الأربعاء، أكتوبر 07، 2009

المُؤتمر الوْطنِي.. إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ..!!.

مدخل " إذا ما ارتدى الزُور والمكر لباس التقوى ستقع أكبر فاجعة في التاريخ"..!! الفيلسوف الهندي رادها كريشنان
أي لغة هذه التي تعبر عما وصل إليه حال الحاكمين في السودان من وصف يليق بأفعالهم المنكرة يسبُون ويشتُمون ويتهمون بالعمالة كل من عارض فوضتهم وفسادهم الذي أزكم الأنوف، وقد تبخرت كل شعاراتهم من لدن لا ولاء لغير الله إلى الرد.. الرد.. السد.. السد..!!. وإذا ما تجاهلهم الناس ظلوا في طغيانهم يعمهون..يخربون البلاد بأيديهم، وإذا ما حاول أصحاب الوجعة الخروج من الأزمة التي أوقعوهم فيها أرغوا وأزبدوا، وجندوا المنخنقة والنطيحة وما أكل السبع، والفضائيات التي قامت على أكتاف الشعب المطحون، وعرق المغتربين والمهجرين.
إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ..!!.
فإن المؤتمر العام للمؤتمر الوطني (الحزب الحاكم) الذي انفض سامره قبل أيام قليلة كشف عن ضحالة الفكر الذي يقود البلاد، وقادها بالفعل إلى ما نعاني منه في كل مناحي الحياة، وعندما اطلعت على البيان الختامي للمؤتمر وجدت ذات الصيغة التي صبغت كل بيانات المؤتمرات السابقة منذ تأسيس هذا المُلك العضوض وذات المفردات وذات العبارات التي تمجد الحزب الحاكم وتكرار سمج وممجوج للأكاذيب والأوهام والخيالات المريضة. واقتبس للقارئ الكريم من توصيات هذا المؤتمر ما يلي: والمؤتمر العام الثالث للمؤتمر الوطني اذ يختتم اعماله، يؤكد فى بيانه الختامى أنه: Ø يحي جماهيره العريضة الممتدة فى انحاء السودان، ويرحب ترحيبا حارا بالاعداد الكبيرة التى انضمت لركبه من القيادات السياسية والاجتماعية والفئوية والوظيفية، يرحب بهم فى مسيرة البذل والعطاء والتضحية لاجل بناء الوطن وعزته وكرامته ، ويحي المؤتمر اهل السودان كافة بمختلف أحزابهم ومشاربهم السياسية والثقافية. Ø ويؤكد المؤتمر الوطنى للجميع ثباته على مبادئه السياسية المرتكزة على مبادئ الدين والوطن،.. وانه مصمم على استكمال بناء حزب قائد لوطن رائد، يبنى نهضته وعزة شعبه على دوافع الايمان بالله تعالى وقيم الشريعة الاسلامية السمحاء وهدى واخلاق الدين الحق ، ثم على العلم والمعرفة والبحث العلمى ، التقانة للقيادة والرياده. Ø ثم يمهر كل ذلك بالصدق مع الشعب والوطن وبالعزيمة والثبات والصمود ، والتعاون مع الجهود المخلصة لكل القوى والتنظيمات السياسية السودانية. Ø ويؤكد المؤتمر الوطنى للشعب السودانى، أنه يتاهل لصياغة مستقبل السودان الزاهر بالبناء على رصيده من الخبرة والتجربة وإنجازاته الظاهرة، وهو كذلك يتاهل لصياغة مستقبل السودان، باعمال مبادئ الحق والاصلاح لمسيرته والتطوير والتحديث والتجديد فى السياسات وفى القيادات.. ويعتمد مبادئ الالتزام التنظيمى والسياسي ومبدأ المحاسبة والشفافية والمؤسسية واعتماد عنصر الكفاءة فى التكاليف والنقد البناء للأداء ، معايير للتجربة التنظيمية الناضجة والمسؤولة.
الخبرة والتجربة..!!
والحزب الحاكم في السودان عندما يصدر بيانات وينشرها في أجهزة الاعلام المختلفة لا يدري أن هذا الشعب يدرك كذبه خاصه في الفقرة الثالثة من الاقتباس " ويؤكد المؤتمر الوطنى للجميع ثباته على مبادئه السياسية المرتكزة على مبادئ الدين والوطن"، عن أي دين يتحدث الحزب.. وعن أي وطن..؟؟ يتحدث الحزب الحاكم، لكن ما دام البيان موجه لعموم الشعب السوداني فهو يعلم أي خزي..وأي عار يعيش فيه، والاحتفالات التي صرف فيها مليارات الدينارات لتجار الحزب احتفالاً بسد مروي قد ضاعت سدىً، وعاصمة البلاد أصبحت تعيش في الظلام الدامس وأجزاء كبيرة منها لا تجد ماء الشرب، ويتحدث المؤتمر الوطني في الفقرة الأخيرة من الاقتباس " ويؤكد المؤتمر الوطنى للشعب السودانى، أنه يتاهل لصياغة مستقبل السودان الزاهر بالبناء على رصيده من الخبرة والتجربة وإنجازاته الظاهرة"، عشرون عاماً والبلاد تئن من الحاجات الأساسية، والأتاوات تزداد على كاهل المواطنين..!!. كشفت الحملة الاعلامية التي قادها كُتاب المؤتمر الوطني ضد مؤتمر جوبا عن هزة قوية أصابت الحزب في مقتل وقد كان يُعول على فشل المؤتمر بسبب اختلافات وجهات نظر مختلفة مزعومة بين الكيانات السياسية المشاركة فيه، بالطبع أن الحزب الحاكم لم يتعود على التحالفات السياسية ضده طيلة العقدين المنصرمين، الأمر الذي أربك حساباته وخلق حالة من ردود الأفعال لم تكن في صالحه بأي حال من الأحوال ذلك لأن العبارات المتشنجة التي صاحبت مقالات مؤيديه أكدت أن مؤتمر مدينة جوبا قد نجح نجاحاً غير متصور في حسابات المتابعين للمعركة التي يخوضها الحزب الحاكم ضد المعارضين. في ذات الاطار بينت الاحداث أن نجاح مؤتمر جوبا نجح أولاً في التأكيد على امكانية حدوث تحالفات ضد الحزب الحاكم وهذا في نظري من أكبر النجاحات التي تحققت مؤخراً أشاعت جواً من الفرحة والأمل في تحالف كبير وقوي يضم كل الكيانات السياسية ضد جبروت (الانقاذ)، وقد كانت تصريحات د. قطبي المهدي ضد مؤتمر جوبا هزيلة وكلنا رأينا الهزيمة النفسية على قسمات وجهه، والأحاديث الكاذبة التي أطلقها على الهواء دون أدلة مؤثوقة.
من هو الكاسب الأكبر..؟.
وفي طريق د. قطبي المهدي سار د. محمد وقيع الله في تعليقه على مؤتمر جوبا بمقالة كاملة نشرتها مجلة (سودانايل) الالكترونية قال فيها "...وهكذا اجتمعوا، وأكثروا من اللغو، ثم انفضوا، وآبوا بالخسارة، والخيبة، والخذلان، بينما أُوتي المؤتمر الوطني نصرا عزيزا لم يكن في الحسبان،وبغير جدال يمكن أن يقول القائل إن المؤتمر الوطني كان هو الكاسب الأكبر من وراء مؤتمر جوبا". وواصل د. وقيع الله تأكيده على نجاح مؤتمر جوبا قائلاً: "فقد كشف هذا المؤتمر للشعب السوداني، مدى هزال المعارضة السياسية، اللا مبدئية، اللا وطنية، وأبان عن تهافتها، وانتهازيتها، وزيفها، وعدم التقائها إلا على هدف سلبي وقتي، يتلخص في معارضة المؤتمر الوطني، وسبِّ الشعب السوداني الشمالي، والعمل على ابتزازه، مع التهرب من الاستحقاق الانتخابي، والاتجاه إلى ممارسة التخريب، مع العزم على فصل الجنوب"..!!. ومقال د. محمد وقيع الله كعادته.. زادت فيه العبارات المتشنجة والتي لا يسندها منطق ولاعقل، بينما قال كلاماً عن مؤتمره (الوطني) يكذبه فيه الواقع مثل جملة " بينما أُوتي المؤتمر الوطني نصراً عزيزاً لم يكن في الحسبان،وبغير جدال يمكن أن يقول القائل إن المؤتمر الوطني كان هو الكاسب الأكبر من وراء مؤتمر جوبا"، وفي اعتقادي أن المواطن السوداني واع ومدرك لهذه الخطرفات.. ومؤتمر الحزب الحاكم.. ومؤتمر جوبا..ليس الموضوع الذي أنا بصدده إنما جاءت في سياق الأحداث الجارية في البلاد والتي تستحق التعليق عليها.. في أواخر شهر رمضان المنصرم ارتكب فينا النظام الحاكم وعتاولته في الاجهزة الامنية والقانونية والشرطية جرماً كبيراً، إذ بشعوا بسمعة السودان فيما عرف بأزمة (البنطلون) وجعلوا سيرتنا على كل قنوات الدنيا، وبكل لغات العالم تساءلت البشرية جمعاء.. أي نظام حكم هذا الذي يرتكب حماقة مثل هذه..إنَّها “الجاهلية” بعينها، فنظام (الانقاذ) الذي لم ينتصر قط لقضايا المواطنين وللتحول الديمقراطي (والحضاري والإنساني) يأبى إلا أن يختزل في المرأة جُل، إنْ لم يكن كل، معاني الشرف والأخلاق، فموت الأطفال والنساء في دارفور أهون عليه من أن تعيش المرأة السودانية حرَّةً من وصاية نظام يعاني من القصور المعرفي والسياسي والديمقراطي والحضاري، لذا لم يكن غريباً أن يحدث في بلادنا ما حدث..يكفي أن العاصمة الخرطوم لا زالت تعاني من الانقطاع المتكرر للكهرباء وماء الشرب، فيما يتبجح اعلاميي الحزب الحاكم والنفعيين من تكرار مفردة (الانجازات) و(التنمية الشاملة)..!!.
الدولة السودانية العظمى..!!
بينما كانت العاصمة الخرطوم ممتلئة شوارعها بمياه المطر والوحل جراء أمطار الثلاث ساعات التي أغرقتها وأصبحت سيمفونية نقيق الضفادع مع كورس طنين البعوض في مستنقعات وحفر العاصمة ملء الآذان، إذ بالدكتور (نافع) علي نافع يواسي السودانيين المنكوبين مبشراً لهم بدولة سودانية عظمى خلال الثلاث سنوات القادمة، لا أدري لماذا اختار الدكتور الرقم (ثلاثة)، ففي عهد الإنقاذ حتى الأعداد البسيطة لم تسلم من التحوير والتحريف، فإذا قلت إن الساعة في السودان 12 ستكذبك الطبيعة بشمسها وظلالها الممدودة معالماً للوقت وتقول لك هي 11 ولكن أهل الإنقاذ لم يسلم من تزييفهم حتى ملكوت الله مصرين تقديم التوقيت صيفاً وشتاءً عكس المعمول به في كل الدنيا. عدم مصداقية القوم أصبحت حقيقة لا تنتطح عليها عنزتان. وكان حرياً في هذا الظرف بالدكتور نافع علي نافع أن يرحم هذا الشعب المكلوم، ويبشر أهل العاصمة فقط لا كل السودان الكبير بشبكة مجاري حضارية وخلال خمس سنوات بدلاً من دولة عظمى خلال ثلاث سنوات فقط يتحدث العالم عن قوتها الكلامية. لقد أعلن القوم رمضان قبل الفائت النفرة الزراعية التي خابت ، ولكم خابت لهم وعود فأصبحوا كحال عرقوب التي وصفها حسان بن ثابت في لاميته في مدح الرسول الأكرم بـ (وما مواعيدها إلا الأباطيل) وهم مازالوا يستسيغون وعودهم الخوالف، حتى أصبح كلام ليلهم يمحوه نهارهم لأنهم تناسوا قاعدة بسيطة وهي أن القوة يصنعها الصدق مع النفس ومع الإنسان وتأهيله لا استنزافه وتدميره وهي قاعدة قرآنية يعرفها حتى غير المسلمين ولكن القوم يقرأون القرآن ويستدلون به استدلالاً لا يتجاوز حلاقيمهم. كل السودانيين يريدون للسودان القوة والمنعة ولكن قوة حق وعدل ومساواة، الضعيف فيها قوي حتى يؤخذ الحق له، دولة يأخذ أهلها الظالم حتى يرجع إلى رشده، دولة تحترم القوانين والعهود، لا دولة تفتل عضلاتها ضد بنيها تجرهم نحو المهالك لأجل أشواق عصبة ضربت بالدين والأعراف عرض الحائط حتى صارت الدولة السودانية دولة منبوذة لا مصداقية لها بعد أن كان السوداني في الداخل والخارج مثالاً لمكارم الأخلاق والحمية والشهامة، ولو لا الإرث السوداني الطيب لما قبل الإنقاذ لأصبح الشعب السوداني منبوذاً في العالم جراء سلوك حكومته المنقذة التي غيبت بقهرها وجبروتها شمس المحنة وأصبح الظالم معه الحق والمظلوم لا نصير له. كيف تصبح الدولة عظمى والعالم مشغول بانفلونزا الخنازير وهي مشغولة بلابسات بناطلين، وإذا بالمطر ينهمر على عاصمتها الحضارية فتقف الحياة وتغرق في شبر موية.
يحبون السودان كأنهم يكرهونه..!!.
إن القوة التي يتحدث عنها د.(نافع) ستأكله وتأكل أخضر ويابس البلد، لأنها قوة مستمدة من شعور استبدادي متسلق بالدين للسلطة التي أصبحت هي الدين بل أضحت ديناً ضد الدين، إنها ليست القوة لأجل الحق لكنها القوة لأجل القوة، لقد وصل القوم إلى حالة من اللامبالاة والغطرسة جعلتهم مصداقية القول المأثور "راكب السلطة كراكب ظهر الأسد"، وهل استأسدت حكومة على الشعب السوداني كما استأسدوا. د. (نافع) من الذين من الله عليهم بالدراسة عندما كان التعليم مجاناً، وربما من عليه سودان الخير آنذاك بالإبتعاث للخارج عله يرجع ويخدمه في مجاله بالتخصص الزراعي، ولكن الرجل له أشواق أن يكون السودان -الذي ترقد فيه ملايين الأفدنة الزراعية بوراً- أن يكون دولة عظمى بفهمه هو للقوة، ود. نافع ممن رأى وسار في شوارع دُول عُظمى ينهمر فيها المطر لساعات وأيام وبعد لحظات تنساب المياه وكأن شيئاً لم يكن وتستمر الحياة في سلاسة، أليس في تجارب هذه الدُول ما يلفت نظر هؤلاء القوم إلى كيفية صناعة الحياة بدلاً من صناعة الوهم والهموم التي أثقلت كاهل الشعب المغلوب على أمره.
صدق المرحوم الطيب صالح حينما تساءل عنهم قائلاً "لماذا يحبون السودان كأنهم يكرهونه..!"، خروج (نافع) بمثل هذا الكلام وفي هذا الظرف وبهذه اللامبالاة يعني أن القوم غارقون في الوهم حتى أنوفهم، وإلا فما هي بُشريات الدولة العُظمى والناس في هم جراء سقوط منازلهم وسقوط مدارس عديدة، إن الصُور التي عرضتها القنوات الفضائية من الجو للخرطوم وهي تعوم في المياه جد مُخجلة، لقد أخجلتنا وخجلنا للإنقاذيين على هذا المنظر اللاحضاري الذي شاهده الأجانب وكفروا لنا ما حدث ودعوا لنا أن يحفظ الله أهل السودان، ولكنهم والحمدلله لم يسمعوا نافع الذي يعد السودانيين وعد الغرور وهم يخرجون من منازلهم يغوصون في الوحل في عاصمة التوجه الحضاري الذي انقضت منه 20 سنة، ولا ندري متى نصل لمرحلة الدولة العُظمى.
لماذا لا يأكلون مُعجنات..؟!.
د. (نافع) بتصريحه هذا كأنه يكرر قول ملكة فرنسا وهي ترى من شرفة قصرها الفرنسيين يتظاهرون من حياة البؤس فتساءلت ما بال هؤلاء..؟. فقيل لها إنهم لا يجدون الخبز.. فقالت لماذا لا يأكلون مُعجنات..؟!. هل ستكون دولة (نافع) العُظمى بدون شبكة مجاري في العاصمة أم أن شبكة المجاري ستكون بعد قيام دولته العظمى، إن نظرية نافع العظموية هذه ستنسف مقدمة ابن خلدون التي عمل بها الغرب طويلاً فحققها علماً مادياً ستأتي أجيال لاحقة فترى طبائع عمرانه فتدرك انه كانت هنا حضارة، أما طبائع عمران (نافع) فهو الكلام وما أسهل الجُهود على الإنسان عندما تكون كلاماً مجانياً يدفع فاتورته الشعب المكلوم. سيقولون هناك نهضة في الكباري وفي السدود ولكن ما دفعه الشعب السوداني فقط ناهيك عن المداخيل الزراعية والنفطية كفيل ببناء أكثر من سودان، إن أغرب التبريرات في احتباس مياه المطر هو التخريج غير المسبوق حتى في القرون الوسطى الذي أطلقه احد المسؤولين المنقذين حينما نسب أحد أسباب احتباس مياه الأمطار إلى ستات الشاي اللائي تسبب (تفل) شايهن في إغلاق المجاري في كثير من المناطق، ولعمري هذا هراء يؤسس لغرس الاستحمار في محل النباهة وكان الأجدر به أن يسكت فمن كان يؤمن بالله فليقل خيراً أو ليصمت, ولكن هذه المأثورات ذابت في وهيج السلطة، ولعل هذا المأفون بالسُلطة تناسى أن من بين ستات الشاي عصاميات يدفعن مصاريف دراسة أبنائهن للدولة التي لا يحن لها قلب، ولا يرف لها جفن، ولا تأخذها في جمع الضرائب والزكوات لومة لائم، ومن نفس ستات الشاي اللائي سد (تفل) شايهن مصارف عاصمة الدولة العظمى، نحمد الله أنه لم ينسب المسؤولون الأمطار لمؤامرة خارجية حسب ما تواتر عنهم في أحداث كثيرة. إني أسأل القوم لو أن ما حدث في الخرطوم من لا مبالاة أدت إلى كارثة تراكم مياه الأمطار، لو حدث هذا في دولة مثل أمريكا أو اليابان أو ألمانيا أو بريطانيا أو فرنسا ( دول الشياطين كما يسمونها) هل سيظل وزير الطرق أو وزير الإسكان أو المعتمد في منصبه، بالطبع هناك سيستقيل بنفسه دون أن يطلب منه أحد ذلك، ولكن القوم عندنا لا يستقيلون ولا يقالون حتى لو غرقت البلد عن بكرة أبيها، العالم يسابق الزمن للوصول لمصل يكافح به أنفلونزا الخنازير، ما هو رصيد دولة (نافع) العُظمى في هذا التسابق، هل هي القوة التي يسعى إليها ليهدد بها الدول التي تنتج للبشرية مثل هذه اللقاحات، سيكون السودان يا (دكتور) دولة قوية عندما يأتي من يهتم باستئصال الملاريا التي أصبحت من الإمراض المتخلفة وعندما تنتج أرضه المنتجات الزراعية ويكتفي شعبها ويمد الغير بما فاض من منتجات، وعندما يُسهم في حل مشاكل الغير لا زيادتها، الدولة القوية تسعى إليها الدول لا تهرب منها كما يهرب الصحيح من الأجرب. سيكون السودان قوياً لا عظيماً (فالعظمة لله يا دكتور) عندما تعود العافية للتعليم وللصحة وللبلديات وللمستشفيات، عندما لا يدفع التلاميذ في المدارس الحكومية قروش الطباشير وفواتير كهرباء المدارس كما يحدث في مناطق لا تبعد عن العاصمة 100 كلم، القوة والعافية ستعود للسودان عندما تعود جامعة الخرطوم منارة كما كانت عندما كنت طالباً فيها لا ما آلت إليه عندما صرت أحد المتنفذين الحكوميين.
لا يسألون عما يفعلون..!!.
اللافت للنظر أن الذين آلت إليهم الأمور في حكم السودان من الشق المنفصل ( المؤتمر الوطني) لم تكن لهم سيرة تذكر في مجالس الحركة الإسلامية الروحية والتربوية، خصوصاً أيام الجبهة الإسلامية القومية التي ظهر فيها قادة الحركة (الإسلامية) يجوبون مدن وقرى السودان لطرح برنامج الجبهة أيام الديمقراطية الثالثة في الثمانينات، ولعل هذا ما يعكس الوجه والأسلوب الذي يحكمون به البلد، إذ أن تصرفاتهم حيرت الشعب بل حيرت حتى غير الملتزمين بحكم الدين للحياة السياسية، وحتى كثير من الشيوعيين والبعثيين الذين كان يتم تصويرهم على أنهم أعداء للتوجه الإسلامي لم يصل سلوكهم في ظلم الناس هذا المنحى البغيض، بل منهم كثيرون ممن يتصف بعفة اليد واللسان ويخشون أن تجترح أيديهم شيئاً من حقوق الناس عُدواناً وظلماً ويعرفون جيداً أن الظلم ظلمات لا يسقط عند الله بالتقادم أو لأن مقترفيه يُقدمون لله خدمة إقامة الدولة الإسلامية بالتالي فهم لا يسألون عما يفعلون. متى تدرك العُصبة الحاكمة أن الإسلام ليس شعاراً يُرفع وإنما مسؤولية تجاه النفس والمجتمع والعالم، ولو عرفوا ذلك لما كانت السلطة هي أكبر همهم ومبلغ علمهم، وحتى لا تنسى ذاكرة الشعب ما جرى من تخريب ديني وفكري واجتماعي خلال حكمهم لا بد من البحث في السؤال الخالد الذي تركه المرحوم الطيب صالح حتى لا يقع الشعب فريسة مرة أخرى للأنبياء الكذبة ( من أين جاء هؤلاء.. ومن هم هؤلاء..!!!)، هل سمع هؤلاء قول أحد الخلفاء بأن "هم المسلم بذل السلام للعالم". أضاف شيوخ الإنقاذ وكهولها من ماسكي زمام الحُكم أو المُؤثرين فيه 20 عاماً إلى سنوات عمرهم الذي استلموا عنده السلطة، فمنهم من بلغ الستين والسبعين وهو عمر يصبح فيه الإنسان أكثر قرباً من الله وانكساراً إليه وليناً مع البشر، لكنهم لا يزدادون إلا شراسةً كأنهم من فطرة غير فطرة هذا الشعب، مؤكدين قول أحد الحكماء "يشيخ الإنسان ويلازمه شيئان، الحرص وطول الأمل"،وهل هناك حرص وطول أمل أكثر مما نراه فيهم..؟!. في ذات الأيام التي خرج فيها (الدكتور) بتصريح العظمة، كان يجري في كينيا منتدىً عالمياً لتوفير الشبكة العريضة للإنترنت بعنوانConnecting Africa لتوفير الخدمات الحكومية للمواطنين الريفيين عبر الانترنت، وعلق وزير الاتصالات الكيني بأن اهتمامه ينصب نحو الطبقة السكانية دون خط الفقر في الريف لتستفيد من هذه الشبكة وبأسعار في المتناول حتى يحصلوا على الطلبات والخدمات الحكومية باستخدامها مما سيساعد في خفض الرشوة والمحسوبية في القطاع الحكومي، هذا يجري في الجارة كينيا في سياسة واقعية تخدم المُواطن البسيط، وإني أكاد أجزم أن الدخل القومي الكيني أقل من السوداني بكثير، والمتابعين للحركة العالمية في مجال تقنية معلومات الاتصالات يعلمون جيداً الحراك العالمي في هذا المجال، ولكن ما يجري عندنا هو العكس، فجودة تقديم الخدمات الحكومية مضرة للنظام لأن الفوضى الخلاقة Creative Chaos هي أفضل الطرق لبقائه، وجودة الخدمات ستفضح انه جعل مُؤسسات السودان دكاناً للاسترزاق وبلا أدنى دفاتر للحسابات، لذلك فان الخدمات الحكومية الجيدة عندنا هي آخر ما سيخطر على بال المسؤولين، اللهم إلا بارقة واحدة في هذا المجال أسسها والي القضارف (سابقاً) والي الخرطوم حالياً، والعشم أن يواصل في مثل هذه المشاريع المهمة للمواطنين ولا ينجر وراء هرطقة العظمة المدفوعة بالفكر النفعي، يا لها من عظمة جهُولة عجُولة وما أرى فهماً لها سوى امتلاك السلاح لا امتلاك العلم والفكر وتنوير الشعب بمبادئ الحرية والعدل والمساواة وحب الخير، عظمة تمتلك السلاح ظناً أنها تخدم الدين ولا تدري بجهلها أنها تحارب الدين بل تؤسس ديناً ضد الدين الحنيف. لقد أسقط سلوك (الإنقاذيين) الجُدد الدين الحنيف في السودان شهيداً في سابقة لن ينساها تاريخ هذا البلد المتسامح، وبعد مضي العشرين عاما من حكمهم التي تعادل 100 سنة من التخريب الديني والاجتماعي يتطلب هول حادثاتهم وحوادثهم ظهور مُجدد للدين يكنس موبقاتهم ويوضح لأهل السودان حتى المسلمين منهم أن الذي كان لم يكن ديناً وإنما ديناً ضد الدين..!.

السبت، سبتمبر 12، 2009

السودان وايران ..معارك الدين والدنيا..!!.

* خالد ابواحمد abuahmed153@hotmail.com
على الرغم من أن النظامين السوداني الإسلاموي (بالانقلاب) والنظام الإيراني الجمهوري الإسلامي (بالثورة) يرتكزان على مدرستين مختلفتين مذهباً، ووسيلةً للوصول للحكم إلا أن الحراك السياسي والجماهيري في البلدين يؤكد أن معركة الإنسان نحو الحرية الأصيلة لن تنتهي إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، وأن ترقي الإنسان نحو حرية الاختيار (حتى للدين) هي الخيار الإلهي للإنسان ليشق طريقه نحو العبودية الحقة دون عوامل تأثير اجتماعي أو بيئي أو سياسي على شاكلة ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه ...). وأن المتلهفين لحسم السلطة لتطبيق الخيار الاسلاموي عجلةً إنما يقبضون الريح، فما باتت الشعارات بالإسلاموية السياسية لقيام الدولة المتوضئة تحت فوهات البنادق مقنعة للجماهير ما دام سلوك متبنييها يجانف القيم الداعين إليها ظاهراً وعياناً بياناً، بل يجافي أيما مجافاة معايير الحرية النبوية في تناقض فاضح لكل ذي بصر ناهيك عن أصحاب البصيرة، ما يؤكد بروز أنواتهم في هذه المشاريع.
إن ما يحدث في السودان وايران حالياً يمثل صورة طبيعية لحقيقة الصراع الكوني في الانعتاق من قبضة القوى الباطشة والظالمة على مقدرات الشعوب لذا نجد (الأنا) هي أساس الصراع الإنساني المختزن كله في قصة إبليس المتمرد رفضاً للسجود لأهل الحرية الحقة، والمُتسبب عناداً وكفراً في الإنزال للأرض لتبدأ قصة الإنسانية في الصراع المستمر بين الأنا و (اللا أنا) والذي تلعب فيه (الأنا) السياسية دور الوقود الحيوي، هذا وما زال إبليس الكبير يزعم أنه أكبر المُوحدين، ما يدلل بأن هناك فرقاً بين الشرك والكفر وليس كما أوهمنا المفسرون، فهو لم يقل لله أشركت بك بل أقر له بالإلوهية والعزة ( فبعزتك لأغوينهم ...)، وهذه هي الجدلية التي سيمارسها الإنسان عند نزوله إلى الأرض، فيصلي لله ويعلن الشهادة له لكنه يسلك سلوكاً يعبد به (الأنا) المستمدة نسخة طبق الأصل من محاججة إبليس الذي مازال مصراً أن يجول ويصول حوله ومعه ثم به، كما أن انتزاع الأنا من الناس هي أكبر المعاناة التي عانها الرسل والأنبياء في مسيرة تبليغهم الناس رسالات الله وبعد إسلامهم لله.
وإن قال قائل بأن لأصحاب المشاريع الإسلاموية المزعومين أتباع من حملة أعلى الشهادات وأدناها، أقول بأن هؤلاء الأتباع لهم أيضاً (أنوات) تُشاكل وتُطابق (أنوات) القادة إلا أن هؤلاء الأتباع ما وجدوا فرصة تفريغها في الغير فانبطحوا لمن يظهر أنواتهم بالأصالة عنهم فتبعوهم حالهم حال المصريين عندما قال لهم فرعون "أنا ربكم الأعلى" فهتفوا دون تفكر قائلين ( يعيش ربنا الأعلى)، ( فأضل قومه فأطاعوه) حتى أداة العطف (فـ) تدل على العطف بدون تراخي مما يدل أن بعض الناس لا يفكر ولا يتروى ولا يتعظ، .. ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم " الأرواح جُند مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف"..؟.
هل هناك يا هداك الله ( كما يحلو لأستاذنا مصطفى البطل التعبير) إنسان يكره قيم العدل التي جاء بها كل الرسل وبذل لها الفلاسفة أرواحهم، ويحب الظلم والظالم سواء على مستوى الممارسة الحياتية اليومية أو الممارسة السياسية العامة مسلماً كان أو هندوسياً إلا إذا كان مختلاً.. هل هناك إنسان كهذا .. كلا وألف كلا .. وبحديث الرسول، لا حاجة لنا هنا بمجادلات الأشاعرة والمعتزلة حول قُبح أو حُسن العدل، فالعدل حسن حتى عند الحمير لو نطقت بدل النهيق كلاماً عند ضربها لتحث السير أكثر مما تطيق.
ليس في القرآن الكريم ولا الإسلام تفريغ عقد السادية ولا بل عفو وصفح وتفويض الأمر لله ولكن يفعل ذلك الصفوة من أصحاب القلوب الزكية، الذين يخدمون المشروع الإلهي الحق وعينهم على الجزاء هناك لا هنا، لا أصحاب الذكاء العقلي فما وجدت في القرآن آية واحدة ذكرت العقل بخير، بل المدح كله للقلب عند المقاربة بينهما ما يدل أن قيم الخير لا ارتباط لها بالعقل وإنما جماع أمرها هو القلب وما العقل إلا Filter لا يقبل منه القلب إلا المصفى من الأمور، فالدين لا يكون في العقول إنما في القلوب،لذلك ما جبر الله حتى الرسل أن يسوقوا الناس إليه سوق البهائم ناهيك عن أن تقوم بذلك (أنوات) عاجزة عن كبت طبيعة اللحم المكتنز والدم الجاري فيها على حساب القلب في أقل الابتلاءات اليومية المتعرضين لها، مدعين أنهم الأعقل مما يؤكد أن إجماع العقلاء الذي أسست له المدارس الفقهية يحتاج للمراجعة خصوصاً بعد التجربة السياسية السودانية الإسلاموية الحاضرة التي من وراءها مجموعة كبيرة من عقلاء المستنيرين، والتي تجعلني أؤكد أن العقلاء قد يجتمعون في أحياناً كثيرة على الأمر (الشين) وترفض قلوبهم (الزين) لأنه يجانب مصلحتهم، ودونكم في حياتنا الشاخصة هذه نماذج جماعية أخرى... هذا مع وجود كثير من أهل العفو والصفح ومحبي العدل المبتعدين من تسيير شؤون الناس العامة حكمةً وإدراكاً منهم لوعورة طرق سوق الناس إلى الله غصباً مثل ما يفعل سُرّاق الدين الذين أخرجوه من قواعده الأصيلة ليحققوا أنواتهم، فطمسوا جمال أمره، ومضاء عزمه، ورحمة نهجه.
هذا الأمر يقودنا تلقائياً للسؤال الموضوعي والمنطقي..كيف تمكنت الدُول الأوربية من خلال المشروع الفكري الإنساني أن تُؤسس معايير سياسية واقتصادية واجتماعية رفعت بها إنسانها إلى ممارسات حياتية يومية راقية، مقابل حالتنا الماثلة نحن المسلمون من المحيط للخليج مع تفاوت في المقدار، وكيف عجز سدنة المشاريع الاسلاموية الحاليين من تحقيق ذلك؟. ومن سوء الحال تأتي الأسئلة تباعاً.. لماذا يهرب كثير من العُلماء والمهنيين من دُولنا إلى دول الغرب ملتجئين لعفوها وسعة صدرها..؟ تساؤل مشروع يضرب في صميم الأُسس الفكرية المرتكزة عليها مفاهيم أنظمتنا ممن ترفع راية الدين، وتتاجر بها وتريق بها الدماء البريئة.
وتساؤل مشروع ما دمنا والحمد لله نؤمن بأن القرآن مشروع إلهي مقابل المشروع البشري الواصل للفضاء، والمتواصل بالانترنت في عصرنا هذا، فهل يقول لنا سدنة المشاريع السياسية الاسلاموية أن الحالة الواصلة إليها شعوبنا هو كل ما استقوه من القرآن ليضعوا به هذه الشعوب في مصافي الجهل وأفكار الحقد وضيق مواعين الحوار، هذا والقرآن أكبر كتاب يدعوا للحوار (كتاباً قيماً) بل أغلبه حوار بنصوص عالية القيمة راقية النهج .... هل تعلمنا منه كيف ندير الحوار مع أنفسنا أم لجأنا للإقصاء وحرب الملفات القذرة لإثبات أنواتنا حتى إن أدى ذلك أن نرفع الإسلام شعاراً للوصول لمأربنا في سابقة تكرر رفع قميص عثمان، ورفع المصاحف في وقعة صفين ضاربين بالمبادئ الأصيلة للدين عرض الحائط مقابل نفخ أهوج وبليد للأنا.
ما يعني لو أن الرسول صلى الله عليه وسلم يسير الآن في شوارع نيويورك أو إحدى أرقى العواصم العالمية ويتعامل مع تفاصيل الحياة المعقدة فيها لتعامل بتمدن، وتحضر، وأدب، وجمال سلوك يلفت إليه دهشةً أنظار مواطني هذه المُدن الذين ابتكروا تفاصيل حياتهم وقوانينهم خلال قرون من الجهود والتعب، فكل متمدن متحضر وليس كل متحضر متمدن فقد يعيش الإنسان في قمة الحضارة وليس له نصيب من المدنية كما يفعل قادة لنا حاليين عاشوا ودرسوا في دول هي قمة العصر الحالي من الحضارة العلمية والفكرية والمعمارية، لكنهم طبقوا شريعة الأسود لا شريعة الله.
إن العُذر والتفسير الوحيدين الذي أجده لهم أن إسلامهم يعتمد على الشق العقلي لا القلبي- بيد أن الأسود لا تفترس طرائدها من الخلف وتمنحها على الأقل حق الاختيار في الدفاع عن نفسها مواجهةً أو هرباً ثم تصرعها، وكثير من البشر لا يتسع خُلقهم فعل ذلك في ثورة غضبهم عند تصفية خصوماتهم تحديداً السياسية منها .. خُيّر الرسول بأن يتدخل الأخشبين لحسم الصراع فاختار العفو والدعاء لهم لا عليهم، ولم يعيرهم بأنهم كانوا قبله من شدة الجوع يسافرون في رحلة الشتاء والصيف للشام في ستة شهور لجلب الطعام، بل بشرهم بانفتاح الدنيا لهم والفوز بالآخرة .. عكس ما تم وصفنا إعلامياً أمام الوكالات بأننا كنا نصطف في صفوف الخبز ساعات .. نعم وقفنا وكانت (الرغيفة) أكبر حجماً... وما وقفنا وغابت قيم التكافل وما زالت (الرغيفة) بقروش كما كانت وخرجت عيون الرأسمالية العشوائية الجديدة من محاجرها تكنس أخضر ويابس البلد دون مبالاة مثل طوفان الجراد الذي لا يشبع .. كذلك خُيّر الرسول أن يكون ملكاً رسولاً فاختار أن يجوع يوماً مع الفقراء ويأكل يوماً مثلهم فما بال الهمازين، اللماظين، النهازين يطمسون هذا الجمال وهذه الروعة وهذا البهاء. لا يمكن أن يجتمع لدى من يقود الدين في حياة الناس حسابات (متلتلة) في البنوك، ولا عقارات شاخصة تحجب نزول الماء من السماء، بل حياة شظف وترقي تفتح للقلب معارف، ورحمة وأخلاق الله ليُساس بها الناس. إن أصحاب المشروع الإسلاموي بفهمهم هذا يحجبون نور الإسلام عن الآخرين بل يضعضعون إسلام المسلمين أنفسهم ... ودونكم حكاوى ونكات في بلادنا أصبحت أقرب إلى قول الكفر الصراح، حيث أصبحت النكتة السوداء في أمور الدين مادة متداولة بين العامة دون محاذير.
ثم أليس من المخجل أن تأتينا نشرات الأخبار منذ فترة في كل يوم جمعة عن تفجير مسجد في إحدى الدول، وقد أخذت بلادنا نصيباً من ذلك وكاد أن يستمر لولا لطف الله وسماحة الشعب السوداني ورسوخ قيمه، مسجد يفجره مُسلمون يصلون على مسلمين مُقيمين الصلاة التي يقول البارئ جلا وعلا عنها إنها لكبيرة إلا على الخاشعين.. وبين الخاشعين وكبيرة تشخص في الخاطر صور حياتنا وكلام أحد المسئولين بأن المساجد أصبحت ممتلئة بالمصلين. لكني أسأله ما هو مردود إمتلاء المساجد بالمصلين على الحياة العامة..؟!.
فلقد صار لدينا الدين مظهراً من مظاهر الكمال البشري مثل أن يتزوج المرء لكي يقال فلاناً قد أكمل دينه لا أن يحقق الهدف الرباني من هذا الاقتران العظيم، فنحن بعد إقامة الصلاة.. نكذب.. ونسرق.. ونظلم.. ونسفك الدماء بأسهل ما يكون، وكل ذلك تقرباً لله حسب فهمنا، فما خشعنا لله في الصلاة ولا قدرناه حق قدره في مجريات الحياة، وما استجمعنا قيمه القرآنية بعد الصلاة للتزود منه وشحذ نفوسنا بقيمه في الممارسة الحياتية اليومية لتكون الحياة كذلك صلاة لله فلا ظلم ولا كذب ولا أكل لأموال الناس بخطط وسياسات إن انطلت على البسطاء لا تنطلي على الملاْ الأعلى الذي لعله ينظر إلى سلوكنا السياسي اللامبالي نظرة غضب جف جراءها الزرع والضرع، وفشلت من جراءها الخطط الزراعية، وقد أعمى الله بصيرتهم فاصبحوا مشغولين بخدمة أنفسهم وذويهم حتى أطبقت عليهم الأمطار من كل جانب كشفت عن سوءاتهم الدنيئة..فتهدمت البيوت ودمرت الطرق التي (شرطوا) بها آذاننا عبر الاجهزة الاعلامية وجاء الخريف وكأن شيئاً لم يكن، فرددوا الاسطوانة السنوية "أننا تفاجأنا بالأمطار"، فسلوك الإنسان ينعكس على حياته إما نعمةً أو نغمةً، لكن القوم لا يتعلمون من التجارب، وقد بين لنا المولى تعالى بأنه لا يفلح المجرمون.
إنني لم أجد في الحياة أو في الكتب أناساً في مثل حالتنا السياسية الراهنة يتقربون لله بالابتعاد عنه، لكنه لا يعتدي على أهل مملكته وذلك مداً لنا برحمته للتعلم منها لنؤسس لنظام حياتي رحيم ليس همه جلد الناس وقهرهم بل تأديبهم بلين القول وإرشادهم وعلاجهم وتعليمهم مجاناً، ودفع الضمان الاجتماعي لهم، وتوفير طبيب أسرة يفحصهم دورياً، وبناء الإصحاح الصحي لهم، وتشييد الطرق بمواصفات عالمية لهم، حينها سيخشعون لله في الصلاة وفي الحياة ولن يكذبوا أو يزيدوا اللبن بالماء، أو يبيعوا لحم الحمير على أنه لحم بقر ..ذلك هو التوجه الحضاري الحق وما بعد الحق إلا ضنك العيش ولو جرى النيل بترولاً.
إن الإشكالية الكبرى التي تواجه النظام الإسلاموي في السودان ليس المعارضة السياسية، ولا التلويح بحصاره اقتصادياً، فهذه أمور تتراوح وتزول بالإلتفاف عليها كما حدث خلال 20 عاماً في مضيعة لوقت البلاد ما شهد لها التاريخ مثيلاً، لكن إشكاليته الكبرى أن الشعب السوداني بحسه الصوفي من أكثر الشعوب معرفةً ووعياً بسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وبهذه السيرة سيلزمهم ويحاسبهم هذا الشعب بما قالوا ... فحساب التاريخ أوجع من ثورة عابرة لأنه سيطعن في آدميتهم مدى الدهر بما كسبت أيديهم.
ومن غرائب الصدف أننا كل يوم نكتشف جديد عن احتراف الكذب لهؤلاء القوم فقد اعترف الرئيس عمر البشير هذا العام بحقيقة بيوت الاشباح والممارسات التي تمت في الماضي، في سياق حديثه حول تغير النظام لاستراتيجيته السابقة، ومؤكداً ما ظل ينفيه الانقاذيون على مدى عشرين عاماً مضت، وصرفت فيه الدولة المال الكثير لتسويق هذه الأكاذيب من أكل وراحة الشعب السوداني، آخيراً أعترف الرئيس بعد كذبة استمرت عقدين من الزمان في ظل نفي شبه يومي وعلى كل المستويات من الاعلام وعلى كل الصعد المحلية والاقليمية والدولية. وفي ذات السياق فضح موقع "جهان نيوز" الإيراني العالم الاسلامي بنشر صوراً لوزير العلوم في حكومة أحمدي نجاد السابقة وهو يلتقي بنظيره الإسرائيلي، وقد سبب نشر الصور حرجاً بالغاً للرئيس الإيراني الذي طالما انتقد إسرائيل وطالب بمحوها من الوجود، وقد كان يتاجر سياسياً باظهاره العداء لإسرائيل لكسب أكبر عدد من المؤيدين، وكذلك يفعل النظام السوداني وقد احترف الكذب على الشعب 20 عاماً، أي مستقبل هذا الذي ينتظرنا مع أنظمة ترفع شعار الإسلام وتفعل نقيضه..؟!.
* صحفي سوداني مقيم بالبحرين

الخميس، أغسطس 20، 2009

الحركات الجهادية المتجددة ومحنة الحركة الإسلامية الحديثة ...

بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي
خلال الأيام القليلة الماضية طغت على عناوين الأخبار الصادرة من العالم الإسلامي أخبار توشك أن تكون خبراً واحداً لولا تنوع مصادرها الجغرافية. ففي الشهر الماضي كانت ولاية باوشي في شمال نيجيريا مسرحاً لاشتباكات عنيفة بين قوات الجيش والشرطة ومجموعة تطلق على نفسها اسم "بوكو حرام" (التربية المحرمة). وقد انتشرت المعارك التي زعمت الشرطة أنها اندلعت بعد هجوم للمجموعة على مركز للشركة لنهب أسلحة إلى ولايات شمالية أخرى منها كانو وبرنو، قبل أن تنتهي بمقتل زعيم المجموعة محمد يوسف، إضافة إلى مئات آخرين من أنصار الحركة والقوات الحكومية والمدنيين. وقد تبادل الجيش والشرطة اتهامات حول المسؤولية عن مقتل يوسف بعد ساعات بعد اعتقاله، حيث نشرت له صورة وهو مقيد اليدين. وكانت جماعة "بوكو حرام" 2004، وهي جماعة تدعو إلى إنشاء إمارة إسلامية في نيجيريا وتحارب كل مظاهر الحداثة والتغريب، قد دخلت في صدامات على نطاق محدود مع قوات الأمن في عام.في الصومال ترددت أنباء عن الصدامات المتكررة بين جماعة الشباب الإسلامي والحزب الإسلامي من جهة، وبين أنصار الحكومة الصومالية برئاسة شيخ شريف شيخ أحمد، ومن بينهم حركة السنة والجماعة الموالية لشيخ شريف. وهنا أيضاً يدور نزاع حول تطبيق الشريعة الإسلامية، حيث أكدت الحكومة الصومالية نيتها تطبيق الشريعة، ولكن حركة الشباب الإسلامي وحلفائها يعبرون عن عدم اقتناع بهذا المسعى، ويزايدون على حلفائهم السابقين في هذه المسألة.
والمعروف أيضاً أن باوشي وعدداً كبيراً من الولايات في شمال نيجيريا قد شرعت في تطبيق الشريعة منذ أكثر من عقد من الزمان.في باكستان أيضاً يستمر الصراع بين الحكومة وطالبان باكستان بعد نزاع حول تطبيق الشريعة الإسلامية في منطقة وادي سوات وبعض مناطق القبائل. ويعتبر هذا الصراع امتداداً للصراع الدائر في أفغانستان بين حركة طالبان وقوى الاحتلال الأجنبي وأنصار الاحتلال المحليين. وفي اليمن، اشتعل الصراع مجدداً بين قوات الجيش اليمني وجماعة الحوثيين، وهي جماعة زيدية متشددة تدعو إلى تطبيق مبادئ العقيدة الزيدية في الحكم الإسلامي، وقد ظل أتباعها في تزايد مستمر في الأتباع والقوة، رغم أن هذه الحرب السادسة التي شنتها ضدها القوات الحكومية.في السودان ما تزال محاكمة المجموعة التي قتلت دبلوماسياً أمريكياً وسائقه السوداني في ليلة رأس السنة الميلادية من العام الماضي جارية، حيث قررت المحكمة إلغاء حكم الإعدام بعد أن تنازلت عائلة السائق عن حقها في القصاص. وتعتبر المجموعة الجهادية السلفية التي استهدفت الدبلوماسي الأمريكي أثناء عودته إلى منزله من احتفالات رأس السنة (وكانت تعمل وحدها على ما يبدو) جزءاً من تيار سلفي جهادي عريض لا ينتظم في تنظيم واحد، ولكنه يتزايد في العضوية والنشاط. وقد قبضت سلطات الأمن على مجموعة من الشباب العام الماضي بعد أن انفجرت عبوة ناسفة كانوا يقومون بتحضيرها. وفي وقت سابق هذا العام قتل أكاديمي تتهمه السلطات الأمنية بدعم التيار الجهادي السلفي في حادث سير اكتنفه غموض واتهامات من ذويه بأنه تعرض للقتل.وقد انضم إلى هذه البانوراما خلال اليومين الماضيين الصراع الذي تفجر في رفح جنوب غزة بين سلطة حماس من جهة وحركة جند أنصارالله التي يتزعمها الشيخ عبد اللطيف موسى (الملقب أبو النور المقدسي) ذات التوجه السلفي، وأدى إلى مقتل 28 شخصا بينهم موسى ومساعده أبو عبدالله السوري وإصابة حوالي 130 آخرين.
وكان موسى قد أعلن في رفح إقامة إمارة إسلامية في غزة لقيادة الجهاد وتطبيق الشريعة الإسلامية. وتمثل الحركة التي قادها موسى "المقدسي" جزءاً من تيار يتنامى في غزة، وتمثله جماعات كثيرة لا تتبع قيادة ولا هيكلية تنظيمية موحدة، ولكنها تعبر عن فكر يقترب من الفكر السلفي، وتتهم حماس بالتهاون في تطبيق الشريعة الإسلامية التي تراها أولوية حتى على الجهاد، الذي تتهم حماس بالتهاون فيه أيضاً.من الواضح إذن أننا هنا أمام ظاهرة لا يمكن التهوين من شأنها. فهناك بالقطع توجه متزايد من قبل الشباب نحو اعتناق الفكر السلفي الجهادي على حساب الانتماء للحركات الإسلامية الحديثة. ويتميز الفكر الذي تجنح نحوه هذه المجموعات بتوجه نحو رفض الحداثة في كل صورها: في اللباس واللغة وظواهر أخرى. ففي نيجيريا، نجد أن شباب "بوكو حرام" يرفض التعليم الحديث. وفي الصومال قامت مجموعة الشباب الإسلامي مؤخراً بانتزاع الأسنان المعدنية من أفواه الصوماليين بدعوى أنها تخالف الشريعة، بينما اتهمهم خصومهم بأن غرضهم كان النهب.
وفي باكستان وأفغانستان حرم الطالبان تعليم الفتيات ودمروا مدارسهن. وفي فلسطين والسودان اتهم المتشددون الحكومات بالتهاون في تطبيق الشريعة الإسلامية وعقد صفقات مذلة مع القوى الدولية.وهناك ظاهرة أخرى مهمة، وهي أن هذه الحركات تنشأ على هامش ويمين الحركات الإسلامية الحديثة، وغالباً في بلاد تكون فيها السلطة لقوى إسلامية. فحركة طالبان نشأت في أفغانستان بعد تولي قيادات المجاهدين للسلطة. وفي كل من السودان ونيجيريا وغزة قامت هذه الحركات في ظل وضع تولت فيه الحركات الإسلامية السلطة أو أعلنت تطبيق الشريعة. وفي اليمن نشأت حركة الحوثي في بلد تقليدي ما يزال للشريعة الإسلامية فيه وضع متميز، وفي ظل حكومة متحالفة مع الإسلاميين. وقد كانت الحكومة هي التي أنشأت في وقت ما مجموعة الشباب المؤمن التي انبثقت منها حركة الحوثيين.هذه التيارات تمثل إذن حركة نقدية تجاه الحركات الإسلامية الحديثة وشبه الحديثة بكل تجلياتها، وتتهم هذه الحركات بالإخفاق في تطبيق مبادئ الشريعة. وفوق ذلك تمثل تنكراً لأهم مركب من مركبات الحركات الإسلامية التي نشأت على يد أمثال الشيخ حسن البنا والسيد أبو الأعلى المودودي ومن سار على سنتها. ذلك أن تلك الحركات تستصحب الحداثة إما نقداً أو تقبلاً مشروطاً، وتعتبر جزءاً من عملية تحديث المجتمعات الإسلامية مع المحافظة على هويتها الإسلامية.
أما هذه الحركات الجديدة فإنها ترفض الحداثة جملة وتفصيلاً، وتصر على العيش خارجها على مذهب أهل الكهف. ولكنها مع ذلك تتعامل مع تقنيات الحداثة، خاصة في مجالات التسلح والاتصالات والتخطيط العسكري.وقد كان ثار جدل في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا حول منشأ القاعدة ومنبع فكرها. وقد رأى كثير من المحللين الغربيين وغيرهم أن نشأة القاعدة جاءت من تزاوج الفكر السلفي الوهابي (أسامة بن لادن) والفكر الإسلامي الحديث كما تبلور عند الإخوان المسلمين عامة وسيد قطب خاصة (أيمن الظواهري). ولكن كثيراً من السياسيين والعلماء السعوديين رفضوا هذا التحليل، واتهموا الأثر الإخواني بأنه كان المسؤول وحده عن تحول بن لادن وأتباعه إلى خط المواجهة المسلحة مع السعودية وحلفائها.
من جهتهم فإن بعض منظري الإخوان نفوا عن أنفسهم هذه التهمة وأشاروا إلى الفكر السلفي نفسه، وتجلياته الثورية، سواءً في أصله أيام ابن عبدالوهاب وبن سعود، أو في أيام عبدالعزيز وحركات الإخوان، أو في حركة جهيمان العتيبي عام 1979، وكلها أمور سبقت نشأة الإخوان المسلمين أو قامت بمعزل عنهم.هناك جدل آخر ثار في أعقاب نشأة الحركات الإسلامية الجهادية في مصر في السبعينات، حيث كان الخط الرسمي المصري لأيديولوجيي النظام ومؤسسته الأمنية الادعاء بأن كل الحركات الجهادية قد "خرجت من عباءة الإخوان". ومحصلة هذا الرأي هو أن الإخوان هم المشكلة وأصل البلاء. ولكن مزيداً من التأمل يظهر أن هذه الحركات خرجت بمعزل من الإخوان من جهة، وكرد فعل على غيابهم أولاً، ثم ضد سياساتهم ومواقفهم ثانياً. فتاريخ الجماعات الإسلامية يكشف أن هذه الحركات نشأت بمبادرات مستقلة وفي غياب قيادات الإخوان في السجون أو المنافي. وقد كان يحركها غضب على النظام المصري بسبب اضطهاده للإخوان، مما عزز التوجه نحو العنف عند هذه الفئات بدافع الانتقام الإسلاميين المضطهدين، أو الاحتراز ضد ما وقع لهم. ولكن عندما خرج الإخوان من السجن، تباينت مواقف الجماعات الجديدة منهم، حيث قبل بعضهم أن "يدخل في عباءة الإخوان" التي لم تكن له صلة بها من قبل، بينما عبر آخرون عن خيبة أمل عميقة في موقف الإخوان المهادن للنظام.
ولا بد من تذكر أن هذه الحركات نشأت في عصر الطفرة النفطية، وعلى خلفية هجرة مئات الآلاف من المصريين وغيرهم من أقاصي ريف البلدان العربية إلى المملكة العربية السعودية، وتشبعهم بالفكر السلفي الذي أصبح جاهزاً للتصدير وقتها. فقد انتشرت كتب ابن القيم وابن تيمية في كافة أرجاء الوطن العربي، وتسنى لمنظرين من أمثال عبدالسلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" لاستخراج نظريتهم في الجهاد المستمر بالرجوع مباشرة إلى ابن تيمية بدون الحاجة إلى وساطة قطب والمودودي.ومن الواضح أن هذا الفكر الجديد-القديم قد أصبحت له جاذبية خاصة لدى الشباب، حتى المتعلم منهم، وذلك لبساطة أطروحاته في مقابل الأطروحات المعقدة للحركات الإسلامية الحديثة. ولكن إخفاقات الحركات الإسلامية الحديثة ووصولها إلى ما يبدو انه طريق مسدود كان أيضاً عاملاً مهماً في صعود هذه التيارات الجديدة. في السودان على سبيل المثال، فإن المشاكل التي اعترت النموذج الإسلامي، وما شاب التجربة من صراعات وانشقاقات واتهامات بالفساد والقهر وغير ذلك، دفع بكثير من الشباب إلى التوجه نحو الفكر السلفي، وهذا بدوره قرب الشباب من الحركات الجهادية. ففي إحدى جولات الانتخابات في إحدى الجامعات السودانية قبل فترة لم تطل، حازت القائمة التي تمثل التيار السلفي على نسبة من الأصوات تعادل مرة ونصف ما حاز عليه كل من طلاب المؤتمر الموالين للحكومة وخصومهم من أتباع الشيخ الترابي. وهناك العشرات من الشباب ممن اتجهوا للانضمام للحركات الجهادية في الصومال أو العراق، أو هم مشغولون بخيارات محلية من نفس النوع.هناك إذن حاجة لكثير من التأمل في الظروف التي أدت إلى نشأة هذه الحركات والتيارات المتكاثرة عدداً وأتباعاً، وفي ظروف مختلفة جغرافياً وسياسياً واجتماعياً، وفي ظل فشل متزايد من قبل الحركات الإسلامية الحديثة في استيعاب وإلهام هذه الطاقات الشبابية الطامحة إلى التمسك بمبادئ الإسلام وقيمه، ولكنها تضل طريقها إلى الكهوف الحقيقية والمجازية في غياب فكر وعمل إسلامي يمتلك الوضوح والفعالية والإقناع.

الأربعاء، يونيو 10، 2009

صناعة الكذب وامتهان الشعب والتاريخ والقيم..!!

وقفت قبل ايام عند جملة قالها أحد مؤيدي الحزب الحاكم في السودان يصف فيها معارضي دارفور بانهم معارضة الفنادق.. والمغزى معروف لكل صاحب بصيرة.. ويضيف الرجل لانتقاده المعارضين "إنهم مُعارضو فنادق الخمس نجوم"، ملمحاً إلى أن كل من يعارض النظام يقف ضد إرادة الوطن، رابطاً ذلك بالاسترزاق من دول من بينها اسرائيل وأمريكا. هذه الجملة وقفت عندها ملياً تذكرت السنوات الأُولى لـ (الانقاذ) وكيف أننا كُنا نتهِم المُعارضين ونُشين صورتهم على صفحات الجرائد وفي سائر وسائل الاعلام، ونطلق عليهم (معارضة الفنادق) ونزيد على ذلك الكثير من شاكلة (الليالي الحمراء) التي كنا نزعم أن المُعارضون يعيشونها في غربتهم ومعارضتهم..!!. لكن التجربة والمعايشة والتأمل والتفكر كانت كفيلة بتصحيح هذه الصُور على الأقل لشخصي، لأناس من بني جلدتنا فقط كانوا يختلفون معنا في التوجهات وكنا نشين سمعتهم لهذا السبب ولم يكن هذا الفعل مبرراً بأي حال من الأحوال. يوماً ما.. في بداية التسعينات كُنت ضيفاً على المعارضة العسكرية في قاهرة المعز في مهمة وطنية على اثرها دخلت أوكار المعارضة هناك (القيادة الشرعية) وتعرفت على الكثير من العسكريين السودانيين من الرُتب العالية..بل دخلت بيت رأس (القايدة) آنذاك العميد الركن عبدالعزيز خالد وأكلت معه الملح والملاح في بيته الكائن بمصر الجديدة مدينة نصر، وتعرفت على زوجته السودانية الأصيلة سُعاد عبدالعاطي.. والمهمة التي كنت بصددها أكدت ليّ خطأ ما كنا نزعم في صحفنا وأجهزة إعلامنا، وأكثر ما آلمني وحز في نفسي أن الذين كنا نسئ إليهم كانوا متمسكين بالأصالة السودانية وبالاسلام أكثر منا نحن..!!. كُل أسِرة أبناء عبدالعزيز خالد ملصق عليها أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم..أدعية النوم وأدعية الصباح والمساء، وكانت رُوح البيت بيت رئيس القيادة الشرعية تُظللها الطيبة والروح التي تربينا عليها في السودان، فكانت الأخت سعاد عبدالعاطي تجمع الكثير من المعارضين وخاصة العُزاب منهم يجتمعوا نهار كل جمعة لتناول طعام الغداء من أطايب الاكل السوداني (ملاح أُم رقيقة والكِسرة والقُراصة بالدمعة). أياماً وليالي..نعم كانت صعبة بالنسبة إليّ شخصياً أن ينكشف أمري ..لكن لم أجد فيها أي فنادق خمس نجوم ولا ليالي حمراء ولا صفراء ..كما كُنا نزعم..وجدت سودانيين أُصلا..شردتهم (الانقاذ) وفعلت في أُسرهم الأفاعيل، وجدت أسراً تعرضت للكثير من المآسي حتى تخرج من السودان واللحاق بأبناءها في الخارج. وقد شهدت بيوت الأشباح الكثير من الظلامات التي وقعت على المعارضين وكانت أجهزة الاعلام المحلية والقيادات الحاكمة على أعلى مُستوى تنفي وُقوعها وتصف الآخرين بالكذب والارتزاق للأجنبي، وبعد عقدين من الزمان اعترف بها الرئيس عمر البشير على رؤوس الأشهاد.. فمن يصدقهم بعد اليوم إن نفوا وأمعنوا في النفي.. ولو تعلقوا باستار الكعبة. أخي القاري الكريم.. وقفت طويلاً عند ترديد (نغمة) مؤيدي المؤتمر الوطني للآخرين بالعمالة والارتزاق.. متأملاً ومتسائلاً في نفسي: عشرون عاماً متواصلة ولا زال الكذب مُتواصلاً..؟. عشرون عاماً مضت، وبسبب الكذب لا زال هناك من يتضرر..أشخاصاً..وأُسراً..وقبايلاً؟؟ كل انواع الضرر المادي والنفسي والمعنوي..بل أرواح عزيزة راحت في بلادنا ومن بني جلدتنا بسبب الكذب والمعلومات الكاذبة والمضللة التي تتعاطاه السلطات الرسمية مع الأصرار الشديد والتمسك بهكذا نهج يحكم زوراً وبهتاناً باسم الاسلام..والاسلام برئ..براءة الذئب من دم بني يعقوب. ومكمن الألم الذي يعتصر القلب أن القوم لا زالوا يتحدثون صباحاً ومساءً عن الاسلام الذي يقول قرآنه الكريم من لدن المولى سبحانه وتعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات 6 صدق الله العظيم. هل تبينوا..؟. وهل ندم القوم من ظلم العقدين من السنوات العجاف التي مرت على حكم البلاد..؟!. الآية الكريمة المذكورة آنفاً من سورة (الحجرات). سورة الحجرات هي سورة مدنية تعالج بعض مظاهر التأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم: بعدم رفع الصوت فوق صوته، وعدم مناداته باسمه (محمد)، واحترام بيوت أمهات، وهي حقاً سورة الآداب الإجتماعية وقد سميّت بـ (الحجرات) لأن الله تعالى ذكر فيها حرمة بيوت النبي وهي الحجرات التي كان يسكنها أمهات المؤمنين الطاهرات رضوان الله عليهم وهذا لتربطنا بالنبي وفي هذا دلالة أيضاً على ارتباط السور الثلاثة (محمد) و(الفتح) و(الحجرات) بمحور واحد هو (محمد ) ورسالته ومضمون ما جاء به، ففي سورة محمد كان الهدف إتّباع الرسول وفي سورة الفتح مواصفات أتباعه وفي سورة الحجرات أدب التعامل مع الرسول و المجتمع، الأدب مع الشرع الاسلامي، الأدب مع النبي وأدب تلقّي الأخبار، وأدب الأخوّة بين المؤمنين، وما يتصل بالإصلاح في حال وقوع خلاف، و الآداب الإجتماعية بين المسلمين، و أدب التعامل مع الناس بشكل عام. وفي تلك الايام تعرفت بالصدفة على إحدى القيادات الختمية البارزة ومن رجال المال والاعمال الختميين المشهور بصلاحهم ..المتزوج من شقيقة أحد أعز أصحابي..حكي لي كيف أن المعلومات الكاذبة والمضللة لدى الاجهزة الأمنية والسياسية عن شخصه قد تسببت في ظلم كبير حاقه في أعماله وتجارته حيث كان يمارس تجارته من القاهرة بعد الضغوط التي مارستها على كل من لم يقف معها مؤيداً، وصارخاً بالهتاف ومن ضمن ما كذبوا في الرجل قالوا انه يدعم المعارضين في الخارج ويبذل كل جهده للانقلاب على النظام، وبسبب تلك الفرية تضرر الرجل كثيرا، فقررت الذهاب لمن في يديه السلطة لمساعدة الاخ الختمي الذي طال ما حدثني عنه صديقي..عن خلقه وأدبه وتدينه، فذهبت للمقدم حينها صلاح عبدالله (صلاح قوش) ومعي رجل الاعمال الختمي الكبير وقد وجد الفرصة لشرح مشكلته وللأمانة والتاريخ حلت مشكلة الرجل، بل وصى صلاح قوش الذي كان رئيساً وحدة العمليات الخاصة آنذاك أن أذهب به للاخ محمد أحمد عثمان رئيس الهيئة العامة للاستثمار في حينها (قريباً كان ضمن عضوية المؤتمر الشعبي لا أدري الآن أين ذهب) فتقدم رجل الاعمال بطلب قطعة أرض لإنشاء أكبر مصنع عليها للصابون من أكبر المصانع ليس في السودان فحسب بل في المنطقة، ولا أدري بعد ذلك ما جرى. لكن المهم في هذه القصة ان المعلومات الكاذبة والمضللة التي تتلقاها الجهات الرسمية أمنية وغيرها بدون تروية والتأكد من مصداقيتها تتسبب في عظائم الأمور على الكل، حتى على النظام لأنه أصبح بلا مصداقية، والمجتمع كذلك يتضرر من كِذب القيادات التي استمرأت الكذب، فأصبحت البلاد تمسى وتصبح على مشكلة جديدة لغياب المصداقية والشفافية فيما تطرح فلم يكن غريباً ألبته أن رفض البعض نتيجة التعداد السكاني لأن النظام لم يعرف له كلمة صدق على الاطلاق. وأن لغة الكذب التي يتبعها الحُكم في بلادنا تعود بنا القهقهري عشرات السنين... وكما هو معروف أن اللغة هي أخطر سلاح خصوصاً عندما توجه لعواطف الجماهير المغيبة لتصور لهم أن العقيدة أو الوطن مستهدف، وحينما يستخدموها لتنزيل نصوص تؤيدهم ويحجموا عن نصوص تدينهم وتنسف حتى أسس صلاحهم لتولي أدنى أمور الناس. وهل قامت المذاهب والاحزاب والفرق والحروب بدايةً إلا باللغة، ولكن أشد مخاطر اللغة تأتي عند تفسير النص المقدس (القرآن- الحديث الصحيح) لتمرير النص وتطويعه ليصب في صالح مستخدميها. وهل قامت (الانقاذ) إلا على لغة إثارة المشاعر..؟. وهل هناك حكومة صرفت لغةً وكلاماً أكثر من (الإنقاذ)..؟. إنها حكومة الكلام والصرف البذخي على الكِذب.. لكن أخطر الكلام هو تطويع آيات الله لأشواق القوم للتمكن من الحُكم، إذ يُركز فقهاء النظام على تفاسير طاعة السُلطان ولو فعل كل شيء مالم يمنع الناس الصلاة، لاحظوا معي يمكن للسلطان أن يقتل ويحرق وينسف ... وعلى الناس طاعته.. لماذا؟ لأنه لم يمنعهم الصلاة، في حين أن هناك آية تختصر كل الرسالات الضخمة للانبياء من معانة وتشريد وقتل للأصحاب والأهل من لدن نوح عليه السلام إلى رسولنا الأمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أية تختصر مسيرة الأنبياء الضخمة لتقول: ( إنا أرسلنا المرسلين ليقيموا العدل بين الناس) فرسالة الرُسل هي إقامة العدالة بمعناها الشامل، هذا طبعاً مع تعريفهم بالإله الحق، نسمع من فقهاء (الإنقاذ) أحاديث السمع والطاعة للسُلطان، ولكن لا نسمع منهم أحاديث مثل ( من صلى وعليه ثوب بعشرة دنانير كان فيها ديناراً إكتسبه حراماً فلا صلاة له) .. بالتالي من هو الحاكم الذي يُطاع طالما لم يمنع الناس من الصلاة، لقد استعمر الانجليز السودان، فهل منعُوا الناس الصلاة لتأتي (الإنقاذ) بعد عدة حكومات وطنية وتتيحها لهم مليئة بالخشوع، إنهم يعلمون الظروف الموضوعية لكثير من الأحاديث ولكنهم يتفادونها ليؤسسوا دولة الكِذب والظُلم. الكذب على التاريخ..والشعب والقيم.. في شهر مايو الماضي تذكرت الحكومة واعلامها واقعة الغزو على امدرمان التي حدثت في العاشر من مايو الماضي 2008م وقد أعاد التلفزيون القومي الاسطوانة المشروخة والسمجة "امدرمان مقبرة الغزاة"و عملاء الاستعمار..والدعم الصهيوني ..وما إلى ذلك. ولأن ذاكرة التاريخ مُتقدة دوماً..لم أنس غزوة أُمدرمان الأُولى في يوم الجمعة 2 يوليو 1976م والتي سماها نظام الرئيس المغفور له جعفر نميري بـ (المرتزقة) وكان الذين على سدة الحكم في مايو 2009م هم أنفسهم الذين غاروا على أُمدرمان وكانت مقبرة لهم، وليس أُمدرمان وحدها بل العاصمة الخرطوم نفسها. كان د. غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية الحالي يحمل رشاشاً وقد اشتبك في معركة حامية مع قوات الجيش داخل مبنى اللاسلكي بالقرب من مبنى الجوزات بالخرطوم و كان قاب قوسين أو أدنى من الموت كما ذكر لي الأخ أمين حسن عمر.. وفي مكان آخر.. كان وزير (خارجية) المؤتمر الوطني الحالي علي كرتي يحمل رشاشاً أيضاً يقاتل ويصرع..وثم فلان وفلان وفلان ..الآن على سدة الحكم يعتبرون أن غزوة امدرمان 2008م ارتزاقاً عمالة للأجنبي وللصهيونية العالمية. يا لها من مفارقات.. علي كرتي لأول مرة أسمعه يتحدث عن تلك الغزوة التي سماها (مباركة) عندما كُنا في المعسكر الخاص للقوات الخاصة التابعة للدفاع الشعبي في المكان الذي حدث فيه معركة كرري بامدرمان..تحدث كرتي عن البطولات والشُهداء والدماء العزيزة، وكيف أن أبناء الحركة (الاسلامية) قد قدموا التضحيات الجِسام، وذكر أن الشهيد عبدالإله خوجلي كان في السنة الآخيرة بكلية الطب أصر شديداً أن يشترك في المعركة..وقد فعل حتى استشهد. وكيف أن فلاناً..قدم نموذجا في التضحية والفداء.. هذه الغزوة..يوليو 1976م ..مباركة.. وغزوة امدرمان مايو 2008م عمالة للاجنبي.. والغريبة ان التوقيت كان واحداً يوم (الجمعة)..!!. برغم أن الأُولى كانت مدعُومة من ليبيا وبشكل واضح وليس مخفي..ودعمها العقيد القذافي شخصياً..!!. ما الذي جعل هذه (كراعاً)... وهذه (ِرجل)..؟!. علي كرتي شخصياً..كان يتحدث في مايو الماضي عن بطولات الجيش السودان.وكيف أنه سحق ما أسماهم (العُملاء).. غزوة أمدرمان الأُولى صنعت أدباً وثقافة استغلتها الحركة (الاسلامية ) في استقطاب الآخرين. كتب (الشهيد) حسن سليمان قصيدة المشهورة: قسمات الفجر تتهلل بندى الاسلام تتبلل والنسم الطيب يتعلل بأريج القرآن الزاكي.. يا قائد أخصلنا النية ورفعنا الراية المطوية سنروم الغرف العلوية يا حور الجنة لقياكِ. القائد أقسم لن نرجع ولغير الخالق لن نركع سنطهر وحل المستنفع ونثير النقع لعراكِ.. إلخ القصيدة.. وكتب سيد الخطيب قصيدته الذائعة الصيت: سنار موعِدُنا يا باقون جيناك يا سنار والجحفل الجرار والوابل المدرار نعدي لهم عدوا يدفعنا الايمان بالواحد الديان إلخ القصيدة.. وكُتبت في هذه الغزة (يوليو 1976م) العشرات من القصائد ونسجت القصص عن البطولة والفداء، وبذات القدر كُتبت عن غزوة امدرمان الثانية (مايو 2008م) قصائد الهجاء والقدح. لكن العجيب والغريب فعلاً ..كان موقف الشعب السوداني حيال الغزوتين.. في غزوة امدرمان الأُولى وفي تلك الجمعة (الثاني من يوليو 1976م) عندما دخلت القوات الغازية المدينة خرجت امدرمان عن بكرة أبيها تهلل وتكبر فرحة بزوال عهد الرئيس (نميري) وكنت في سن الثالثة عشر وهتفت مع الهاتفين وفرحت معهم، وكنا نقف امام منزل العم ياسين عمر الامام حيث جاءت حافلة كبيرة ومن بابها الخلفي كان يظهر احد جنود الحركة الغازية يحمل رشاشاً كبيراً..وقف يسأل عن بيت العم ياسين..وكانت الجماهير تهتف.. والنساء يُزغردن.. ذهبنا لبيوتنا وتناولنا طعام الافطار وفي منتصف اليوم وبالقرب من مسجد الأمين عبدالرحمن على شارع الوادي ظهرت من على البُعد دبابة كبيرة كنا نطلق عليها (صلاح الدين)..كانت تُطلق الرصاص في الهواء..كان عليها الرائد ابوالقاسم محمد ابراهيم وعدد من الضباط يرفعون أصابهم بعلامات النصر التي دلت على رجوع نظام نميري..فإذا بذات الجماهير.. وذات النساء اللائي كُن يزغردن.. يهللون ويكبرون فرحاً بعودة النظام من جديد. ذات المشهد بكل حذافيره قد حدث بالفعل في غزوة أمدرمان الثانية (مايو 2008م) حيث استقبلت جماهير المدينة (الغُزاة) بالتهليل والتكبير، ما أن أنجلى الموقف حتى عادت الجماهير للعبتها القديمة أن هللت وكبرت بالغازي (القديم) الحاكم الحالي. فقط الفرق الوحيد بين الغزوتين..أن الثانية التي حدثت في العاشر من مايو 2008م تم توثيقها تلفزيونياً ونقلت على عدد من الفضائيات العربية، ويظهر فيها دخول حركة العدل والمساواة لمدينة أمدرمان بسياراتهم والجماهير السودانية تهتف مستقبلة القوة العسكرية بالهتافات المعبرة عن الترحيب بهم. ذات الجماهير هللت وكبرّت وفرحت مُؤيدة للنظام.. هذه الفرحة وثقتها كاميرة تلفزيون السودان واعتبرها الاعلام الحكومي ملحمة جماهيرية..!. فضيحة سكرتير الرئيس البشير ورئيس التحرير..!!. كما ذكرت آنفاً أن القاعدة الربانية تقول أن الله سبحانه وتعالى لا يفلح عمل القوم الذي يكذبون على الناس ويحتالون عليهم. الآن تتنااقل مجالس العاصمة الخرطوم الفضيحة التي دوت داخل القصر الجمهوري و التي كان بطلها السكرتير الصحفي للرئيس عمر البشير الاستاذ محجوب فضل بدري والذي أقيل من منصه بسبب تأليفه مقابلة مزعومة مع رئيس الجمهورية ونشرتها صحيفة (الحُرة) الحديثة الإصدار وبدأت القصة عندما فكرت الصحيفة إجراء حوار صحفي مع الرئيس عمر البشير لتستهل به بدايتها في مشوار الصحافة. فاتصلت بالاخ محجوب بدري ونقلت له الرغبة ووافق مبدئياً على تلبية رغبة الصحيفة فطلب من رئيس التحرير كتابة الأسئلة على أن يقوم بالواجب. وبالفعل كتب رئيس تحرير (الحُرة) الأسئلة بعناية وقام السكرتير الصحفي لرئيس الجمهورية باستلام الأسئلة وعندما ذهب لمكتبه بالقصر الجمهوري بدأ في الإجابة على أسئلة (الحُرة) ولم يترك شاردة ولا واردة يجاوب عليها كلها دون أن يخطر الرئيس البشير بالموضوع وقام على الفور بتسليم الأسئلة وإجاباتها لرئيس تحرير صحيفة (الحُرة) الذي لم تسعة الفرحة بهذه (الخبطة) الصحفية الكُبرى. فنشرت الصحيفة (مقابلة الرئيس) المزعومة بالكامل، بعد أن أضاف عليها من خياله قصة قصة السفرية والطائر الميمون وما إلى ذلك،وكانت المسألة كلها كذب من أكاذيب النظام التي تحدثت عنها في آخر مقالي لي. أخي القارئ الكريم.. ذكرت بعض المواقف في هذا المقال من أجل التوثيق التاريخي فقط وليس من أجل أضفاء البطولات على شخصي فأنا في حل من هذه البطولات والتي إذا كنت أرغب فيها أو أعمل من أجلها لكنت الآن داخل السودان وأعيش في رقد من العيش، فإن قرار خروجي من الحركة (الاسلامية) ومن (النظام) كان قراراً شخصياً. أثق كثيراً في فطنة القارئ السوداني المتفهم أصلاً لما أكتب فله مني كل التقدير والاحترام.. 9 يونيو 2009

الدكتاتورية السودانية وامتهان الكذب..!!

وصفات طبية ونفسية نجدها في الكثير من المواقع الالكترونية الاجتماعية منها والتربوية تُوصي بأنواع مختلفة من علاج إدمان الكذب لدى الأطفال الصغار، وتكشف عن خطورة الكذب على مستقبل الطفل في مقبل الأيام.كنت أقف دائماً متسائلاً في نفسي لماذا لا توجد وصفات طبية ونفسية تنصح الانظمة الحاكمة المستبدة مثل حكومة السودان التي أدمنت الكذب حتى أصبحت بلادنا تعيش في حالة عدم استقرار نتيجة لممارسة الكذب على الشعب، دون النظر للآفة وأدمانها وخطورتها على مستقبل البلاد والعباد.غريبة.. ينصحون الاطفال الصغار ولا ينصحٌون الحُكام الذين يؤدي كذبهم لاراقة الدماء وضياع ثروات البلاد واشعال الحروب هنا وهناك ..!!. يقول د. صبري الأحمد الابراهيم "أن الكذب خلة رديئة، وصفة ذميمة، وهي أساس الرذائل، وأصل الشرور، فكثيراً ما ضاعت به حقوق، وانتهكت به حرمات، وارتكبت به جرائم".والكذب أصلاً هو مخالفة القول للواقع، وهو من أبشع العيوب والجرائم، ومصدر الآثام الشرور، وداعية الفضيحة والسقوط، لذلك حرمته الشريعة الإسلامية، ونعت على المتصفين به، توعدتهم في الكتاب والسنة:قال تعالى "إن الله لا يهدي من هو مُسرف كذاب" (غافر: 28). وقال تعالى: "ويل لكل أفاك أثيم"...(الجاثية:7).وقال تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله، وأولئك هم الكاذبون"، (النحل: 105).وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى "عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر والبر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، والفجور يهدي إلى النار، وما يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"، رواه البخاري ومسلم وأبو داوود والترمذي.قواسم مشتركة ومفارقاتفي حديث أجراه الرئيس الأمريكي بوش مع شقيقته دوروثي بوش لحساب مكتبة الكونجرس، قال إنه يود أن يذكره التاريخ باعتباره "الرجل الذي حرر خمسين مليوناً من الناس وساعد علي تحقيق السلام"...!!. ولم يكن من المتصور أن يبلغ الاستخفاف بعقول البشر إلي هذا الحد..! .. الرئيس الذي قتل أكثر من مليون ونصف المليون إنسان في العراق وأفغانستان و مئات الآلاف من الجرحي والمعاقين من ضحايا حروبه، و أكثر من أربعة آلاف ومائتي جندي أمريكي بالإضافة إلي عشرات الآلاف من الجرحي والمعاقين يعتبر نفسه (مُحرراً) و(صانعاً للسلام).!!. لا بل ويتفاخر الرجل بأنه لم (يبع روحه) وأنه جاء إلي واشنطن حاملاً مجموعة من (القيم)، ويتركها وهو يعتنق نفس (القيم) كما أنه واثق من أنه لن يضحي بهذه (القيم)..الرئيس الامريكي السابق جورج بوش الابن ثبت أنه كان يكذب طول الوقت وهو يعرف أنه يكذب لكي يبرر شن حروب غير متكافئة في العراق.القاسم المشترك بين حالة الولايات المتحدة الامريكية سابقاً.. وحالة السودان حالياً..انه في ذات الوقت الذي كان العالم يسمع أكاذيب الرئيس بوش كان رئيس السودان يكرر ذات السيناريو..لا..بل يُسب الرئيس بوش بكل ما أوتي من مفردات الشتيمة والإساءة..!!.والمفارقة العجيبة المضحكة ان إدارة الرئيس بوش هي التي ضغطت على الاطراف السودانية المتحاربة في الجنوب لتحقيق السلام في السودان فتكفلت بكل مصروفات منتجع نيفاشا من اقامة وأكل وشرب حتى ثمن الخمرة التي شربها القوم في نيفاشا دفعتها الادارة الامريكية.. وبعد كل ذلك يسوق صّحاف السودان د. ربيع عبدالعاطي "أن الرئيس البشير أوقف أطول حرب في تاريخ القارة الافريقية".. ولا يستحي أن يكرر هذا الكذب على اشهر القنوات الفضائية العربية، والكل يعلم الحقيقة..!.صّحاف آخر من صحاحيف (الانقاذ) يكذب بشكل فاضح ومُخجل قال من الفضائية السودانية أن "الانقاذ هي التي فتحت الباب للصين لتدخل أفريقيا"، وأصغر قارئ سوداني يعرف أن الصين دخلت افريقيا في نهاية الخمسينات عندما كانت تدعم حركات التحرر الافريقي، وفي تقرير له لإذاعة صوت هولندا العالمية يقول الصحفي الزامبي جاكلين ماريس من لوساكا متحدثاً عن السفير الصيني هناك مشتر شاو. "إن مستر تشاو أجرى تقييماً لسياسة "الطفل الواحد" الصينية، وأسهب في الثناء على الصين القديمة، يكرر مستر تشاو جمله الإنجليزية الركيكة كأنها شعارات: "الصين وزامبيا صديقان جيدان،" متبوعة بـ "الصين وزامبيا صديقان قديمان،" يكرر ثلاث مرات أن الصين في إفريقيا كما كانت تفعل قديماً بعيد الاستقلالات- لمساعدة بلدان القارة لكي تتطور". وفي مكان آخر يتحدث عن أول رئيس لزامبيا بعد استقلالها ويقول عنه:"بعد توليه رئاسة البلاد عام 1964م سارع كينيث كاوندا إلى زيارة "القائد الأكبر" ماو تسي تونغ، برفقة نظيره جوليوس نيريري، رئيس تنزانيا المجاورة كانت لديهم لقاءات حميمة مع القائد الثوري ماو، وإن كان كاوندا ينكر أنه استنسخ التجربة الماوية. يقول كاوندا إنه طور "اشتراكية إنسانية"، بتعليم مجاني، ورعاية صحية للجميع. شقّ الطرق وبنى المصانع في أبعد الأماكن النائية من البلاد. صارت زامبيا تصنـّع الدراجات الهوائية، والقناني الزجاجية، والأناناس المعلب. كل هذه المصانع أنشئت بموارد تصدير النحاس. رغم ذلك، من الصعب تجاهل الشبه بين البدلة السوداء البسيطة والأنيقة التي يرتديها الرئيس السابق كاوندا، وبين البدلات التي اشتهر بها ماو".كان ذلك في بداية الستينات..!!. وفي نهاية العقد الأول من القرن الـ 21 يأتي من يكذب علناً وفي الجهاز الاعلامي القومي..هكذا هم حكام (الانقاذ)..أكثر الحكام الذين كذبوا على الشعب، بل استخفوا بعقول الناس وبقدراتهم..والاعلام السوداني يتفاعل مع هذه الأكاذيب بالترديد وبلا حياء باعداد برامج تلفزيونية خاصة تمجد الأكاذيب، ولا أدري أين ذهب مثقفي السودان الذي يعرفون التاريخ ويلمون بدقائقه، ولا يتحملون قبل عام أو أكثر ضربت القوات الجوية السودانية بطائراتها قافلة امدادات تابعة للامم المتحدة في دارفور فبادر سفير السودان في المنظمة الدولية عبدالمحمود عبدالحليم امام الصحافيين بنفي الواقعة جملة وتفصيلاً.. متهماً حركة العدل والمساواة بارتكاب الهجوم، وفي اليوم التالي اعترفت الحكومة السودانية بالهجوم وقالت انه حدث بالخطأ، وذلك بعد أن علمت ان الهجوم مؤثق ولا سبيل للنفي، وأصبح المندوب في الامم المتحدة كاذب في نظر من استمع إليه بتأكيداته القوية وحماسه الزايد.وهو يعلم تمام العلم أن حكومته تكذب من صغيرها لكبيرها.. بيوت الاشباح..آخيراً اصبحت حقيقة..!! قبل ايام فاجأ الرئيس عمر البشير السودانيين باعترافه الشخصي بحقيقة بيوت الاشباح والممارسات التي تمت في الماضي، في سياق حديثه حول تغير النظام لاستراتيجيته السابقة، ومؤكداً ما ظل ينفيه الانقاذيون على مدى عشرين عاماً مضت، وصرفت فيه الدولة المال الكثير لتسويق هذه الأكاذيب من أكل وراحة الشعب السوداني، آخيراً أعترف الرئيس بعد كذبة استمرت عقدين من الزمان في ظل نفي شبه يومي وعلى كل المستويات من الاعلام وعلى كل الصعد المحلية والاقليمية والدولية.وعندما يتأمل المرء في كمية الأكاذيب التي تنشرها أجهزة الاعلام الحكومي يستغرب غاية الاستغراب..كما استغرب أديبنا الراحل الطيب صالح في مقالته المشهورة: "هل السماء صافية فوق أرض السودان أم أنهم حجبوها بالأكاذيب؟ هل ما زالوا يتحدثون عن الرخاء والناس جوعى؟ وعن الأمن والناس في ذعر وعن صلاح الأحوال والبلد خراب؟" وفي فقرة اخرى" من اين جاء هؤلاء الناس؟ أما أرضعتهم الأمهات والعمات والخالات ؟ أما أصغوا للرياح تهب من الشمال والجنوب؟ أما رأوا بروق الصعيد تشيل وتحط؟ أما شافوا القمح ينمو في الحقول وسبائط التمر مثقلة فوق هامات النخيل؟ أما سمعوا مدائح حاج الماحي وود سعد، وأغاني سرور وخليل فرح وحسن عطية والكابلي واحمد المصطفى؟ أما قرأوا شعر العباس والمجذوب؟ أما سمعوا الأصوات القديمة وأحسوا الأشواق القديمة، ألا يحبون الوطن كما نحبه؟ إذاً. لماذا يحبونه وكأنهم يكرهونه ويعملون على إعماره وكأنهم مسخرون لخرابه؟". ويختم المقال ذائع الصيت قائلاً:"هل حرائر النساء من "سودري" و"حمرة الوز" و"حمرة الشيخ" ما زلن يتسولن في شوارع الخرطوم؟ هل ما زال أهل الجنوب ينزحون إلى الشمال وأهل الشمال يهربون إلى أي بلد يقبلهم؟ هل أسعار الدولار لا تزال في صعود وأقدار الناس في هبوط..؟ أما زالوا يحلمون أن يُقيموا على جثة السودان المسكين خلافة إسلامية سودانية يبايعها أهل مصر وبلاد الشام والمغرب واليمن والعراق وبلاد جزيرة العرب؟ من أين جاء هؤلاء الناس؟ بل.. من هؤلاء الناس؟". التوقيع على النظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية..!!. كشف الزميل الصحفي المثابر الاخ عبدالمنعم سليمان قبل ايام قليلة فضيحة كبرى واحدة من فضائح النظام التاريخية إذ كشف أن الحكومة السودانية قد وافقت على النظام الأساسي للمحكمة بل الرئيس عمر البشير شخصياً قد وقع على النظام في 8 سبتمبر 2000م، والمصدر هو مجلة (المحامين) التي يرأس تحريرها الاستاذ فتحي خليل العدد الثاني فبراير 2003م، وفي ذات العدد كتب فتحي خليل مقالة عصماء يُمجد فيها نظام المحكمة الدولية ولم يؤكد توقيع السيد رئيس فحسب بل نادى بتعديل القوانين والتشريعات الوطنية لتتوائم مع ما ورد في النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقال خليل بنفسه" وقعت 139 دولة من ضمنها السودان اذ قام السيد رئيس الجمهورية بالتوقيع على النظام الاساسي، وان النظام الاساسي سيدخل حيز النفاذ في اليوم الاول من يوليو 2003م".الوثيقة التاريخية التي كشفها الزميل الصحفي مهمة للغاية من حيث كونها تثبت ان حكومة السودان (الانقاذ) كانت من اكثر المتحمسين لوجود المحكمة الجنائية الدولية وانها وقعت علي نظامها الاساسي بذلك الحماس فكانت بذلك أقوى المؤكدين على نجاع فكرتها، لكنها تنكرت لها بعد ان تورطت في دارفور. وصدقت العبقرية السودانية التي قالت أن "حبل الكذب قصير"، وحتماً سيعرف المواطن السوداني حجم الاكاذيب التي مورست ضده وحكمت بها البلاد بطولها وعرضها.كذب الشيخ الجديدولما صار الكذب مهنة وطبيعة وعادة لدى القوم كبارهم وصغارهم احتفظ التاريخ لهم بكل صغيرة وكبيرة، ومن ضمن ما وثقته اجهزة الاعلام والتقنية الجديدة الأكاذيب التي أطلقها الشيخ الجديد نائب رئيس الجمهورية على عثمان محمد طه التي بثها تلفزيون السودان عبر برنامج (في الواجهة) التلفزيوني في منتصف شهر يوليو 2004م بمناسبة الاحتفال بالعيد الـ 15 على (الانقاذ).. ونشرتها صحيفة (أخبار اليوم). قال علي عثمان في رده على سؤال مقدم البرنامج أحمد البلال الطيب على طريقة (حمد والديبة حاجة عجيبة) التي تعني إجادة تمرير الكرة بين اللاعبين والوصول المرمى.قائلاً:"استطاعت الانقاذ أن تطرح رؤى واضحة من خلال تأسيسها لدستور البلاد يحتوي علي جملة من المبادئ التي تصلح أساساً لادارة أوضاع البلاد في هذه الفترة وتؤسس للفترة المقبلة هذا الدستور في تقديرنا قد تضمن حصيلة تجارب الحكم والادارة في السودان في الفترات الماضية ونظرا الي التجارب المعاصرة والي المبادئ الدولية وتضمنها، ثم جاءت التجربة العملية بانشاء مؤسسات للدولة تأسيسا للامركزية الحكم وتأسيسا للحوار الوطنى الحر والبناء لمناخ ديمقراطي يستطيع المواطن فيه فردا او مجموعة ان يعبر عن ارائه ويشكل هذه الآراء ويجسدها في شكل مؤسسات تدير حواراً مفتوحا مع الساحة". وفي مواصلته للاجابة على السؤال قال النائب الأول للرئيس في حينها وهو يبتسم: "استطاعت الانقاذ أن تُؤسس لحرية الصحافة والنقد والتداول العام حول الموضوعات وان تنشئ اجهزة رقابة من خلال الانتخابات وتأسيس المجالس التشريعية والبرلمانية علي المستوي الولائى والاتحادي لتقوم بدورها في محاسبة الجهاز التنفيذي مرسية بذلك مبدأ الشفافية والمحاسبة العامة لاداء الاجهزة وان تؤسس لحكم القانون بانشاء قضاء مستقل ترسخت هيبته واحترامه لدي المواطن اولا من حيث انه يبني علي اعراف وقواعد لتحقيق العدالة ليست غريبة علي الوجدان السودانى فالقوانين والتشريعات التي سنت في خلال هذه الفترة استمدت كلها من ضمير الشعب ومن معتقداته فان القوانين التي اسست علي قواعد الشريعة الاسلامية هي تعبير عن التعايش والتصالح بين المجتمع وبين القوانين والقيم التي تحكمه"..كذب السيح والريح..!!.ولا زال الشيخ الجديد يواصل مسلسل الكذب عن الجنة التي اقامها لشعب السودان في مناطق أمري وكجبار ودارفور..الكذب لا يشترى بالمال..!!. وهل كان الكذب على الشعب فقط..؟؟!. الغريبة أن النظام كان ولا زال يكذب على نفسه ويصدق كذباته الكبيرة..هذا مرض عضال يستلزم العلاج..لكن بعد (خراب سوبا)..؟.يوما ما كنت عضواً في المكتب التنفيذي لوزير مالية (شمالي) بإحدى ولايات جنوب السودان في حقبة التسعينات، وبينما كنا نهم في كتابة تقرير الوزارة السنوي دخل علينا (الوزير) فطلب منا أن نكتب على غير الحقيقة أن الشركة الهندسية التي تتبع للوزارة (زراع استثماري) ربحت في عامها الأول مبلغ 5 مليون جنيه، وهذا لم يكن حقيقة ألبته، وكانت حاجة غريبة للغاية هذا التصرف سيما وأن الوزير كانت له مكانة كبيرة للغاية بين العاملين خلف الكواليس في حفظ أمن البلاد. وقبلها بسنوات كنت أعمل في إحدى القطاعات الاستراتيجية التنظيمية وبينما كنا نضع اللمسات الأخيرة على التقارير الربع سنوية لمناقشتها في الاجتماع الكبير ونحن ممثلين لكل ولايات السودان جاءنا أحد القيادات وطلب منا (نفخ) التقارير.. بمعنى أن نُضاعف الأرقام التي بحوزتنا حتى نظهر وكأننا حققنا أكثر من المطلوب..!!.رئيس الجمهورية كان دائماً يحضر الاجتماع السنوي الكبير وسط التهليل والتكبير والفرحة بانجازات كاذبة غير موجودة على أرض الواقع..لذا أشعر بمرارة لدرجة التقيوء كلما شاهدت الفضائية السودانية و مشاهد التهليل والتكبير عند وصول الرئيس أو نائبه، أعرف أن الكذب هو سيد الساحة وان مظاهر الفرحة الكاذبة ما عادت تطرب مسمعي، وهذه إجابة للذين سألوني عن سبب مقاطعتي الفضائيات السودانية..!. الخجل من النور..أثناء تقلبي لكتاب الكاتب السعودي عبدالله القصيمي (عار التاريخ) استوقفتني هذه العبارة التي تصور واقعنا بكل ما فيه، يربط بين الدكتاتورية وتأثيرها البليغ على الشعوب فيقول: "الدكتاتور لا يجئ في كل الظروف ولا في كل المجتمعات انه يجئ في ظروف خاصة قابلة لأن يمارس فيها كل جنونه..أنها ظروف تهئ للوقوع في شباك الدعاية والاستهواء، وانه من جهة آخرى لا يؤمن بالأخلاق ولا بالمنطق..أنه يكذب ويضلل ما استطاع لا يمنعه من ذلك مانع..انه لا يشعر أن أحداً يراه او ينكره او يحاسبه، انه لا يخجل من النور..أنه لا يراه..انه لا يحسب أي حساب لكل ما في الشمس من قوة ورؤية وكشف". هذا الكاتب يصور واقعنا بشكل غريب وكأنه يعرف ما يجري في كواليس حُكامنا وما يحدث في ساحتنا السياسية فيكتب قائلاً: "من جهة ثالثة ..ليس للجماهير مناعة – أي مناعة – ضد الانخداع والخوف وتصديق السحر، ان استعداد الجماهير للانخداع مشكلة قديمة وحديثة، لم يوجد لها علاج..انه لم يوجد لها العلاج، ان هذه الأمور الثلاثة تعطي دعايته المرهقة كل الفرص لكي تبلغ منتهاها..فإذا وجدت المجتمعات الهاربة من نفسها الباحثة عن الغواية، ووجدت تلك الغواية بكل مغرياتها وأساليبها وأنبيائها الكذبة، ثم سقطت على تلك المجتمعات كل كذبها وفجورها وانطلاقتها المتوحشة، ثم كانت المجتمعات بظروفها النفسية محتاجة الى الضلال والاتباع والايمان وتسليم القلاع للغزاة القادمين من وراء الضباب..إذا اجتمع ذلك كله، كان محتُوماً أن تجي دعاية الديكتاتور شيئاً مثيراً وحاسماً، أن هذا هو التفسير لما يثبت دائماً من تفوق الدعاية الديكتاتورية على دعايات خصومها..انها تجئ تعبيراً عن حالة أليمة موجودة.ان هذا يجعلها رسالة وانقاذاً في تصور الجماعات، لهذا يترامون تحت أقدامها بلا وقار أو ذكاء، انهم بذلك يهربون من انفسهم ومن فراغها الأليم العقيم، انهم لا يجيدون ما يملأ هذا الفراغ غير الايمان بالتعصب والحقد والكذب والوعود التي تطلقها هذه الدعاية الباهظة،أما خصومها فليست لهم هذه المزايا فلا يتكافأون معها، أن الجنون في السوق شئ متفوق ساحق لا ينافس"...!!. ان المجتمعات في الغالب تؤمن بالذين يعلمونها الكذب والغواية والبغض والحماقات لا بمن يعلمونها الحب والحقيقة والصداقة والعقل، أن الاكاذيب أقوى سحراً من الحقائق..ان المهرجين الصارخين يعطون الجماعات الفرصة لكي تريح آلامها وأعصابها، أو حرمانها أعظم ما يعيطها العقلاء المتوقرون.ما اسخف العقل حين يطلب الجنون..وما اسخف الاتزان في مخاطبة الجماهير التي تجد في الاكاذيب والمبالغات والتحويمات تعويضاً لها عن فقدها وعجزها وحاجتها.. كل الناس يحتاجون إلى تعويض ولو بالكذب، ولو بالاحتلام، ولو بالشتائم والحقد، لهذا يهاجمونني في كل ما أكتب لأنني لا أكذب عليهم..ولا أتجمل..ولا أدعي نبوءة..ولأنني أكتب لهم ما يبكيهم..وما يزرع في نفوسهم الرعب من عاقبة الطريق الذي يسيرون فيه..يهاجمونني لأنني أقول لهم الحقيقة المُرة بينما كل أجهزة الاعلام تقدم لهم الأكاذيب ممزوجة بالتهليل والتكبير..وموسيقى الجهاد وأغاني الحماسة. قبل 6 سنوات كتبت مقالاً منطلقاً من وازع الفطرة كالوا ليّ السباب والشتيمة ومن ضمن ما قالوا "أكلت خير (الإنقاذ) حتى شبعت وتأتي اليوم تحذر منها...؟"، قلت لهم بالحرف الواحد "أحسب أنني أحمل أمانة ورسالة سيسألني عنها المولى سبحانه وتعالى يوم أقف أمامه..ورسالتي عميقة الجذور وفي خاطري أبنائي وأبناء كل السودان أخاف عليهم من المستقبل المظلم".وكانت النتيجة سريعة على غير ما توقعت ..حملتها الأخبار اليومية..آلاف حالات الاغتصاب بين الناشئة..ومن قبلها تناقلته صحائف الدول المجاورة..أبناء الزنى الذين ضاقت بهم أرجاء البلاد يتكفل بهم الشعب الطيب المغلوب على أمره..أما المليارات من الجنيهات السودانية تُخصص للمؤتمرات عديمه الجدوى.. وجلب المؤيدين أعضاء النقابات العربية من محامين وقضاة وأكاديميين لتأييد الرئيس على خلفية اتهام المحكمة الجنائية الدولية، وينقلها الاعلام السوداني على الهواء مباشرة..واتحفنا القوم بعبارات المدح التي لم يحلم بها سيف الدولة من ابي الطيب المتنبئ.تسويق للكذب على المستوى الاقليمي والدولي..!! .ادعاء التنمية الكاذب ..!! ما وُجهت كاميرة تلفزيونية لمسئول سوداني إلا وتحدث عن التنمية التي حققتها (الحكومة)..والتنمية في فهم قادة النظام هي الجسور الجميلة والبنايات الشاهقة والحدائق العامة والجامعات التي لا أحد أصبح يعترف بشهاداتها.مظاهر التنمية هذه برغم علاتها..دفع ثمنها المواطن السوداني من دمه ولحمه وكرامته وعِرضه.إذا احتاج لعملية جراحية طُلب منه شراء الحُقن والشاش والسرير والبنج..وإذا احتاج لإدخال الكهرباء في منزله طلبوا منه شراء العمود والأسلاك..وإذا فكر في السفر خارج البلاد طلبت منه الأموال الطائلة..والرسوم التي لا تنتهي..وإذا عاد من غربته..طلبوا الأتاوات الكبيرة التي تنوء بحملها الجبال.فأصبح المواطن السوداني يدفع للحكومة وهو ميت ومسجى على النقالة ..إذا توفي في المستشفى حملوا الجثمان لمنزله.. وقبل أن ينزلوه من سيارة الاسعاف طلبوا قيمة المشوار .. مشوار الجثمان..!!. صناعة الكذب.. مؤخراً أسست (الحكومة) عدداً من الصُحف الموالية لها وأشاعت أنها صُحفاً مستقلة بعد أن فكت ضوائق من قاموا عليها من أجل الترويج للكذب والدفاع عنه.صحف جديدة تمثل صناعة تحويلية..تحول الهزيمة النكراء إلى انتصار تاريخي كبير.تُحول الحقائق الظاهرة مثل الشمس في رابعة النهار إلى أكاذيب ..وادعاءات..تصف من يتحدث بغيرها بالمرتزقة وصحافي المارينز..والخونة..الذين باعوا أوطانهم بثمن بخس.لكن العزاء الوحيد أن هذه (الصناعة) تخلو من المهندسين والمهرة والمبدعين والمؤمنين بالفكرة..بل هم مجرد كمبارس يؤدون دوراً لا يعرفون أهميته وتأثيره على الاوضاع. صناعة تخلو من أصحاب الموهبة.. إن صناعة الصحافة (الحكومية) التابعة للمؤتمر الوطني برغم امكانياتها المالية المهولة تخلو من كُتاب مبدعين يتناقل السودانييون مقالاتهم عبر الشبكة العنكبوتية مثل الأساتذة محمد موسى جبارة.. فتحي الضو ..حسن البطل... الحاج وراق.. عثمان ميرغني..عبدالباقي الظافر..إلخ. حتى مؤيدي الحزب الحاكم في أكبر المنتديات الالكترونية اشتهروا بلغة الشتيمة والسب والقول الساقط، ليس لهم ما يقنع الآخرين بجدوى الانحياز لهم لأن فاقد الشئ لا يعطيه.وخلاصة القول أن مسيرة الكذب التي استمرت عدين من الزمان نالت من السودان الشئ الكثير..فكانت عاقبته..فشل كل السياسيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية والتربوية والأمنية والعسكرية والدبلوماسية وأصبحت البلاد نهباً لكل فاسد وفاسق وانتشرت الأوبئة النفسية والاجتماعية بين الناس نتيجة للكذب.24 مايو 2009م

الخميس، أبريل 02، 2009

..ورحل طائر النورس ..عبدالله بدري في رحاب الله

من أقسي الأخبار التي يسمعها الانسان رحيل عزيز عن الدنيا التي لا تصلح إلا بأمثاله، بالأمس نعي الناعي أستاذنا الجليل وشيخنا الكريم المربي عبدالله بدري، وما أدراك ما عبدالله بدري.. رجل اجتمعت فيه كل الصفات الخيرة لدى بنى الإنسان وكان فوق انه مربي جليل وعبداً صالحاً كان داعية من الطراز الأول. ألم شديد وغصة تطعن في الحلق ودمعات حرى نزلت على رحيل عبدالله بدري.. رجل الشمائل الكريمة.. رجل المواقف.. الصادق الصدوق..داعية الحب والتراحم، أكرم به من مربي، كان أباً لكل الشباب الاسلامي وأخاً عزيزاً لكل الدعاة الاسلاميين من كافة التيارات الاسلامية والوطنية والقومية والحزبية، لم يعرف قلبه قط الكراهية والبغضاء. عرفت الفقيد عبدالله بدري منذ بداية انخراطي في الحركة الاسلامية في العام 1983م لكن عرفته أكثر في الفترة التي قمنا فيها بتأسيس (الجبهة الاسلامية) بمدينة أمردمان وكان المركز الرئيسي على شارع الوادي بودنوباوي مكاناً مركزياً لكل أعضاء الحركة في امدرمان بكل مناطقها وبما أن عبدالله بدري سليل أسرة كان لها ولا زال مركز الثقل في امدرمان كان يضئ بابتسامته المكان، وقوراً كريماً يلتقي الناس بالأحضان، كان لنا بمثابة الوالد والشيخ. وفي التسعينات قابلته كثيراً وقد أصبح من قادة العمل الخيري مسئولاً عن أحدى المنظمات الخيرية، ناشطاً وسياسياً لامعاً يتسم تواجده في دور الحركة المختلفة بالأبوية والاصلاح بين الناس، غيوراً على الاسلام سريع الغضب فيما يتعلق بعدم الانضباط في العمل وأداء التكاليف، وفي فترة من الفترات حدثني عنه شيخنا الجليل مد الله في ايامه شيخنا صادق عبدالله عبدالماجد وحكى لي الكثير من المواقف التاريخية مع الفقيد عبدالله بدري وقد ربطتهم العديد من الروابط الاجتماعية والدعوية وانخراطهما المبكر في حركة الاخوان المسلمين. وكما يقال أن الفترات المفصلية من التاريخ تكشف عن معادن الرجال وأتذكر بذهن صافي في يوم المفاصلة التاريخي كان فقيدنا عبدالله بدري يبكي بحرارة لأنه شعر أن بيته الذي نشأ فيه قد تهدم، وكان أكثر الناس الذين تأثروا بالمفاصلة، وله كلمات معبرة عن هذه الحدث للأسف لا أتذكرها قالها في مجمع كبير بدار حزب المؤتمر الوطني بالعمارات أثناء ساعات الانفصال، وقد بان الرهق على محياه الجميل. واثناء المفاصلة كان موقف استاذنا عبدالله بدري واضحاً لا لبث فيه مؤمناً بالنهج الذي ارتضاه لنفسه، ولم يكن إمعة كالكثير من الناس بل كان صادقاً وجريئاً في قول الحق ولم يخشى في كلمة الحق لومة لائم. وفي الحلقة النقاشية التي نظمتها هيئة الاعمال الفكرية العام الماضي كما اعتقد ضمن سلسلة (معالم في طريق الاحياء) لم يخشى أحداً من الذين يرهبون الناس وتحدث حديث الصدق والصراحة ذاكراً اخفاقات الحركة الاسلامية، وفي موقف آخر وقف الفقيد ضد ترشيح على عثمان لمنصب الامين العام للحركة الاسلامية بحجة منطقية وهى أن مشاغل النائب الاول في رئاسة الجمهورية تجعله غير قادر على أعادة بناء الحركة الإسلامية، بل كان من ضمن الذين رفعوا مذكرة شبيهة بمذكرة العشرة. واعتبر عبدالله بدري في تصريحات ندوة هيئة الاعمال الفكرية "جميع اعضاء الحركة الاسلامية اصيلون وشركاء،رافضاً ما اسماه تسلط من قدمتهم الحركة الاسلامية للقيادة على اعضاء الحركة،وشدد على ان هذا الامر يحتاج الى مراجعة جذرية ، ولكنه اشار الى ان بعض الدوائر تتخوف من الاصلاح وتتهم الآخرين بأنهم يريدون شق الصف"...!!!. واندهش الناس حينها لهذه الصراحة. واكد بدري " ان الحركة الاسلامية هي الثابت بينما الدولة هي المتغير لان الحركة الاسلامية هي كيان يتنافس مع بقية القوى السياسية للوصول الى الدولة سلميا ويمكن ان تكسب ويمكن ان تخسر". وكشف عبدالله بدري عن الاحباط الذي ينتابه عندما يواجه حقيقة حصاد النموذج الاسلامي في السودان. موضحا انه يشعر بأنه يرغب في نموذج وطني عادي، من فرط التهاون في المساءلة حول قضايا الفساد، وقال انه في النماذج الغربية تتم المساءلة عن اي مظاهر فساد تظهر على المسؤولين.. وتساءل عن امكانية ان تحاسب اي جهة مسؤولينا اليوم كما يحاسبون في الانظمة الغربية، واكد انه لا توجد معايير لمحاسبة الوزير او الوكيل. واعترف بأن الحركة الاسلامية قدمت نموذجا في التضحية والشهادة بالنفس ، ولكنها فشلت في نموذج المساءلة، مشيرا الى ان الاسلاميين يتحدثون عن القيم الرفيعة نهاراً ويذبحونها ليلاً". وفي سانحة آخرى انتقد صراحة أعلى قمة المؤتمر الوطني وقال قولته الشهيرة" لا توجد شورى في المؤتمر الوطني"، مبيناً ان "مجلس الشورى يخضع لامانة الاتصال التنظيمي وهو جهاز تنفيذي، ولكنه صار رقيبا حتى على المؤسسة التشريعية في التنظيم وهي مجلس الشورى". الذين يعرفون الفقيد عبدالله بدري يدينون له بالكثير من المواقف التأريخية القوية التي تؤكد على معدنه الأصيل وتدينه فوق كل الاعتبارات، وعرف عبدالله بدري أنه غني بنفسه وفكره وعمله وجهده الذين بذله في الحركة الاسلامية والعمل الوطني بنكران ذات، لذا لم يكن محلاً للمساومات ذلك لأنه قد تربى في عز وشرف، ومن أسرة معروفة غنية بتاريخها التليد من العلم والمثابرة لذا كان مرفوع الجبين لا كبير عنده إلا الله سبحانه وتعالى، ولم يكن ينظر كالآخرين للمناصب التي هي أصغر من قامته السامقة التي لا يطولها إلا اعتزازه بدينه ووطنه. رحم الله فقيدنا الاستاذ المربي عبدالله بدري وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. والعزاء الصادق لأهله ومحبيه وتلامذته، والعزاء كل أمدرمان التي شهدت مجاهداته، إنا لله وإنا إليه راجعون.