الخميس، فبراير 12، 2009

نظام يقوم على الكذب لا يمكن أن يكون عادلاً مع شعبه

يستغرب المرء أيما استغراب وهو يشاهد الفضائية السودانية، استغراب ممزوج بالألم، من استمراء الكذب الفاضح والباين بلا حياء لكبار قادة الدولة في السودان لا يتحدثون إلا كذباً، مثلاً عندما يقول رئيس الجمهورية أو نائبه أو أي وزير في الحكومة " إن الانقاذ رسخت قيم العدالة والفضيلة" فأي عدالة يتحدثون عنها وأي فضيلة هذه التي يذكرونها في مخاطباتهم للمواطنين..؟.
وفي خطابه في احتفالات 30 يونيو باستاد الهلال التي جرت يوم 6 يوليو الجاري قال الرئيس "بني ألأنقاذ على خمس قائلاً " الدين، الحرية، الشورى، العدل والعلم"، والمعنى واضح ومفهوم في محاولة لربط حديثه بالحديث النبوي الشريف وشتان ما بين الاثنين، و قال نائب البشير السيد علي عثمان محمد طه قبل ايام في حديث منقولاً من إحدى اللقاءات الخارجية على تلفزيون السودان وهو يتحدث بزهو شديد واعجاب بالنفس وبتكبر وغرور ما بعده غرور وهو لا يدري أن سواد وجه قد أصبح علامة بارزة لما ارتكبه في حق السودان وشعبه، قال كلاماً كله كذب وتصوير لواقع غير حقيقي في أن (الانقاذ) انتقلت بالناس إلى مرافئ التطور، وفي خياله أن التطور وقمته هي البنايات الشاهقة والشوارع الجميلة، وهو لا يدري حقيقة أن التطور يُكمن في التنمية البشرية وفي التعليم وفي أخلاق الحكام وفي إرساء العدل وقيم الخير، وفي إيلاء أمر المواطن الأولية فوق كل الأولويات، وفي شعور المواطنين بالثقة في من يحكمونهم، وفي ثقة بأجهزة أمنهم في حفظها لمقدارت المواطن، لا الاجهزة الامنية التي تأسست فقط لعذابات المواطنين.
ويذكر أن أول كذبة على الشعب السوداني في عهد (الانقاذ) كانت "أذهب للقصر رئيساً وأنا أذهب للسجن حبيسا" قالها الدكتور حسن الترابي وقد اعترف هو بذلك، إذاً هذا نظام بدء ممارسة حُكمه بالكذب فلا عجب أن يقيم دولة العنف والدماء وخرق العهود والاعتداء على الجيران من الدول الصديقة والشقيقة، دولة تقوم على الكذب لا يمكن أبداً أن تكون عادلة مع شعبها، ولا يمكن أن تتحمل كلمة الحق فكان قمع الصُحف والصحافيين وشراء الذِمم وتجنيد العاطلين في دول الاغتراب لكي يدافعوا عن سياساتها فوجدت ضالتها فيهم، فمارسوا معنا لغة السباب والشيمة ولغة الشوارع الخلفية، فنِعم المدافعين، ثم يأتي قادة النظام ويصفون الآخرين بالعمالة والارتزاق لأعداء (الاسلام) في حين أن الكتاب المعارضين الذين يُوصفون بالعمالة أبداً لم يستخدموا لغة السباب العفنة ولغة الشوارع البذيئة، بل مارسوا أدباً رفيعاً في لغة الحوار لم يشخصنوا القضية ولم يسبوا أحداً من الحاكمين كما فعل مؤيدي (الإنقاذ) فالحمدلله الثقة في القارئ السودان كبيرة وهي كفيلة بتقدير الامور على الوجه الصحيح.
وفي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الجمهورية عن (الحرية) كانت قوات أمنه تغلق صحيفة (أجراس الحرية) بالرقابة القبلية وتفرض عليها عدم نشر غالبية صفحات الصحيفة فتتوقف (الأجراس) عن الصدور وعندما تحدث الاستاذ باقان أموم الشريك في الإتلاف الحكومي عن فشل الدولة قامت عليه دنيا الحكومة من صحف ترتزق من الحزب الحاكم وأقلاماً عرفت للجميع بالضعف والهزال والارتزاق، ولم تقف الحملة الحكومية عند هذا الحد بل صدر قرار بمحاسبة الاستاذ باقان أموم توطئة لإبعاده عن المنصب !!..
هذه هي الحرية في فهم الحاكمين، أن تُردد ما يقوله الرئيس، ويشير إليه الحزب الحاكم إلا وانت مأجور تسترزق من السفارات الأجنبية ومن دول الاستكبار كما قال الدكتور نافع على نافع مؤخراً.وعلى ذكر كلمة (العدل) قال وزير العدل عبدالباسط سبدرات حكيم كل الأنظمة "وفرنا محاكمات عادلة لمتهمي حادثة امدرمان" وما هي إلا يومين فقط وانكشف الكذب والبهتان وليته سكت بعد كذبه تحدث عن عدالة المحاكمة ثم ما أن بدأت المحاكمة في عملها حتى قامت السلطات الأمنية باعتقال واستجواب محامي الدفاع الاستاذ ساطع الحاج بسبب اعلانه عدم دستورية قانون الارهاب الذي يُحاكم به المُتهمُون، بل هددته إن تحدث في ما يجري في المحكمة، ولا زال البشير ونائبه الثاني ومستشاريه ووزراء حكومته يتحدثون عن قيم العدل، ثم واصل المنظر الجديد للنظام د. محمد وقيع الله يتحدث عن إنجازات (الانقاذ) بلا هوادة وبلا حياء في وقت أصبحت فيه مآسي وكوارث أهل السودان بسبب (الانقاذ) واضحة كالشمس بل تزداد يوماً بعد يوم مخلفة وراءها نفوس بريئة ازهقت وأطفالاً يُتِمُوا ونساء ترملن، وأخلاق ذهبت بلا رجعة..!!.
لكنني في هذا السانحة أنقل للقارئ الكريم صورة آخرى لعدل نظام (الانقاذ) وارتباطها بالدين الذي قال عنه البشير في ذكري الانقلاب المشئوم بأن (الانقاذ) بنيت على خمس وأولها الدين وثانيها الحرية والعدالة، وهنا أسرد جانباً بسيطاً من علاقة وارتباط النظام بالدين في حقيقته من خلال معايشة يومية لرئيس التنظيم العسكري الذي قام بالانقلاب وسلم البشير السلطة، وقد ربطتني به علاقة العمل في سنين النظام الأولى.الأُستاذ..!!.رئيس التنظيم العسكري للحركة (الاسلامية) شاب في بداية الخمسينات مع أكثر من 350 شاب حركي قاموا بتسليم عمر البشير مقاليد الحكم في صبيحة يوم الجمعة 30 يونيو 1989م علماً أن هذا الرجل لم يكن عسكرياً ألبتة، كنا لا نتجرأ ان نذكر اسمه، وكنا نطلق عليه (الأستاذ) وقد كان في تلك الفترة صاحب شخصية قوية ونافذة، دقيق في تعامله مع الناس يبتسم مع الآخرين بتحفظ شديد، وفي علاقته معنا كأننا أسرة واحدة نتحدث معه بوضوح في كل ما لدينا من قضايا نريد طرحها، وكان يعرف أننا نعرف كل تفاصيل الانقلاب وعملية التسليم والأشخاص والمواقع.هذا الرجل (الأستاذ) عرفته ما لم أعرف أي شخصاً آخراً.. سافرت معه سفرتين طويلتين إلى جنوب السودان، عشت معه في بيته الخاص فترة من الفترات، وقرابة العام كنت لصيقاً به، ونكون سوياً طيلة ساعات اليوم لا نفترق إلا للنوم، نصلي الصبح في جماعة، وهلم جرا.
كانت تربطني به وبأسرته علاقة اجتماعية وأسرية قوية للغاية، ونتبادل الزيارات المنزلية، كنت يوماً ما أحد أفراد مكتبه التنفيذي، ومن جانبه يعرف كل تفاصيل حياتي فالعلاقة كانت اكبر من تنظيم ومن أسرة، ولكن برغم ذلك عندما قدمت له النصيحة بسبب سأحكيه لاحقاً رفض تسليمي مرتب شهرين على التوالي والذي بالكاد يكفيني، في وقت كانت زوجتي في حالة وضوع.قصة الدكتور ..!!لا شك أن الحياة في ظل الحركة (الاسلامية) بعد الانقلاب كان شكلها غريب للغاية إذ فقدت الالتزام بالدين وتضعضع التماسك بين الأفراد والأُسر على حد سواء، فهناك مجتمع الاقتصاديين والسياسيين والأمنيين، وكان الاعلاميين أقلهم شأناً بين كل مجتمعات الحركة، لكن الحركيين في المجال العسكري الذي يضم القوات المسلحة ودوائرها العسكرية التنظيمية كان مجتمعاً كبيراً وصاخباً اتسم بالغرابة في غياب المناصحة حتى بين الافراد أنفسهم والغرور والتباهي بالمقتنيات، وفي ظل هذه الأجواء ظهر في هذا المجتمع شخصية يطلق عليها (الدكتور) وكان واضحاً إلتفاف الناس حوله، وعلامات التوقير والاحترام التي يكنها له، وكنت احترمه برغم عدم معرفتي به وبما يفعله.جاءت الايام وأصبح (الدكتور) قريباً جدا منا وأصبح يُمازحنا ويُخالطنا، وعرفت بعد ذلك أنه حّلال المشاكل خاصة المعقدة منها الاجتماعية والأسرية، وأصبحنا نتشارك الأكل في طاولة واحدة، وبما أن العلاقة كانت على هذا المستوى كان يأتي إلى بيت رئيس التنظيم العسكري آنذاك في اوقات كثيرة ويجلس مع زوجته في وجود باقي أطراف الأسرة، ويتبادل الحديث معها، وذات مرة أوهمها بأن والدة (الأُستاذ) الطاعنة في السن تضمر لها السوء وتعمل على إيذائها بواسطة آخرين من (الجن) وأنه في استطاعته أن يفك كل هذه (الأعمال) فصدقت الاخت هذا الوهم بعد ترديد قصص وحكايات من نسخ خياله المريض، وكان يقوم بأدوار قذرة في مسعى لانفصال الأسرة عن بعضها، وكان يرمي لها أوارق المعروفة لدينا ب(المحايات) ويتركها تحت باب المنزل، ويتصل بها من الخارج ويذكر لها بأن (الجن) أخبره بأن والدة (الأُستاذ) قد رمت لك أوراق فيها ضرر كبير عليها وعلى أولادها، و(الاستاذ) مشغول بمهامه الكثيرة ولا يدري شيئاً.
وتيسر ليّ معرفة الاوضاع النفسية الخطيرة التي تعيش فيها زوجة (الاستاذ) وهي انسانة طيبة و فاضلة ودرست الجامعة مع زوجتي، ونحن كأسرة تربطنا علاقة قوية امتدت لسنوات، فقررت أن أخبر (الأُستاذ) بما يحصل مع زوجته، وترجيته رجاءً شديداً أن لا يلقي عليها اللوم وأن لا يأخذ منها موقف سلبي لأنها لم تذهب لـ (الدكتور) لكن هو من جاء إليها في البيت بسبب علاقته التنظيمية معه أي (الأُستاذ)، فما كان منه إلا أن أخذ موقف سلبي تجاهي، فأصبح لا يطيق التعامل معي، ومنعني مرتب شهريين عمل عندما كان وزيراً، تماماً كما حدث ليّ في (مؤسسة الفداء للانتاج الاعلامي)، فانسحبت سهلاً بدون أي ضجة، وكأن شيئاً لم يكن، ولم أفكر ألبته في شكواه وقلت في نفسي إلى من أشكتيه ..هذا هو (راس القايدة) هو الذي عين عمر البشير رئيساً، كل البلد في قبضته، وبرغم ظروفي الصعبة لم أرفع يدي لله شاكياً، فالله سبحانه وتعالى لا يخفى عليه شئ، يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصُدور، ثم فوضت أمري لله الواحد الأحد.
شعوذة القوات المسلحة..!!.
أثناء عملي مع رئيس التنظيم العسكري تأكد ليّ أن هذا الدكتور المزعوم يتم استخدامه كمشعوذ في الحرب ضد الحركة الشعبية وهو معروف لدى كبار ضباط الاستخبارات العسكرية بالقيادة العامة، ويقود سيارة لاندكروزر ويدخل بها أي مكان في العاصمة، كما هو معروف لدى القائمين على التنظيم العسكري للحركة (الاسلامية)، وذات مرة سألت أحد الاخوة عن طبيعة عمل هذا الرجل فقال لي أن (الدكتور) المزعوم أفهم القيادة العسكرية بأن له علاقة مع (الجن) وبامكانه معرفة ما تضمره الحركة الشعبية من خطط عسكرية تجاه المحاور العسكرية في الجنوب، ومعرفة مواقع جيش الحركة الشعبية في مناطق القتال، لكن الغريب أن يتم التعامل مع مشعوذ في الوقت الذي كانت فيه قوات الحركة الشعبية في حالة تقدم واستحواز على مناطق كثيرة، الامر الذي يشير إلى أن الله سبجانه وتعالى قد أعمى بصيرتهم تماماً مع انشغالهم الدائم بالدنيا وملذاتها.
عزيزي القاري لا داعي أن استرسل في المواقف التي مرت بي مع (الأستاذ) في فترة شّكلت تاريخ السودان السياسي الحديث في خواتيم القرن العشرين، فأتركها لكتاب كبير سأنشره إذا مد الله في أيامي حتى يعرف الناس والأجيال الجديدة من أبناء بلادي أن علاقة (الانقاذ) بالدين الاسلامي علاقة الذي يبحث عن حل لمشكلته الآنية فقط، وعلاقة من يستأثر بالسلطة على حساب الناس، لاعلاقة إقامة العدل، ولا ترسيخ قيم ولا تحقيق تنمية ولا يحزنون، علاقة من يستغل الدين كوسيلة لتحقيق مآرب ذاتية.
هناك الذين عاشوا الكذب ووجدوا فيه (حلاوة) بالمعنى (المصري) وأصبحوا يتبارون في مدح (الانقاذ) وترسيخها لقيم الدين والعدل، وتحقيق الانجازات للشعب السوداني من أمثال الدكتور محمد وقيع الله الذي كشف مؤخراً عن مستوى تدينه الحقيقي في سجاله مع الدكتور عبدالوهاب الأفندي بالشيمة المكررة والسمجة رفعت من قدر الأفندي أكثر مما نالت من صاحبها ورمته في مزبلة التاريخ، وهذا مصير كل الذين يسوقون أفعال النظام طال الزمن أو قصر فإنهم ذاهبون الى مزبلة التاريخ ومحكمة الضمير الانساني.
وإذا قال أحدهم بأن كاتب هذا المقال قد أفشى أسراراً عسكرية ما كان ينبغي له أن يكشفها، لكنني أقول لهم هذه ليست أسراراً عسكرية وقد فات عليها أكثر من 10 سنوات في العرف العسكري قد انتهت صلاحيتها، ثم أن الحركة (الاسلامية) قد دخلت في شراكة مع الحركة التي كانت متمردة، لا ضرر ولا ضرار، وإذا قال قائل انها أسرار اجتماعية وأسرية فأقول أن في نشرها عبرة لقادة النظام، وللحاكمين الجدد والآتين في ثنايا الغيب، وفي الحقيقة أنا أستهدف من خلالها الأجيال الجديدة القادمة من رحم التأريخ بأن يستفيدوا من هذه العِبر، ومن التاريخ (الانقاذي) الذي أورث بلادنا خراب الضمائر والنفوس.الكذب أصبح منهج تمارسه الدولة، وأصبح يُمارس في اعلامنا الفضائي منذ بداية الإرسال وحتى نهايته، فماذا ننتظر من جيل ناشيء جديد يُكذب فيه قادته على الشعب كل يوم، ولذا نحن نكتب ونكتب ونكتب حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً،هذا هو السلاح الذي نمتلكه ونعلم تماماً أنه أمضى سلاح في معركة بدون تكافؤ القلم ضد السلاح والجبروت.
موقع (مجلة صدى الأحداث) الالكترونية

ليست هناك تعليقات: