الجمعة، يوليو 23، 2010

ملامح شيوع التطرف الديني والسياسي في السودان

أستأنس كثيرًا بما ذكره المفكر عبدالرحمن الكواكبي في كتابه "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" من أن أقبح أنواع الاستبداد هو "استبداد الجهل على العلم، واستبداد النفس على العقل، ويسمى استبداد المرء على نفسه، وذلك أن الله جلت نعمه خلق الإنسان حراً قائده العقل، ففكر وأبى إلا أن يكون عبداً قائده الجهل" ومبعث استأناسي هذه الصورة البليغة التي صورها المفكر الكواكبي وكأني به يتحدث عن نظام (الانقاذ) في السودان وهي ذات الصورة ولعلها هي بصيرة المؤمن ان ينظر بعين المستقبل, و عندما يكتب عبدالرحمن الكواكبي عن الاستبداد في بدايات القرن الماضي تلقائيا هو يعكس صورة النظام السوداني في بدايات القرن الجديد,ذلك الذي أوجد تطرفا كبيرا غير مسبوق في تاريخ السودان والمنطقة।
إنفالذي حدث هو قمة التطرف ليس في الدين فحسب بل التطرف القبلي والعنصري والديني والذاتي, الذي هيئ الاجواء لتنظيم القاعدة منطلقا من الخرطوم بالتخطيط الدقيق الذي نتج عنه الكارثة الارهابية التي روعت البشرية جمعا هي كارثة 11 سبتمبر 2001م, الكارثة التي خلقت كوارث جمة وواقعا جديدا فرض نفسه على العالم وألقى بظلاله على وضعية العالم الاسلامي في علاقاته بالاخرين।وعندما نتحدث عن تعصب نظام (الانقاذ) في السودان تحضرنا الكثير من الآراء التي تأكد بما لا يدع مجالا للشك ان الذي يجري في بلادنا استبداد وتعصب ,وتطرف وهذا ما يذهب في تأكيده المفكر الشيخ يوسف القرضاوي، حين يعرف التطرف الديني على أنه التعصب للرأي تعصباً لا يعترف معه للآخرين بوجود، وجمود الشخص على فهمه جموداً لا يسمح له برؤية واضحة لمصالح الخلق، ولا مقاصد الشرع، ولا ظروف العصر، ولا يفتح نافذة للحوار مع الآخرين، وموازنة ما عنده بما عندهم।ومما يعجب له القرضاوي أن من( مثل ) هؤلاء من يجيز لنفسه أن يجتهد في أعوص المسائل، وأغمض القضايا، ويفتي فيها بما يلوح له من رأي، وافق فيه أو خالف، ولكنه لا يجيز لعلماء العصر المتخصصين، منفردين أو مجتمعين، أن يجتهدوا في رأي يخالف ما ذهب إليه, وحينما تتحدث قيات الانقاذ الحاكمة في السودان عن الانجازات التي حققتها وتجند الاجهزة الاعلامية لعكسها للآخرين وتصرف ملايين الدولارات من حر مال الشعب السودانى لدفعها للقنوات الفضائية مثلما حدث مع قناة (المستقلة) حتي تصير بوقا لها في المنطقة الاوربية, فنرى هذا الاجتهاد الكبير في عكس صورة الانجازات المادية في الوقت الذي يموت فيه المواطن السوداني جوعا في الاطراف البعيدة, وفي مناطق قريبة منها يموت العشرات من السودانيين بآليات الحكومة العسكرية فقط لأنهم طالبوا بالغذاء والتعليم । وهنا يوضح الدكتور القرضاوي " أن ولع هؤلاء المتطرفين بالهدم لا بالبناء ولعٌ قديم، وغرامهم بانتقاد غيرهم وتزكية أنفسهم شنشنة معروفة"।ويبلغ هذا التطرف غايته، كما يشير القرضاوي، حين يُسقط عصمة الآخرين، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ولا يرى لهم حرمة ولا ذمة، وذلك إنما يكون حين يخوض لجّة التكفير، واتهام جمهور الناس بالخروج من الإسلام، أو عدم الدخول فيه أصلاً، كما هي دعوى بعضهم، وهذا يمثل قمة التطرف الذي يجعل صاحبه في واد، وسائر الأمة في واد آخر, وقمة التطرف والاستبداد ان تقتل نفسا زكية بغير حق وترفض التحاكم للقضاء وانت الذي تدعو للاسلام وتطبيق الحدود, عشرات من الشباب في عمر الزهور لقوا حتفهم في معسكرات التدريب القتالي القسري, وترفض الحكومة المستبدة في الخرطوم التقاضي لأن المؤسسة العسكرية ممنوعة من الوقوف أمام القضاء حتي وان قتلت نصف أهل السودان, فضاعت الحقوق, وانتهكت الاعراض, فلا سبيل الا حمل السلاح ولا حل الا بالبندقية, فغاب السلام في دولة (الاسلام) وانتشرت وسط الشباب في محيط كبير من السودان ادبيات العنف والتطرف الذي أوجدته المظالم الناتجة عن استبداد الحاكم, وقواته وجلاوزته.فإن تأثيرات الحرب المشتعلة في أكثر من مكان في السودان, و ناتج ما ذكرناه آنفا من مظالم جعلت الشباب من الطرفين (المعارض) و(الحكومي) يستقطبون أقرانهم بوتيرة سريعة أصبحوا هم الفئة الغالبة على الفئات العمرية الأخرى، من حيث وقوعها صيدا أكثر سهولة لما يتوافر لها من الإمكانات والطاقات مع ضعف التجربة وقلة العلم والحماس المفرط، وبالتالي تبنيها للأفكار المتطرفة، ومن ثم قيامها بالأعمال التي يصاحبها العنف غالبا, وهنا لا بد من التذكير ان الشباب الذي يؤيد الطرف الحكومي يتعرضون لحملات اعلامية قوية للغاية من خلال المعسكرات المغلقة, وزيادة على ذلك أن المؤسسة التعليمية تحولت إلى مختبر لغسل الأدمغة وإعداد المتطرفين الدينيين والسياسيين والقبليين. و هذا الإعداد، لا يتم فقط عن طريق الدروس الدينية, وهناك العديد من الاساليب التربوية التي تساهم في إنتاج وإعادة إنتاج ثقافة التطرف الديني والسياسي والاجتماعي ، بل المفارقة أن الدروس ذات المحتوى العلمي هي أكثر تهيئة للتطرف من الدروس ذات المضمون الديني المباشر. وهذا يفسر شكل وصورة المشروع الذي تتبناه (المجموعة الحاكمة) في السودان من خلال رؤيتها لإبعاد ابناء الكيانات الاخرى من سدة الحكم كما حدث بالنسبة لأبناء دارفور حيث تم استأصالهم من الاجهزة الحساسة الامنية والعسكرية, واما الشباب من الطرف المعارض فهم مجموعات كبيرة بكل المقاييس, ( شباب الحركة الشعبية لتحرير السودان- شباب حركات تحرير دارفور – شباب المعارضة التابعه للتجمع الوطني الديمقراطي) عشرات الآلاف من خيرة شباب السودان موجودون في الخارج ليس من أجل الاغتراب والحصول علي المال ولكن الغالبية منهم خرجوا من بلادهم مطرودين, سواء طرد مباشر أو استخدمت فيه اساليب غير مباشرة, مع الاصرار الحكومي على التعاطي بالشكل المألوف لديها في تمكين عضويتها على حساب الاخرين, وهذا أشد أنواع التعصب والاستبداد الذي يقول بشكل واضح أننا نمثل الحقيقة وغيرنا هو الباطل !!।
2005 / 4 / 19

ليست هناك تعليقات: