الخميس، فبراير 19، 2009

أطلقوا سراح الرئيس عمر البشير..!!.

لاشك أن مؤسسة الرئاسة في بلد كالسودان تمثل البوصلة التي تسير عليها البلاد والعباد، وهي مربط الفرس في كل ما يمس البلاد، وهي المسؤولة دون غيرها عن وحدة الأرض والشعب، والموارد البشرية والمادية، في بلاد يمثل فيها رئيس الجمهورية (الكُل في الكُل) حيث البرلمان (سُلطة) ليس لها أي (سُلطة) على القرارات التي تحدد مُستقبل البلاد، كما معمول به في سائر بلاد العالم. ولذا نقول أن (رئيس الجمهورية) تقع على عاتقه مسؤولية عظيمة وتاريخية، وهو الوحيد في الدولة الذي تسلط عليه الأضواء أكثر من أي منصب آخر، هو الذي (يُحيي ويُميت) إن شاء دخل بالبلاد في حرب ضروس لا تبقي ولا تزر، وإن شاء وفر للبلاد حالة السلم والاستقرار والتنمية والرفاهية وأخرج خيرات البلاد من باطن الأرض، ومن ينكر ذلك يعيش في عالم آخر غير السودان. وكل ما يصدر عن رئيس الجمهورية له مكان في سجلات التاريخ ليس الوطني فحسب بل الإقليمي والدولي، ومن هنا تأتي أهمية التطرق إلى مواقف رئيس الجمهورية في الأحداث التي حدثت في السودان منذ العام 30 يونيو 1989م وحتى اليوم. في صحيفة (الراية) الناطقة بلسان الجبهة الإسلامية القومية ربطتني علاقة أخوية حميمة بالأخ الفقيد عثمان حسن أحمد البشير شقيق رئيس الجمهورية، وكان عُثمان قمة في التدين الذي صبغ على كل حياته ألق من الصفاء الروحي والأخلاقي، كان قُرآنا يمشي بين الناس، توطدت علاقتي به بعد 30يونيو حيث أصبح أكثر تواضعاً من ذي قبل، كنا نتقابل في صحيفة (الإنقاذ الوطني) في بداياتها الأولى، وتقابلنا أكثر من مرة عندما كان مسئولاً عن جمعية القرآن الكريم، وكان أحد أوائل المنضمين إلى كتيبة (الأهوال) أولى الكتائب الدعوية التي وصلت جنوب السودان بدءاً من منطقة شمال أعالي النيل، وهناك تفتحت قريحته وجادت بعدد وافر من القصائد وأشهرها قصيدة جميلة عن منطقة (جلهاك) صب فيها كل إبداعه وفنونه، إذ عبرت هذه القصيدة عن روحه وسويداء قلبه. قبل انقلاب يونيو وداخل مكاتب صحيفة (الراية) بالقرب من المركز الثقافي الأمريكي بالخرطوم كنا نتناقش بشأن الأحوال التي كانت تمر بها البلاد آنذاك، وعِبنا على الجيش ضعف دوره في تدهور الأحوال ووقوعه تحت يد (الطائفية) ووصفنا ضُباطه بالسوء، وحينها قال لنا الأخ عثمان " لدي شقيق أكبر مني ضابط كبير في الجيش لا أزكيه على الله" ولم يزد عليها، وإذا بنا بعد أيام قليلة نكتشف أن رئيس الانقلاب هو شقيق عثمان الذي لم يزكه على الله..!!. هذه الكلمات كانت أول من شكل لدي صورة رئيس مؤسسة الرئاسة عمر حسن البشير، ومن خلال احتكاكي مع أشخاص نافذين في الدولة تشكلت لدي صُور أخرى، وفي مدينة بورسودان في العام 1991م قابلت الرئيس هناك في احتفال قوات الدفاع الجوي بإعادة تشغيل صواريخ روسية قديمة، سلمت عليه مع مجموعة من الناس. وبعد فترة ومن خلال صحيفة (ألوان) أثنيت عليه ثناءً شديداً بسبب موقف كنت شاهدا عليه، وفي فترة من الفترات، عندما كان الأخ أمين حسن عمر مستشاراً صحفياً لرئيس الجمهورية كنت من ضمن الصحافيين نتردد على المكتب الصحفي برئاسة الجمهورية وربطتنا الظروف ببعض الشخصيات الذين كانوا أكثر إلتصاقاً بالرئيس، وأستطيع القول أن عمر البشير ليس بالإنسان السيئ الطوية. المؤامرة على الرئيس..!! أي صحفي قريب من ديسك الحكم ..أمين وصادق، وأي مراقب حصيف قارئ للأحداث متابع لمجريات الأمور، عالم ببواطن الأمور يدرك أن رئيس الجمهورية وقع ضحية مؤامرة من جهات نافذة، وساهم في ذلك شخصية الرئيس نفسه.. كيف..؟. أولاً: شخصية عمر البشير انفعالية وعاطفية، يحمل جينات الشعب السوداني التي تعودت على عدم التريث في قراءة الأحداث، والبعد عن المشورة في اتخاذ القرارات التاريخية والمفصلية، وعدم الرجوع إلى المؤسسات.. وهذه هي طبيعة غالبية الذين حكموا السودان، وأسلوب حكم متأصل فينا جميعاً وليس عمر البشير وحده. استغل آخرين في الرئيس عمر البشير سلبية التعامل العاطفي مع الأحداث، هذه الجهات تتمترس خلفه وقد أبعدوا أنفسهم عن التصريحات السلبية حتى لا تحسب عليهم، وتسجل ضدهم، لذا وجدنا رئيس الجمهورية دائما يتصدى للأحداث مهما صغرت أو كبرت بانفعال شديد وبتصريحات سجلت ضده في الداخل والخارج صورة وصوت. في الاحتفال بافتتاح ميناء بشائر في بورسودان وقد كنت ضمن الوفد الإعلامي قال الرئيس عمر البشير في الحشد الجماهيري في معرض حديثه حول الأحداث السياسية " على المعارضة أن تشرب من البحر" وفي ذات الوقت كانت هناك اتصالات من طرف الحكومة مع عدد من المعارضين في القاهرة وغيرها، لكنها توقفت بعد تصريحات الرئيس البشير. ثانياً: في الاحتفال بافتتاح مصنع جياد قبل ثماني سنوات والاحتفال بذكرى (الانقلاب) عملت الحكومة بجهد شديد على الإعلان عن دخول السودان مرحلة جديدة في التصنيع والاعتماد على الذات، فنصبت المحطات التلفزيونية كاميراتها والجهة المعنية بخطاب الرئيس كتبت خطاب متوازن لخدمة أهداف بعينها، وطلبوا من السيد الرئيس عدم الخروج عن النص، لكنه خرج بالنص بعيداً قائلاً " نحن في السودان من اليوم سنصنع من الإبرة للصاروخ"، مضيعاً كل الجهود التي بُذلت، مُرسلاً رسالة للآخرين ساهمت في زيادة العداء للبلاد بعكس ما كان يهدف الذين كتبوا الخطاب الرسمي، هذا الخروج عن النص أضر بالبلاد ضرراً كبيراً، بإشارته إلى أن البلاد جاهزة لصناعة السلاح. وكل الذين تابعوا خطابات الرئيس ولقاءاته مع المواطنين أدركوا كم أن مؤسسة الرئاسة في أزمة مزمنة.. إذ كيف بالله يطلق رئيس الجمهورية تصريحات على الهواء وفي الفضاء الطلق دون أي تحسُب لأي خطأ في هذه التصريحات التي تضرب يمنة ويسرى، وفي الغالب هناك قرارات كثيرة صدرت وسط هتافات المواطنين تهليلاً وتكبيراً بقطع علاقات مع دولة تربطها بالبلاد علاقات قوية. الكثير من القرارات المهمة في بلادنا لم تخرج من مؤسسات بل من تصريحات في غير مكانها، ولذا فقد السودان كدولة الكثير، وكان الارتباك سيد الموقف وظهر ذلك خلال قضية دارفور، وفي كل لقاء جماهيري كان السيد الرئيسي يتهم دولة بدعم (التمرد) وخلال سنوات الصراع مع الحركات المتمردة وجه الرئيس البشير الاتهام إلى كل من تشاد واريتريا وفرنسا وألمانيا وأمريكا واسرائيل، حتى أن دُولاً مثل فرنسا وألمانيا كانتا تقدمان دعومات للسودان في أشكال متعددة ولها علاقات دبلوماسية مع السودان على أحسن ما يكون..أيضاً وصلها الاتهام من خلال نقل خطاب جماهيري للسيد رئيس الجمهورية. هذه التصريحات جعلت وزارة الخارجية في مهب الريح أمام كل المواقف الكبيرة والحاسمة، وفي زيارة وزير الخارجية السابق د. لام أكول للجالية السودانية بمملكة البحرين العام الماضي كنت قد وصلت متأخراً بعض الشئ وسألت الوزير د. لام أكول وسط العشرات من أعضاء الجالية .. ما هي تأثيرات تصريحات الرئيس عمر البشير على الدبلوماسية السودانية..؟.. فأنفجر الجميع بالضحك، قائلاً "قد أجبت على هذا السؤال قبل حضورك".!!. وقد بان ليّ أن وزير الخارجية يُسأل هذا السؤال كثيراً في كل زياراته للجاليات في الخارج..!!. وفي المقابل كانت تصريحات نائب الرئيس علي عثمان محمد طه رصينة وموزونة تعطي الانطباع بأن السيد الرئيس (متشنج وانفعالي) ولا يحسن معالجة الأزمات ولا يدرك أهمية ما يصرح به في تشكيل الرأي العام الداخلي والخارجي، بل تذهب أكثر من ذلك بأن هذه التصريحات تشكل خطراً على الأوضاع في البلاد، أن الرئيس عمر البشير يحتاج حقيقة لفريق عمل من نوع خاص بأي حال من الأحوال ليس بينهم عبد الرحيم محمد حسين..!!. ثالثاً: أكثر التصريحات التي حُسبت على الرئيس قبل اندلاع شرارة التمرد المسلح في دارفور عندما قال له مقربيه "ناس دارفور يريدون التفاوض" فقال الرئيس قولته الشهيرة " نحن لا نفاوض إلا حاملي السلاح فقط"، حينما لم تكن هناك حركات مسلحة، وما هي إلا فترة قليلة من الزمن حتى برزت الحركات المسلحة التي اقتنع من قاموا عليها أن الحكومة صادقة فيما قالت أنها لا تفاوض بالفعل إلا من يحمل السلاح ويجري العمليات العسكرية ويوقع الضحايا حتى تستعد الحكومة للتفاوض معه، وكانت التجربة خير برهان..!!. وبعد تأسيس هذه الحركات كان يمكن الوصول معها إلى إتفاق وتجنيب البلاد خطر التدويل والحرب الضروس التي دائما ضحاياها من المواطنين البسطاء، لكن أين هي العقول والمؤسسات التي تتبع الرئيس حتى تُخرج القرار المناسب في المكان المناسب، وفي يقيني هذا الأمر مقصود ..تعرية الرئيس وإضفاء العقلانية والجدية على نائبه..؟!. وخلال الخطاب الارتجالي أثناء مخاطبة مُنتسبي جهاز الأمن الوطني والمخابرات بعد فشل الهجوم الذي قامت به حركة العدل والمساواة كرر الرئيس هوايته المحببة قائلاً بصوت عال مع صيحات التهليل والتكبير " ما داير زول عدل ومساواة ينوم في بيته ..لا طالب ولا موظف"، الرسالة سُجلت لرئيس جمهورية السودان في كل السجلات الإعلامية والسياسية وفي قلوب وأذهان الناس، ومكمن المشكلة أن الرئيس كأنه يأمر الأجهزة الأمنية باعتقال كل أبناء دارفور في العاصمة المثلثة وبطبيعة الحال ليس هناك دارفوري واحد يلبس علامة في مقدمة رأسه مكتوب عليها (عضو بحركة العدل والمساواة) لكن الأجهزة الأمنية قامت بالواجب، وكان بإمكان السيد الرئيس أن يُشاور ويرجع إلى المؤسسات الخاصة لكنه لم يفعل لسبب واحد هو أن الجانب الآخر في رئاسة الجمهورية قد نجح في إبعاد كل القيادات الشابة المتمرسة من الرئيس عمر البشير وقام باعتقاله داخل عقلية عبد الرحيم محمد حسين..!!. رابعاً: في منتصف التسعينات على ما اعتقد كان الأخ أمين حسن عمر مستشاراً صحافياً لرئيس الجمهورية، وفي هدوء تام انسحب عن العمل في المستشارية، وكان واضحاً لدينا كصحافيين أن أميناً قد واجه مُضايقات من طرف عبد الرحيم محمد حسين..!!. بعدها جاء من سفارتنا في واشنطن الأخ الأستاذ الصادق بخيت كمستشار للرئيس في مكان أمين حسن عمر، ومن ضمن ترددي على القصر الجمهوري والمكتب الصحفي دخلت على الصادق بخيت ودارت بيننا أحاديث ودية وحول طبيعة العمل الاستشاري أفادني بأنه قد قدم استقالته من مكتب السيد الرئيس وأنه في انتظار الموافقة بسبب عدم وجود عمل يقوم به، وقد فهمت منه أن الرئيس لا يستشيره ولذلك لا معنى للجلوس في المكتب دون عمل، وطلب مني عدم نشر الخبر إلى حين، ونزلت عند رغبته، وبعد فترة من المتابعة وافق بنشر الخبر وبالفعل نشرت الخبر في صحيفة (ألوان) على الصفحة الأولى، ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم ليس للرئيس (مستشار) صحافي بمعنى (مستشار) نعم لديه مدير للمكتب الصحفي. وللأسف أن رئيس الجمهورية ليس له أي مرجعية غير عبد الرحيم محمد حسين، وأن كل المستشارين ما هم إلا ديكورات اقتضتها الضرورة السياسية للمرحلة التي تمر بها البلاد ، فالجهة التي لا تريد للرئيس عمر البشير أن يقوم بواجبه تجاه قضايا البلاد الشائكة تستأنس من تصريحاته. أن رئيس جمهورية في بداية الألفية الثالثة وليس له كفاءات وخبراء بجانبه يشيرون عليه بفعل كل ما يوحد بين أبناء الوطن ويمنعونه من كل ما من شأنه ان يفرق وحدة الشعب سيما وكان طبيعياً إطلاق تصريحات ترسخت في دواخل الناس وبالتأكيد لا ولن تُمحى من الذاكرة وخلقت الأضرار النفسية والاجتماعية الفتاكة، التي لا يعلمها السيد الرئيس المعتقل في عقليات وأفكار أصبحت من التاريخ. إيران تقدم لنا أنموذجاً في المؤسسة الرئاسية باعتبار أن لها مشروع إسلامي بغض النظر عن رأيي فيه لكنه يلقي بظلاله على الأحداث في العالم، وليس في المنطقة أو في المحيط الإسلامي، ولذا أقول أن الرئيس الإيراني السابق سيد محمد خاتمي وبرغم أنه مفكر إسلامي كبير وسياسي محنك، له أكثر من 10 مؤلفات رصينة وقدم آلاف المحاضرات التي شغلت بال المفكرين وطلاب العلم، كان له مستشارين عُلماء ومُفكرين من القامات البارزة في هذه الدولة أمثال د.عطا الله مُهاجراني وزير الثقافة والإرشاد الأسبق ورئيس مركز حوار الحضارات حالياً، وكان مدير مكتبه وكاتم أسراره د. محمد علي أبطحي الذي ألف عدداً كبيراً من المؤلفات المهمة في المكتبة الإسلامية، وآخرون لهم مساهماتهم في أدب الثورة الإسلامية، مستشارين يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم. الرئيس الإيراني الذي يأتي بالانتخاب المباشر من الشعب في انتخابات نزهية يشهد عليها أعداء هذا البلد، لا يصرح في كل الأوقات ولا يركز على التصريحات في أي مكان ويلعب المكتب الصحفي برئاسة الجمهورية دوراً كبيراً في الحفاظ على سمعة وصورة الرئيس إذ يقوم بإصدار التصريحات التي تتطلب وجهة نظر رئاسية، وهناك ناطق رسمي بكل من الرئاسة ووزارة الخارجية تجعل الرئيس في وضع مرتاح يبعده عناء التصريحات العشوائية والارتجالية، إيران هذه فيها قوميات مختلفة وديانات مختلفة لم يحدث أن أصابها أذى من الرئيس سواء كان خاتمي أو رفسنجاني أو نجاد ذلك لأن العمق الحضاري للشعب الإيراني ضارب في القدم وله تأثيره على المواطن العادي، ثم أن المشروع الإسلامي في إيران شعاره (لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها) وفي صيف 1998م شهدت محاكمة أحد قيادات الثورة الإسلامية وهو محمد حسين كرباتشي محافظة العاصمة طهران وبحضور عدد كبير من القنوات الفضائية العالمية ما يعني أن القوة الفكرية هي التي تحرك دولاب الدولة.. ومن باب أولى أن يكون رئيس الجمهورية مقيد بقيم عالية الوصوف وبطانة من أفضل الكفاءات. أيها السادة شكلوا للرئيس فريق عمل تكون من أولى أولياته التخطيط لمحادثات جادة مع أبناء دارفور في كافة الحركات المسلحة للوصول بحل عاجل قبل نهاية العام الجاري. لذا أقول: أرجوكم أطلقوا سراح الرئيس من سجن عبد الرحيم محمد حسين..!!.

هناك 4 تعليقات:

غير معرف يقول...

مقال جميل ..رائع فيه رصد جيد

ابو محمد السوداني يقول...

مقال ممتاز .. اصاب كبد الحقيقة.

السودان ليس بحاجة الي عنتريات لا تجلب له الا المزيد من العزلة والحصار..
نحن بحاجة لأن نكسب كل العالم في صفنا وليس معاداته ..
زمن التحدي والمناطحة ولي الي غير زي رجعة ..
نحن في زمن التحدي بالعلم والانتاج والعدل بين الناس .. كل امم اتبعت العلم والعدل والمساواة .. سادت علي غيرها .. وما ساد الاسلام الا بهدذه القيم الرفيعة.

غير معرف يقول...

ايهما اكثر الازمات التي خلقها ام التي عالجها الرئيس؟

nooralnoor يقول...
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.