعلم فيه القاصي والداني ان الآراء المخالفة لآراءه داخل الحكومة ومؤسساتها يكون جزاؤها الاقصاء سواء بالألة الامنية العسكرية او القانونية من خلال (حرب الملفات) القذرة التي لم يعرف مثلها تاريخ الصراع السياسي على السلطة في السودان حيث ترفع ملفات الفساد لكل من يخالف رأئه راي السيد المبجل او اي من مجموعته المعروفة والتي تضم مدير الامن والمخابرات صلاح عبدالله ونافع على نافع وعوض الجاز وأسامة عبدالله ما لا يستطيع كائن من كان ان يخالف رائهم ويستمر في العمل السياسي تبع الحكومة, وهذا الامر يؤكد ان (الانقاذ) دولة غير دولة مؤسسات, بل دولة يمكن ان نسميها اذا جاز التعبير دولة عصابة تشبه الي حد كبير (المافيا) في تصفية حساباتها مع الآخرين سواء كانوا دولة او مجموعة قبيلة او حزب أو مؤسسة, وقد قاموا بالفعل بتصفية الرئيس المصري لكن الحظ لم يبتسم لهم, وقاموا بتصفية رئيس لجنة التحقيق في محاولة الاغتيال نفسها وفي وضح الشارع وأمام أسرته زوجته وأبنائه, و بالطبع هذه الأحداث والملابسات لا يتطرق اليها الاعلام السوداني من قريب ولا بعيد وعندما تحدث الكاتب عثمان ميرغني عن محاولة اغتيال حسني مبارك بعد لقائه مع رئيس تحرير جريدة مصرية مرموق عند زيارته للخرطوم تم اعتقاله وهدد اذا ما عاد للكتابة مرة أخرى في هذا الموضوع, وهنا لا يفوتنا ان نذكر بمزيد من الألم ان الانقاذ أسست لفكر التصفيات الجسدية ولم تسبقها في ذلك حتي الاحزاب اليسارية في السودان, هذا هو كسب السودانيين الحقيقي من الانقاذ..!!.
وفي مواصلته للاجابة على السؤال قال النائب الاول وهو يبتسم " استطاعت الانقاذ ان تؤسس لحرية الصحافة والنقد والتداول العام حول الموضوعات وان تنشئ اجهزة رقابة من خلال الانتخابات وتأسيس المجالس التشريعية والبرلمانية علي المستوي الولائى والاتحادي لتقوم بدورها في محاسبة الجهاز التنفيذي مرسية بذلك مبدأ الشفافية والمحاسبة العامة لاداء الاجهزة وان تؤسس لحكم القانون بانشاء قضاء مستقل ترسخت هيبته واحترامه لدي المواطن اولا من حيث انه يبني علي اعراف وقواعد لتحقيق العدالة ليست غريبة علي الوجدان السودانى فالقوانين والتشريعات التي سنت في خلال هذه الفترة استمدت كلها من ضمير الشعب ومن معتقداته فان القوانين التي اسست علي قواعد الشريعة الاسلامية هي تعبير عن التعايش والتصالح بين المجتمع وبين القوانين والقيم التي تحكمه" انتهي حديث النائب الاول.
وهنا لا بد ان يحس الانسان بالمرارة والخنق والالم مع الرغبة في البكاء والصراخ والسؤال بأعلى صوت (أين حرية الصحافة والنقد والتداول العام) والصحف تغلق وتصادر من المطبعة واحيانا من الاسواق علاوة على التهديد النفسي والمعنوي للكاتب, والاغراءات المادية التي طالت عدد كبير من الاعلاميين المؤثرين واصحاب الاقلام, وقبل فترة لا تقل عن العام كان الجميع يتساءل بحق وحقيقة أين مقالات فلان وفلان التي كانت تنشر في الشرق الاوسط اللندنية وتنتقد ممارسة الانقاذ للسلطة وأين الصحيفة المعارضة التي كانت في الخارج, أحضرت للخرطوم واصبحت الملايين من أموال الشعب السوداني تتنزل في حساب اصحاب الامتياز وانهالت على الصحيفة الاعلانات الحكومية والخاصة بالمصارف والشركات الرسمية وافرغت الصحيفة من محتواها, ويمتهن السيد النائب الاول الكذب عندما يتحدث عن حرية الصحافة في السودان في الوقت الذي يغلق فيه مكتب قناة الجزيرة ويعتقل الزميل اسلام صالح لأنه قال الحقيقة (المرة).
ليس هناك فجيعة في حديث النائب الاول الا عندما تحدث عن (اجهزة رقابة تقوم بدورها في محاسبة الجهاز التنفيذي مرسية بذلك مبدأ الشفافية والمحاسبة العامة لاداء الاجهزة وان تؤسس لحكم القانون بانشاء قضاء مستقل ترسخت هيبته واحترامه),,,,, يا الله,,,,,,,كم هذا الرجل كاذب ويتحري الكذب,, اي اجهزة رقابة تلك التي يتحدث عنها, ولم نسمع منها يوما انها قدمت أحدا للعدالة, وهنا لا بد ان يعرف القاري الكريم حادثة معينة توضح نمط الحكم الذي يتحدث عنه النائب الاول, اذ ان المجتمع الاقتصادي في العاصمة الخرطوم جله يعرف ان أحد (الاسلاميين) الذي كان يترأس مجموعة شركات بنك النيلين أكبر سارق لأموال الشعب وكل الصحافيين الذين يعملون في الصحافة السودانية من بداية التسعينات الي الان يعرفون حتي حجم الاموال التي اقترفها ذلك (المهندس) ليس هذا فحسب بل ان شخصية مصرفية مرموقة ومشهورة قابلتها قبل أكثر من عام ونصف العام أكد أنه ومجموعة من القانونيين والمسئولين في البنك المعني كانوا قد حصروا الاموال التي استولى عليها الرجل من البنك ومجموعة شركاته وتم معرفة هذه الارقام بالتحديد وتم عمل ملف خاص بالقضية توطئة لتقديمه الي ديوان الثراء الحرام ومن ثم المحكمة, وقبل أن تصل الامور هذه المرحلة أرسلت شخصية قيادية كبرى رسولا من عنده قام يتوبيخهم على فعلتهم مذكرًا لهم بأن الرجل قيادي (اسلامي) ومن الصفوف المتقدمة وأن اخاه شهيد عرف بأخلاصه ونزاهته ثم تناول منهم ملف القضية وسلمها الي الشخصية القيادية النافذة, ويمكننا ان نقيس على ذلك عشرات الشخصيات التي نهبت أموال الشعب ولم تعرف العدالة النزيهة التي يتحدث عنها السيد النائب الاول طريقها اليهم, وشخصيا ممرت بأكثر من تجربة فساد عشتها شخصيا وكتبت عنها حينها في أكثر من مقال وكشفت فيها حجم الفساد التي يمارس في أكبر مؤسسة (تنظيمية) و(اسلامية ) وحكومية هي مؤسسة (في ساحات الفداء) والمنسقية العامة للخدمة الوطنية, والعدالة التي يحدثنا عنها الاستاذ على عثمان هي في خياله فقط ولم تجد طريقها لأرض الواقع ولأنها اذا وجدت طريقا للواقع فهو أول من يسجن ويلقى جزاءه.
ومن التجارب الشخصية أيضا التي عشتها شخصيا حادثة مقتل الطالب النابغة غسان أحمد الامين هارون في معسكر التدريب الموحد للخدمة (الوطنية) حيث ضرب ضربا مبرحا من (التعلمجي) أدت الي وفاته وقد أثبت التقرير الطبي بعد تشريح الجثمان, الذي حرره الدكتور عبدالله عقيل ان الطالب مات نتيجة لضرب في اماكن كثيرة حساسة وتبع ذلك الكثير من ملابسات مقتل ابناء واطفال ونساء ورجال قتلوا ومنع أهليهم من التقاضي لان المؤسسة العسكرية ذات سيادة كما يكرر وزير العدل (محمد عثمان يسن) لا يحق لأحد مهما كان ان يقاضيها لان دولة (الاسلام) في السودان تحرم ذلك, ويتحدث السيد النائب الاول على الهواء مباشرة عن دولة العدل والنزاهة والشفافية, واذا جاء السؤال الموضوعي والمنطقي 15 عام من حكم(الاسلاميين) من قدمت (الانقاذ) للمحاكمة من الذين اثروا من أموال الشعب..؟؟ واذا لم يكن فرجال الانقاذ ملائكة آتين الينا من السماء ولذا حق عليهم حكم السودان الي ان يرث الله الارض ومن عليها..!!.
في فقرة أخرى من الحوار التلفزيوني الذي يفجر شرايين القلب من الاصرار على الكذب و صناعة الاوهام يقول السيد علي عثمان محمد طه في جزئية من اجابة للسؤال عن الفكر الذي تحمله الانقاذ قال النائب الاول: " الانقاذ قد تأسست علي انها حركة وجدان اجتماعي يريد ان يعقد صلحا بين الفرد وضميره وبين الفرد والجماعة وبين الجماعة وخالقها وهذا هو البعد الديني للاساس الفكري الذي تأسست عليه الانقاذ في الفترة الماضية فنجد ان قواعد الاسلام واحكام الشريعة قد تضمنتها ليس فقط جملة القوانين والمواثيق والدستور الذي اشرت اليه ولكن حتي في الممارسات اليومية قد تجسدت هذه القيم في حركة المواءمة بين المعاصرة وبين الحرية الفردية وبين حرية الجماعة والتزامها بالقيم الاجتماعية العامة لقد نشطت جدا الدعوة للتخلق والتمسك بالقيم الفاضلة وتمثلت في كثير من المشروعات التي قامت لاحيائها في المجتمع".
وعندما يتحدث سعادة النائب الاول في المقطع السابق وكأني بشهرزاد تتحدث عن واقع لا يوجد الا في "ألف ليلة وليلة" ويستمتع المستمع بهذه الخيالات الواسعة التي تخرج الانسان من لحظات الممل, ولكن عندما يتحدث النائب الاول عن الانقاذ ويصفها بأنها حركة وجدان اجتماعي عليه أن يستحي وان يلطف بنفسه قليلا لأن مفردة (الاجتماعي) هذه هي أكثر العوامل التي أدت الي فشل نظام الانقاذ على كل المستويات, وعلى المستوي الحاكم ظل المجتمع الخاص بالنخبة الحاكمة يعيش في وادي بعيد جدا عن أودية المواطنين, بل ابتعدت وغابت الشخصية (الحاكمة والمتنفذة) عن اسرتها أكثر مما غابت وحدثت الكثير من القصص والحكايات التي يمكن ان تصلح لعمل مسلسل اجتماعي كبير تستفيد منه كافة الحركات الاسلامية التي تريد ان تصل الي كرسي السلطة فقصص الزواج (السري) والزواج (النهاري) من السكرتيرات قد فضحت مجتمع (الانقاذ) الحاكم أما الشعب المكلوم والمغلوب علي أمره قد تاه في البرية ما بين مهاجر ومشرد وطالب لجوء سياسي والبقية تنتظر ما حل بدافور..!!.
مرة آخرى يسأل الزميل احمد البلال النائب الاول من الاسئلة اياها ويقول في سؤاله: رغم ان هنالك طفرة ظاهرة للعيان في خدمات الناس في كل انحاء السودان الي ان الشكوي من ضعف الخدمات ماتزال باقية في بعض المواقع. ما رأيكم؟
ويجب بكل سعادة غامرة السيد على عثمان محمد طه ويقول:
"مع طلوع الشمس وتقدم العلم والتقانة وما تفرزه الفضائيات وسرعة الاتصال والتأثير والتأثر في العالم تنفتح آفاق يومية لطموحات الناس اكبر من قدراتهم الذاتية واكبر من قدرات المجتمع والدولة هذه حقيقة لابد من التسليم بها . نحن نتحدث عن امكانات متواضعة لدولة نامية تريد ان تخرج من دائرة الفقر والتخلف لتدخل دائرة النمو والتطور . ولكن الامال والطموحات للافراد بلا حدود . ولذلك فان المواءمة والربط بين التوفيق بين طموحات الافراد والمجموعات وبين قدرة الدولة علي توفير جانب من هذه الطموحات في شكل تحسين للخدمات يظل تحديا يواجه كل قيادة سياسية . الذي نثق فيه ونطمئن اليه هو ان ما تحقق حتي الان هو محل اعتبار وتقدير من الشعب السوداني" .
وعندما يقول النائب الاول ان امكانيات السودان متواضعة ودولة نامية فهو يظلم السودان ويظلم شعبه فالسودان معروفه امكانياته الضخمة وغير المحدودة, ولكن دائما يخيب ظنه الساسة امثال النائب الاول المحترم, اذا نظر اليه من كافة الجوانب الثروات الطبيعية والامكانيات البشرية والمادية لكن دولة سعادته (الانقاذ) جاءت بالطموح غير الموضوعي في الاستيلاء على السلطة ومحاربة (الاعداء) دمرت امكانيات السودان الهائلة كما باعت الدولة كافة المشروعات التي كان بامكانها حل مشكلة الغذاء على مستوي القارة الافريقية الومنطقة العربية ولكنها سخرت لأهداف ذاتية وشخصية ضيقة, ويشهد التاريخ ان قادة السودان في هذه الفترة خرجت طموحاتهم من حدود بلادهم الي اماكن أخرى كثيرة, وقد لا يعلم الناس هذه الحقيقة انه ما من صراع في دول الجوار الا وكانت ايادي النظام موجودة فيه, ويوما ما ستتكشف هذه الاصابع ومن يقف ورائها.
في جانب آخر من الحور التلفزيوني يفتري علي عثمان محمد طه على الله الكذب ويقول " الذي نثق فيه ونطمئن اليه هو ان ما تحقق حتي الان هو محل اعتبار وتقدير من الشعب السوداني وهو اكبر تفسير لظاهرة الاستقرار السياسي التي ينعم بها السودان مهما زايد المزايدون علي قضية الامن وقضية الحريات فان القناعة الاساسية هي ان ما يتوفر الان من استقرار مرده الي احساس المواطن بجدية الحكومة وحرصها علي معالجة القضايا الحياتية والحيوية واحدة بعد الاخري"
ولا أدري كيف اعلق على هذه الكذبة الكبرى المتمثلة في الاستقرار السياسي الذي ينعم به الوطن وأحساس المواطن بجدية الحكومة ولكن الذي نعرفه تماما ان المواطن السوداني ما عاد يصدق ما تبثه القناة الفضائية السودانية لما فيها من أكاذيب تحرص الحكومة على تثبيتها وفرضها على الناس, كما ان المواطن يدرك تماما ان الحكومة التي يعنيها النائب الاول غير حريصة حتي على وجودها هي, فأصبح لها أكثر من خمسة ناطقين رسميين باسمها هذا ينفي وهذا يؤكد وقد كشفت العديد من الاحداث التي مرت بالسودان في الفترة الاخيرة كيف ان الحكومة ضعيفة ولها أكثر من رئيس.
واذا جاء الحديث عن التعليم في السودان والله و تالله انها فضيحة الفضائح, ولا أدري ان السيد النائب الاول اصبح كالرئيس البشير ينطق بغير استشارة وبدون اي مراعاة للذوق العام, وتحضره الهاشمية في اي مكان وفي اي لقاء صحفي, ونحن خارج الوطن الان نعرف ان المعلمين في أكثر من منطقة لا يستلمون مرتباتهم لأكثر من اربعة أشهر رغم نداءات الرئيس عمر البشير نفسه وفي أكثر من مكان, ليس هذا فحسب بل ان الكثير من المدارس وفي داخل حدود ولاية الخرطوم يجلسون على الارض, وكانت المملكة العربية السعودية في العام الماضي قد اجلست طلاب مئات المدارس الذين كانوا على الارض, ولا زالت هناك مدارس وطلاب صغار يعانون من الدراسة على الأرض, برغم الصرف البذخي لمناسبات الحكومة والتي تدخل في جيوب مؤيديها, ولكن أكبر دليل على كذب النائب الأول ما كتبه الزميل الصحفي ضياء الدين البلال في عمود بصحيفة الرأي العام بتاريخ 21يوليو 2004م بعنوان كهر بائيات وبالنص ذكر الأتي:
لك أن تضحك أو تبكى.. ويمكنك كذلك أن تجمع بين الاثنين.. دون أن يستدعى ما تفعل عرضك على طبيب نفساني.. قبل فترة نقلت الأخبار أن المعلمين فى ولاية محددة ونتيجة لتأخر مرتباتهم ومماطلة لحكومة الولاية في دفع تلك المرتبات قاموا بمظاهرة صاخبة اعتدوا فيها على المدارس ومباني وزارة التعليم.. الأساتذة يحملون حجارة ليعبروا بها عن مواقفهم.. والتلاميذ بالطبع لم يلعبوا دور الجودية والوسطاء ولكن أعانوهم على ما يفعلون.. وحكومة الولاية التي أوصلت المعلمين الى حمل الحجارة فى الطرق ليحصبوا بها مدارسهم.. وقبل ذلك يحصبون كل قصائد الشعر وحكم الوعظ التي ترسم صورة ذهنية مثالية عن المعلم.. لم تجد فى نفسها حرجاً أن تواصل مسيرتها الحاكمة المستنعمة بخيارات السلطان كأن شيئاً لم يحدث.. وقرأ الجميع الخبر ومروا عليه الى بقية الأخبار دون أن يأخذ الحدث أدنى إنتباه..!! ثم تأتي قضية دارفور في الحديث التلفزيوني للنائب الاول والذي كعادته لم يصدق في حديثه ولو لمرة واحدة وهو يعلق حول أمهات القضايا التي تشغل بال العالم مثل قضية أصبحت الآن مادة دسمة للتناول الصحفي والاعلامي بل الاجتماعي الذي يصور ان الشماليين في السودان لا يرضون بعيش الآخرين معهم, رغم القواسم المشترك بينهم, , وهنا يجهز الزميل أحمد البلال الطيب لضيفه الاجابة من خلال السؤال التالي:
هل ما يجري الان في ولايات دارفور له علاقة كما يردد البعض بضعف الخدمات والتنمية في ولايات دارفور ؟..
يقول النائب الاول بدون استحياء " ما يجرى في دارفور له تعبير واضح ، كل متابع للاحدث في السودان وفي دارفور بوجه خاص يعلم ان الصراع في دارفور له اسبابه التاريخية التي تسبق قيام الانقاذ والتي سعت الانقاذ الي معالجتها خلال هذه الفترة ببرامج محددة متمثلة في محاولة توفير وتحسين الخدمات باعتبار ان الصراع بين الرعاة والزراع كان واحدا من اسباب التوتر في دارفور"
والذي يعرفه الجميع في السودان ان مشاكل الرعاة والزراع لا تخلق كل هذه العداوات وهذه الدماء العزيزة التي أريقت, ومثل هذه القضايا تحدث كل يوم في مناطق النيل الابيض وفي البطانة, وفي شرق السودان وفي النيل الازرق وحتي في مناطق بجنوب السودان, ولكن الامر الذي لا يعرفه الكثير من الناس ان السيد النائب الاول ومجموعته لا يرضون أبدا مهما كانت الظروف ان يروا تطور اقتصادي مجموعة قبلية او حزبية أو أشخاص ما لم يكونوا مؤالين لهم في طموحاتهم وفي أفكار الاقصائية, ولا أستدل الا بقصة الاستاذ رجل الأعمال محمد عبدالله جار النبي وهذه قصة طويلة يطول شرحها ولكن المهم فيها أنهم عندما أدركوا ان (جار النبي) وشركته ستكون هي المستفيدة من تصفية البترول السوداني بما يعود عليها بالاموال الهائلة والضخمة وهو اي (جار النبي) الذي فتح للسودان خيرا كثيرا من خلال شرائه لحق امتياز شركة شيفرون, وهو الذي اشتري المصفاة من الخارج وخسر فيها مئات الملائين من الدولارات حتي تصل الي أرض الوطن, من أجل ان ستستخدم لتصفية الخام السوداني فما كان منهم الا ان ابعدوا الاخ محمد جار النبي من الساحة ورموا فيه الكثير الاتهامات على طريقة تصفية الحسابات من خلال حرب الملفات التي ذكرناها آنفا, كل ذلك بدون اي اسباب وجيهة وقد كان الاخ جار النبي يكن لهم كل التقدير والاحترام, كما صدم غاية الصدمة من هذه الفعلة, بل صدم كل من كان يعرف العلاقة بين الطرفين, وكل ذلك بسبب ان (جار النبي) ليس منتميا فكرا ولا قبيلة لهذه المجموعة, وهنا لا بد من معرفة ان محمد عبدالله جار النبي يوما ما عندما كانت الحركة الاسلامية مطاردة ايام الرئيس الاسبق جعفر النميري وصودرت أموالها واملاكها كان من يوغندا يرسل الدولارات حتي تصرف الحركة الاسلامية في الداخل على نشاطها, كما كانت أموال (جار النبي) تصرف على أسر المعتقلين من اعضاء الحركة الاسلامية وظل على هذا الحال السنوات الطوال, حتي عادت الحركة الي وضعيتها هذا طرفا من عقيدة أهل (الانقاذ) في رد الوفاء للذين كانت لهم أفضال مشهود بها..
هذه القصة اردت ان تكون مدخلا للحديث عن أسباب مشكلة دارفور بحسبان ان (محمد عبدالله جار النبي) من هذه الارض الطيبة, يعرف ان مجموعةا كبيرة من أهالي دارفور في العاصمة وغير العاصمة ينشطون في التجارة والاستثمار وهذا من أكثر الاسباب الخفية التي جعلت مجموعة النائب الاول تحس بالقلق من تنامي ظاهرة التوسع الاقتصادي لهذه المجموعات, ولو ان من الطبيعي على الحاكم (الطبيعي) ان يسعد ويفرح عندما يرى ان جزء من الشعب أخذ في الرقي والتقدم الاقتصادي فإن ذلك يساهم بشكل فعال في نهضة البلاد, ولكن (الحاكم) يفكر بالعقلية الامنية والعسكرية, وقد ظل على عثمان محمد طه منذ دخوله الحركة الاسلامية يحلم ان يكون له شأن في هذا الكيان ومن ثم في حكم السودان, وقد عمل بجهد شديد في الوصول الي هذه المرحلة, رغم القضايا العالقة التي تنتظره وتنتظر مجموعته في تدبير محاولة اغتيال الرئيس المصري والأبادة الجماعية لسكان دارفور وقد تظهر قضايا آخرى, ثم ان الاحصاءات الضخمة التي اوردها (الكتاب الاسود) في الجزئين الاول والثاني تؤكد العنصرية التي يتحلى بها النظام الحاكم, وما وجد النائب الاول فرصة الا اختلق اسباب آخرى لمشكلة دارفور, والشكل الذي ظهرت به قوات الجنجويد في دارفور مؤخرا يؤكد الدعم اللوجستيكي الحكومي لها, و قد اكدت كل الدلائل ان الحكومة التي هي شكلت قوات الجنجويد لقتال المعارضة المسلحة في دارفور.
الامر الاخر من الاسباب الحقيقية التي فاقمت مشكلة دارفور ولم يتطرق اليها النائب الاول, هي ان دارفور كانت تعاني من مشكلات كثيرة كان بأمكان الحكومة حلها وارجاع الامور الي نصابها الصحيح لأن اجراءاتها هي التي تسببت فيها, وظل ابناء دافور بكل قبائلهم المتعددة يرسلون المذكرات الي الحكومة المركزية في الخرطوم, الحكومة كانت تتعنت ولا تستجيب, وقبل انطلاقة العمل المسلح باكثر من عام قدم مواطنو دارفور الكبرى بالعاصمة الاتحادية مذكرة اشهدت عليها الناس ووقع عليها (طلاب ومهنيون وبرلمانيون سابقون واعيان وزعماء ادارات اهلية) الي رئيس الجمهورية يعددون فيها مطالبهم بحل المشكلات التي تواجههم هناك, وكعادة الحكومة صمتت, رغم توسلات قيادات ابناء دافور الموجودين في الحكومة, ماهي الا شهور بسيطة كانت الحرب واقعة, ولا يستحي النائب الاول ان يرجع الاسباب الي مشاكل الرعي بين المزارعين والرعاة, وهذا لا يستقيم عقلا.
وأهم عنصر أساسي في مشكلة دارفور وتمثل أمهات القضايا والتي كانت أحدي النقاط الرئيسية في مذكرة أهل دارفور الموجهة الي رئيس الجمهورية, الا وهي قضية(طريق الانقاذ الغربي) والتي يعرف العالمون ببواطن هذه القضية الدور الكبير للنائب الاول فيها, وأذكر انني كنت في معية د. على الحاج نائب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي في زيارة لمدينة كسلا التي اقام فيها الدكتور على الحاج ندوة جماهيرية كبيرة (عام 2000م) وتحدث فيها عن الخلاف بين حزبه والحكومة, وفي ختام الندوة فتح باب النقاش للأسئلة والمداخلات وأذكر انها كانت ليلة ليلا اتسع فيها صدر على الحاج كثيرا من سماع الاسئلة التي تخصه شخصيا بما فيها قضية القصر العشوائي, ثم جاء سؤال من أحد المواطنين عن دور على الحاج في قضية طريق الانقاذ الغربي متهما على الحاج بالفساد, فرد عليه الدكتور على الحاج بالنص ( قضية طريق الانقاذ دي خلوها مستورة)..!! وبذاكرة متقدة اذكر كان هناك شابا صغيرا في السن يعمل مراسلا لصحيفة (اخبار اليوم) وعلى التو أرسل الخبر وفيه هذه الفقرة بالذات في العنوان (خلوها مستورة) وفي اليوم الثاني خرجت الصحف تتحدث عن خلوها مستورة وتسائل الزميل الاستاذ محجوب عروة في مقاله اليومي (وقولوا للناس حسنا) لماذا نخليها مستورة ومناشدا رئيس الجمهورية الكشف عن (المستور) وقد كثر الحديث عن فساد أهل (الانقاذ) الحكومة في (الانقاذ) الطريق, فقمت بسؤال الاخ على الحاج عن المستور, وللأمانة والتاريخ لم يجبني فهو يدرك أنني في النهاية صحفي, ولكن عرفت فيها بعد الحقيقة التي منعت رئيس الجمهورية ونائبه من فك (طلاسم) المستور وهي ان الرئيس ونائبه قد استلفا مبالغاً مالية من إدارة الطريق ولم يرجعانها إلى هذه الحظة.
وهنا أرجو من القاري الكريم ان يتمعن ويتخيل معي كيف يكون الحال اذا كان هذه المبالغ استلفت من قبل اي شخص آخر , من أي مكان غير الولاية الشمالية من الذي كان سيحدث له بالتأكيد كان سيبشع به, ولكن الرئيس ونائبه صمتوا صمت القبور والي هذه اللحظة رغم المناداة المتكررة من الجهات المختلفة لم يفتح باب التحقيق في فساد طريق الانقاذ, ولن يفتح الا ان يذهب هؤلاء من كراسي الحكم, وتعود المياة الي مجاريها..
وختاما أقول ان الحوار التلفزيوني مع النائب الاول طويل وتناول قضايا كثيرة وشائكة, ولم يكن النائب الاول أمينا مع نفسه ابدا, واصبح هذا اللقاء الصحفي وثيقة أدانة تاريخية, كما أن اللقاء الصحفي هو صورة طبق الأصل لحوارات أخرى مع وزير الخارجية وغير لا يصدق فيها وتعتمد على الكذب الفاضح, لأنهم في يقين ان الوسيلة التي يتحدثون منها واحدة ولا يشارككهم فيها أحد كما لا يسمح لأي أحد ان يستخدم الوسيلة الحكومية في نقد الحكومة نقد بالارقام والملابسات, وفي يقيني اذا استمرت حالة الكذب هذا مع زيادة الحصار المضروب على الذين يريدون تبيان الحقائق, فإن موجة من العنف ستندلع في الخرطوم لا محالة لأن للصبر حدود وأن الكبت يولد الانفجار, لأن الحكومة تحتكر المعلومة ولذا لم يكن غريبا ان تغلق موقع سودانيز أون لاين من المشاهدة داخل السودان وضرب الحصار على المواقع الاخرى, فإذا لم تغير الحكومة من استراتيجية الكذب والنفاق والمماطلة واللف والدوران فسيشهد العالم الصفحة الجديدة للواقع السوداني. يوليو 2004

ليست هناك تعليقات: